الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الملافظ سعد

28 سبتمبر 2010 22:05
على حافة الكلمات تمضي المعاني، بعض الحروف تحملّها خيراً، وأخرى تحملها عناءً، على حافة الكلمات تأتي السعادة، وعلى حافتها أيضاً تفور الأعصاب وتسيل الدموع. للكلمات وقع خاص على الروح قبل الأذن، المبشرة منها بالخير تلقى فسحة في القلب وراحة وفي النفس، والمنذرة المتوعدة أو تلك الكلمات التي تبدو مظلمة سواء تنفر الذات منها وتنهار القلب بين الضلوع وجلاً من تأثيرها. الحديث الشائق مهارة، قوة الإقناع مهارة، تراص الكلمات في جمل مفيدة مهارة، كل هذه أشياء يولد الإنسان بها، لكن بعض الناس ينسى أن يرعاها في صغاره ليكبروا من دونها وتغيب مهاراتهم، وآخرون ينمونها بالتجارب والقصص والقراءة والأشعار والأمثال، يردفونها ويرفعون وجودها في عقول صغارهم، ليكبروا ويصبحوا قلة في هذا الزمن، القلة اللبقة الحديث. مهارة حسن استخدام الكلمات، تجلب السعادة لصاحبها ومن حوله، فالناس يحبون الشخص ذا اللسان الطيب، الذي يسعدهم حديثه وتروقهم كلماته، لكنها عندما تمتزج بصفاء القلب ونقاء السريرة تكون من أحسن الهبات الربانية على الناس. منذ مدة ليست بالقصيرة والألفاظ الطيبة غائبة عن ألسنة الكثيرين، تبدو ردودهم غريبة حتى على الأسئلة الطبيعية، تسأل أحدهم عن حاله، فيرد: «والله قاعدين ندفّش»، تسأل أخرى عن حال أبنائها، فتجيب: «يشكحون» وهذه الكلمة دارجة بين المواطنين وتأتي بمعنى (يقفزون). ومن الغرائب في الأحاديث أيضاً أن تسمع كلمات نابية على ألسنة الصغار يسمعها الآباء ويضحكون، أو أن تجد طفلاً يتعلم الكلمات الأولى وحوله من يلقنه «السبّ». قال أجدادنا «الملافظ سعد»، وقصدوا بهذه العبارة أن الألفاظ الفصيحة سعادة لصاحبها، فصاحب اللسان ذي الكلمات الطيبة سعيد بحب من حوله، على عكس غيره. أمور غريبة صارت تمس أدب الحديث في المجتمع، غياب الوعي بأهمية الكلمات التي تصدر من الإنسان يخلق حالة من اللامبالاة بها وبأهميتها وبمن يقولها أيضاً. وللكلمات وقع حتى إن لم تكن قائلها؛ لأن الإنسان الذي يعي أبعاد الحروف لن ينقل كلاماً يجرح شخصاً لآخر حتى لو طلب منه ذلك، وفي قصص الإسلام تروى حكاية عن مرور هارون الرشيد على غلام يقرأ القرآن وفي يده كتاب الله تعالى، فقال له: ماذا تقرأ يا بني؟ فقال الطفل: أقرا «ألم نشرح لك صدرك». فلما نظر هارون الرشيد في المصحف رآه مفتوحاً على قوله تعالى «عبس وتولى» فقال للغلام أتكذب على؟! فقال الغلام -الذي هذبه القرآن الكريم: ما أحببت إلا أن أخاطبك بما أتمنى لك من الله أن يشرح صدرك ويضع عنك وزرك ويجعل لك مع كل عسر يسرين هذا خير من ألقاك بالعبوس. فتحية البلوشي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©