السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كلُّ يوم ظفرتُ فيه بنفسي.. جميل

كلُّ يوم ظفرتُ فيه بنفسي.. جميل
26 أكتوبر 2017 02:55
خلف الكاتب والشاعر والناقد العصامي الراحل عباس محمود العقاد (1889- 1964) إنتاجاً كثيفاً في شتى ضروب المعرفة. ثمة نحو مئة من العناوين التي ألفها ونشرها وأعيد نشرها على مدار العقود الماضية حملت اسمه وأشاعته ورسخته في الوسط الثقافي العربي رسوخاً ظاهراً.  كتب العقاد، الذي عُرف شاعراً ورائداً في طرح مفاهيم التجديد والتجدد في الشعرية العربية الحديثة، في الفكر والعلم والفلسفة، كما كرس تجربة مهمة في استعادة وقراءة وطرح سير العديد من الأسماء الدينية والثقافية والفلسفية التي أحدثت فرقاً في تاريخ الإنسانية. اتسم الخطاب النقدي للعقاد، الذي اجتهد وثابر وتحصل ما تحصل من معارف كفاحاً شخصياً ومن دون عون أكاديمي، بالعمق واللوذعية والجرأة، كما اتسمت مقالاته في شؤون المجتمع والحياة بطابع بلاغي ملحوظ وبرؤى مثيرة وجدلية. في ما يلي مختارات من متنه الثري والمتنوع. العمل «وقت الفراغ» هو الوقت الذي بقي لنا لنملكه ونملك أنفسنا فيه بعد أن قضينا وقت العمل مملوكين مسخرين لما نزاوله من شواغل العيش وتكاليف الضرورة. عقل المعارف التي نجمعها من التجارب والكتب محصول نفيس ولكنه محصول لا يفيدنا ما لم نغربله ونوزعه على مواضعه من خزائن العقل والضمير. حق من حقك أن تشتري بالمال والسعي عدواً يزينك بمخالفته إياك، فإنه لا يزينك بهذه المخالفة إلا إذا كان على خلق يعيبه ولا يشرف من يوافقه عليه.  أخلاق في عالم الأخلاق لا باعث إلى الخير أقوى من شعور الإنسان بكماله ولا وازع عن الشر أقوى من شعور الإنسان بنقصه ولا أخلاق لمن يحسن لأنه يؤجر على الإحسان أو يسيء لأنه في أمان. غنى إن فقر العقول لم يكن قط شهادة بغنى النفوس. وإن ثروة النفوس لا تحرم صاحبها ثروة العقل بل تعينه عليها وتزيده منها. الضمير إن طائفة من الخلق يستبقون العلاقة بينهم من انقطاع المودة طلباً لدوام المنفعة، فهؤلاء يمثلون ويتاجرون. ولا ضير في التمثيل فناً ولا من التجارة عملاً، ولكن الضير كل الضير من التمثيل في الضمير والاتجار بالعاطفة ففي هذا من المعابة ما يعاب على المتاجرة بالأجسام والشهوات. ذوق نريد كثيراً جداً من «الذوق» الذي مصدره الفهم واليقظة والدماثة.. وقليلا جداً من الذوق الذي مصدره التأنث والسقم والاصطناع. إنصاف أول ما يخطر لي على بال أنني أتهم من يقترف عملاً من الأعمال المنكرة بسوء النية وتعمد الإساءة؛ لأنني لا أحسب أن إنساناً عاقلًا يقع في خطأ جسيم عفواً أو جهلاً بالفرق بين الحسن والقبيح. فإذا ظلمته فقد يشفع لي أنني ظلمته في سبيل الإنصاف. ثراء إن الإنسان ليثور من السخط والغضب حين ينظر إلى فقرائنا العجزة المعدمين وهم يتيهون من الغنى الموهوم ويتغطرسون بالثراء المعدوم. حياة قد حيينا عصوراً طوالاً في خدمة حياة غيرنا، حتى أوشكنا إذا قيل لنا اشعروا بالحياة أن نطلب أجراً على حياتنا. الممثل الممثل القدير هو الذي يمثل لك ما لا يقال، أو هو الممثل الذي يشغل فراغ القول بين عبارة وعبارة من كلمات المؤلفين، لأن مصاحبة الكلمة الضاحكة بالمنظر الضاحك أو مصاحبة الكلمة الباكية بالمنظر المحزن فن لا يعسر على كثيرين، وإنما يعسر عليهم أن يمثلوا لك ما لا يقال بين الكلمتين أو بين المنظرين: يصعب عليهم أن يمثلوا لك ما تدركه أنت ولا يقوله المؤلف بلسانه ولا تسمعه أنت بأذنيك. جوع العقل إن الإنسان لا يرائي بحب الطعام الجيد أو الطعام المفيد، إنه يحبه في السر كما يحبه في العلانية، وإنه ليبذل فيه ثمنه وإن غلا ويجلبه من مكانه وإن بعد وإنه ليكتفي به ويحسبه جزاء حسناً ولا ينتظر عليه المثوبة أو الشكران من أحد لأنه يتناوله لنفسه ولا يتناوله مرضاة لغيره. وهكذا طعام العقل أو طعام الروح حيثما عرفت الروح ما يصلح لها وما يليق بها من طعام، إنها لا تستريح بغيره ولا تتوانى عن طلبه ولا تنتظر المثوبة أو الشكر لأنها تختار غذاءها فتحسن اختياره ولا ترضى بما دونه؛ وإنما من المهم أن تعرف هذا الغذاء فإذا هي عرفته فلا باعث لها إلى الخير أقوى من الشوق إليه ولا وازع لها ولا عقوبة تخشاها في سبيله أوجع من فواته والحرمان منه. محنة شك كل يوم ظفرت فيه بنفسي وخرجت فيه من محنة الشك، فيما استطيع ولا استطيع، هو يوم جميل، بالغ الجمال. فرادة كل أديب نمط وحده، كل أديب في غنى عن الأدباء إلا أن يتعاونوا في الحواشي والظروف، دون الجوهر واللباب. سخرة الحقيقة، أن القراءة عندنا لم تزل سخرة يساق إليها الأكثرون.. طلباً لوظيفة أو منفعة! قيد أما من سألني لماذا لم أتزوج فكان جوابي له أن الزواج قيد. وأنني عشت حياتي كلها في مخاطرة لا غنى لصاحبها عن الطلاقة والحرية، وإنني بعد هذا وذاك أقول ما قاله الخليل بن أحمد حين سئل في قرض الشعر، فأجاب: إن الذي يرضاه من الشعر لا يجيئه وأن الذي يجيئه منه لا يرضاه. قديم وجديد فقد مضى زمان كان يكفي فيه أن يكون الشيء قديماً ليحكى بلا تصرف ولا مراجعة، ومضى بعدهُ زمن كان يكفي فيه أن يكون الشيء أوروبياً أو حديثاً ليحكى بلا تصرف ولا مراجعة، فهذا الربع الثاني من القرن العشرين قد عرف أناساً يأبون التقيد بكل قديم لأنه قديم، كما يأبون التقيد بكل جديد. ومن الناس اليوم من يوصف بالابتكار والجرأة لأنه يتمسك بقديم كان الاستمساك به وقفاً على الجامدين، ومنهم من يوصف بالجمود والمحاكاة لأنه يعجل إلى الجديد الذي يستحب على سنة التقليد. ولعل الحقيقة المقبلة هي التي يكتب لها أن تثبت قدم الاستقلال وتطلق الآراء من حجر القديم والجديد على السواء. مزاد الشهرة إن الذي يًكِلُ إلى الناس تقدير قيمته يجعلونه سلعة يتراوح سعرها بتراوحهم بين الحاجة إليها والاستغناء عنها؛ والطريقة المثلى أن يقوّم لنفسه قيمتها، فإن المرء ـ كما يقول بعضهم ـ يساوي القيمة التي يضعها لنفسه، ذلك خير من أن يطرحها في المزاد على ألسنة الناس.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©