الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ترامب وردع كوريا الشمالية

23 أكتوبر 2017 01:44
ربما لا توجد في السياسة الخارجية الأميركية تحدياتٌ أكثر إلحاحاً واستعجالاً من تلك التي تطرحها حالياً كوريا الشمالية، فقد أجرت تجربتها النووية السادسة ويبدو أنها نجحت في تطوير صاروخ باليستي عابر للقارات، وفي هذه الأثناء تجتهد إدارة ترامب لتحديد سياستها تجاه بيونغ يانغ، حيث قلّل الرئيس دونالد ترامب في تصريح حديث له من شأن احتمالات المفاوضات، وشدّد على نحو غير مفهوم على أن «شيئاً واحداً فقط سينجح». غير أنه في الواقع لا يوجد شيء واحد يمكن أن يحل مشكلة تهديد كوريا الشمالية النووي، وفي المقابل فإن أي سياسة عقلانية تجاه بيونج يانج يجب أن تبدأ بإنهاء البحث عن حلول سحرية وتبنّي سياسة توظّف كل أدوات القوة الأميركية بشكل منسق. والحجج ضد اللجوء للخيار العسكري بشكل سابق للأوان واضحة بما يكفي، بل إن حتى الاكتفاء بتوجيه ضربة محدودة ضد كوريا الشمالية يمكن أن يؤدي إلى ما لا يعد من الإصابات على الجانب الآخر من الحدود في كوريا الجنوبية. كما يمكن أيضاً أن تمتد رقعتها إلى خارج شبه الجزيرة الكورية، مفجرةً نزاعاً إقليمياً وحتى أعمالاً عدائية بين الولايات المتحدة والصين، ثم إنه لو أن جائزة الرهان كانت كبيرة بما يكفي، فإن كل هذا كان سيستحق المجازفة، لو في استطاعة المرء أن يكون واثقاً من أن توجيه ضربة سيكون فعالاً ومجدياً في النهاية. والحال أن القادة العسكريين الأميركيين أكدوا أننا لا نملك معلومات استخباراتية كافية حول الأهداف داخل كوريا الشمالية نفسها، لضمان أن تحقق أية ضربة هدفها بسرعة. غير أن ترامب محق في أن المفاوضات مع كوريا الشمالية لا تحمل أملاً كبيراً أيضاً، ولعل السؤال الأول الذي يجب طرحه بشأن التفاوض مع كوريا الشمالية هو «لأي هدف؟». فهدف نزع البرنامج النووي -أي إقناع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالتخلي عن أسلحته النووية عبر اتباع أسلوب يزاوج بين الحوافز والضغط- غير واقعي، وذلك لأن التخلي عن الأسلحة النووية، كما يعتقد كيم، من شأنه تهديد أولويته الأولى: أمن النظام (أي أمنه الشخصي). ثم إنه من الصعب أيضاً تخيل أي حافز يمكن أن يضاهي قيمة تلك الأسلحة، ناهيك عن حافز تكون واشنطن مستعدة لتقديمه، كما أنه من الصعب تصور أي مستوى من الضغط يمكن أن يحمل كيم على التخلي عن ترسانته النووية، ذلك أن كيم ومَن قبله كشفوا عن استعداد كبير جداً لتحمل العزلة وفرض ثمن باهظ على الشعب الكوري الشمالي من أجل نيل «الجائزة النووية». غير أنه لحسن الحظ أن الحرب والمفاوضات ليسا الخيارين الوحيدين المتاحين أمامنا، وفي المقابل ينبغي على الولايات المتحدة، حتى في الوقت الذي نتمسك فيه بتفكيك البرنامج النووي كهدف على المدى الطويل، اتباع سياسة تهدف إلى ردع كوريا الشمالية عن استخدام أسلحتها النووية، أو استخدامها كغطاء للاعتداء العسكري والإلكتروني. إن الردع ليس حلاً للمشكلة، وإنما طريقة للتعاطي مع غياب حلول. إنه ليس «شيئاً واحداً» سيعالج التحدي المطروح، وإنما أشياء عديدة يتم القيام بها معاً وبشكل مستمر. عسكرياً، ستتطلب هذه السياسة تعزيز وضعنا الدفاعي الإقليمي ومساعداتنا لحلفائنا، كما ستعني أيضاً إيجاد طرق للرد بقوة على الاستفزازات غير النووية التي يقوم بها نظام كيم. واقتصادياً، ستقتضي توظيف العقوبات بشكل أقوى وأكثر شراسة من أجل كبح قطاع الأمن الكوري الشمالي أكثر، ومعاقبة «الشمال» على سياسته المتهورة، وضمان أن يبقى إنهاء عزلته رهيناً بتوافق نووي في النهاية. ولكن أهم عنصر في مثل هذه الاستراتيجية هو الدبلوماسية، التي ستستهدف أطراف مختلفة، وأهم هذه الأطراف حلفاؤنا الإقليميون مثل اليابان وكوريا الجنوبية الذين ينبغي أن نقوم بالتنسيق معهم بشكل وثيق بخصوص كل جوانب السياسة المعتمدة. أما الطرف الآخر فيفترض أن يكون الصين التي ينبغي على الولايات المتحدة ألا تستخدمها للضغط على بيونج يانج فحسب، ولكن ينبغي أن نناقش معها أيضاً سيناريوهات الطوارئ في حال تزعزع استقرار كوريا الشمالية نتيجة للضغط الدولي أو لمشاكل من صنع بيونج يانج نفسها. ومثل هذه المحادثات سترمي إلى تبديد التخوفات الصينية بشأن تأثير عدم الاستقرار في كوريا الشمالية، أو إعادة توحيدها المحتمل مع «الجنوب»، وبالتالي ثني بكين عن اتخاذ خطوات لدعم نظام كيم. غير أن ثمة طرفاً أو جمهوراً آخر أيضاً، إنه الكوريون الشماليون العاديون الذين ينبغي أن نسعى لمد جسور الاتصال معهم في محاولة لخفيف قبضة النظام على تدفق المعلومات على أمل دعم التغيير من الداخل. إن سياسة أميركية ناجحة تجاه كوريا الشمالية تقتضي أن نطرح جانباً فكرة وجود حل سريع لهذا التحدي، وإدراك أن أي جهد في هذا الباب يمكن أن يُضعف مصالحنا أكثر من إمكانية أن يخدمها، وعليه فيجدر بإدارة ترامب ألا تنظر إلى التهديدات العسكرية والدبلوماسية كخيارين منفصلين، وإنما كعنصرين ضمن استراتيجية واحدة منسجمة. * محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©