السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الحرب التجارية.. خسائر اقتصادية واستثمارية.. والمستهلك يدفع الثمن

الحرب التجارية.. خسائر اقتصادية واستثمارية.. والمستهلك يدفع الثمن
5 سبتمبر 2018 00:06

أبوظبي (الاتحاد)

أدت الحرب التجارية العالمية الدائرة الآن إلى اضطرابات في حركة الاستثمارات البينية المباشرة، حيث تعمد الشركات متعددة الجنسيات للدخول إلى الأسواق التي تفرض رسوماً حمائية أو العكس، حتى تتجنب الآثار السلبية لهذه الرسوم.
ويرى الدكتور أحمد الصفطي أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية، أن الحرب التجارية تفرض قيوداً على الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة الغرض منها عودة الاستثمارات الأميركية المباشرة من الخارج إلى الداخل، بمعنى أن الشركات التي كانت تستثمر في الصين وغيرها وتصدر إنتاجها لأميركا، ستعيد النظر في تواجدها هناك بعد فرض الرسوم الجمركية التي فرضتها الإدارة الأميركية.
وأوضح أن القيود التجارية تؤدي إلى تقليص حركة الاستثمارات البينية على أساس تفادي الرسوم الجمركية الحمائية.

العودة من الخارج
وفيما يتعلق باستجابة الشركات الأميركية للضغوط الحكومية لعودة استثماراتها من الخارج، قال الصفطي إن الإدارة الأميركية قامت بإجراءين في هذا الاتجاه أولهما هو تخفيض الضرائب على الشركات، والثاني هو فروض رسوم جمركية مرتفعة على البلدان المتواجدة فيها.
وقال إن الرسوم التي فرضتها بعض البلدان مثل الاتحاد الأوروبي والصين على الصادرات الأميركية، أدت إلى قيام الشركات الأميركية بنقل استثماراتها من الولايات المتحدة إلى دول أخرى لتفادي الرسوم الأوروبية، مثل شركة هارلي ديفنسون لإنتاج الدراجات النارية والتي يعتبرها ترامب «رمز» الصناعة الأميركية، تدرس إنتاج مزيد من الدراجات خارج الولايات المتحدة في محاولة لتفادي الأثر السلبي للرسوم الجمركية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على سلع ومنتجات أميركية، من بينها عصائر البرتقال والدراجات النارية القادمة من الولايات المتحدة، لأن الرسوم الجمركية الأوروبية تهدد مبيعاتها التي بدأت في إظهار بعض التعافي في الفترة الأخيرة.
وضرب الصفطي مثلاً أيضاً بشركة مرسيدس الألمانية التي تقوم بإنتاج جزء كبير من إنتاجها من سيارات الدفع الرفاعي وSUV داخل الولايات المتحدة، اضطرت مع تهديد الصين بفرض رسوم جمركية على وارداتها من البضائع الأميركية، إلى تقليل حجم إنتاجها في الولايات المتحدة وزيادته في الصين التي تشهد طلباً متزايداً، نتيجة النمو الاقتصادي المتسارع وارتفاع مستوى دخل الفرد هناك.
وأضاف أن كل هذا مرتبط بالخطط الاستثمارية المستقبلية، وبالتالي بدلاً من أن تتوسع الشركات العالمية أو الأميركية في الولايات المتحدة، قلصت استثماراتها وزادتها في المقابل في دولة أخرى مثل الصين، تفادياً للرسوم الجمركية المرتفعة.
قال: بصفة عامة تؤدي الحرب التجارية إلى تغيير في التدفقات الاستثمارية البينية، فقد تعود للدولة الأم سواء الولايات المتحدة أو الصين وغيرهما، تفادياً للرسوم الجمركية التي قد تُضعف من القدرة التنافسية لمنتجاتها مقابل السلع المثيلة.

العائد والمخاطرة
واستبعد قيام الصين بتسييل استثماراتها غير المباشرة في الولايات المتحدة، نظراً لارتباط هذه الاستثمارات وهي غالباً في صورة سندات، بالعائد وتدني المخاطر، فالعائد والمخاطرة يحركان توجهات استثمارات المحفظة «Portfolio» وسعر العملة.
ونوه بحدوث تذبذبات كبيرة قد تحدث في أسعار الصرف نتيجة للحرب التجارية، وبالتالي قد تفكر الصين في تنويع استثماراتها غير المباشرة نتيجة لعدم الاستقرار المتوقع في العملة الأميركية، عن طريق نقل محافظ مالية إلى دول أخرى تجنباً لهذا الأمر.
وقال إن الحرب التجارية قد تؤدي لتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي لأن التجارة تساعد على النمو، وحرية التجارة تزود الطلب على الإنتاج المحلي، وبالتالي زيادة الاستثمارات، ومع التقييد لحركة التجارة تقل فرص التوسع الاستثماري.
وقال إنه من الملاحظ أن جزءاً كبيراً من الرسوم الجمركية مفروض على مدخلات الإنتاج مثل الحديد والألومنيوم، وبالتالي ارتفاع تكلفة المنتج النهائي، وفي النهاية سيدفع المستهلك فاتورة أكبر.
ولفت إلى أن قطاعات أيضاً ستتضرر مثل قطاع الزراعة، نتيجة فرض الصين لرسوم جمركية على واردتها من فول الصويا لحم الخزير وغيرها من الولايات المتحدة، ما حدا بالرئيس الأميركي بمنح دعم قدره 12 مليار دولار للمزارعين تعويضاً عن الضرر الواقع عليهم.
ونوه بأن التأثير غير المباشر لهذه الرسوم على المزارعين هو تدني قدرتهم على التوسع وضخ استثمارات جديدة، مع تضرر منتجهم النهائي من فرض الرسوم الصينية.

الخاسر الأكبر
من جهته، قال الدكتور معاوية العوض مدير معهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية في جامعة زايد، إن الحمائية التجارية تضر جميع الأطراف، والخاسر الأكبر من هذه السياسة هو الاستثمارات بشقيها المباشر وغير المباشر.
وأوضح أنه إذا ما فرضت الولايات المتحدة الأميركية رسوماً جمركية على كندا أو المكسيك التي تستقطب استثمارات أميركية ضخمة، فإنه قد يكون الهدف من وراء هذه الخطوة هو عودة هذه الاستثمارات إلى الولايات المتحدة، بهدف خلق فرص عمل وتنشيط الاقتصاد الأميركي.
وأضاف أن الشركات الأميركية فتحت مصانع خارج الولايات المتحدة بحثاً عن رخص الأيدي العاملة بهذه البلدان، وبالتالي فإن عودتها لأميركا، ربما تخلق فرصاً وظيفية صحيح، لكن تكاليف الإنتاج قد ترتفع بصورة كبيرة نظراً لارتفاع أجر العامل الأميركي مقارنة بالبلدان الأخرى المستقبلة، ما يقفز بأسعار المنتج النهائي ومن ثم يتضرر المستهلك، وهذا هو نتاج الحمائية. وأضاف أن شركة آبل، على سبيل المثال، لو سحبت استثماراتها من الصين وتوجهت للعمل داخل الولايات المتحدة، ربما ترتفع تكلفة المنتجات وتصبح غير منافسة، وقد يصب ذلك في صالح منافسيها مثل سامسونج أو هواوي وغيرهما التي تعرض منتجات مثيلة بأسعار أقل.
وأوضح أن السياسات الحمائية ستضر الدول التي تطبقها، خاصة إذا كانت مستقبلة للاستثمارات الأجنبية أكثر من الدولة المصدرة للاستثمارات، وبالتالي يؤدي ذلك إلى تقليص النمو وفرص العمل، مضيفاً أن أميركا مثالاً لو زادت من حدة الحمائية ستتأثر سلباً وهي تعلم ذلك جيداً.
وفيما يتعلق بالاستثمارات غير المباشرة، قال العوض إنه مع تزايد التوترات التجارية، فإنّ المستثمرين يسعون جاهدين لمعرفة ما هي الخطوة التالية التي تسعى السلطات الصينية أو الأوروبية إلى اتخاذها للحيلولة دون حصول هبوط حاد في أسواق الأسهم، معرباً عن اعتقاده بأن تسهيل السياستين المالية والنقدية تسهيلاً إضافياً سيكون هو الأداة الرئيسة في الوقت الحاضر.
وأضاف: دعنا نرى ما إذا كانت الصين سوف تبدأ باستعمال سلاح أكثر خطورة ضد الولايات المتحدة، كأن تبدأ ببيع جزء كبير من سندات الخزانة التي تمتلكها حالياً والتي تبلغ قيمتها 1.2 تريليون دولار، وهذا التهديد سيؤدي إلى ارتفاع حاد في عوائد سندات الخزانة الأميركية، ما يزيد من تكاليف الاقتراض على الحكومة، والشركات، والمستهلكين، وإذا ما لجأت الصين إلى هذا السلاح، فإننا سوف نشهد حالة من العمليات البيعية المشوبة بالذعر في أسواق الأسهم الأميركية والعالمية، لكن من الواضح أن السلطات الصينية تحتفظ بهذا الخيار لوقت لاحق.
وأشار إلى أن النزاع التجاري يؤثر أيضاً على البلدان غير المنخرطة في الحرب التجارية، وضرب مثلاً ببريطانيا التي تتجه بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي «بريكست» لإبرام اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة وهي أيضاً حليف تجاري وثيق مع أميركا، مضيفاً أنه في حالة تراجع النمو الاقتصادي العالمي نتيجة التأثر بالحرب التجارية، فقد تتأثر البلدان المصدرة للنفط الخام.
ونوه بارتفاع تكاليف الإنتاج نتيجة للحرب التجارية، حيث يؤدي فرض رسوم على المواد الخام ومدخلات الإنتاج إلى قفزة في أسعار السلع، وضرب مثلاً بمنتجات الصلب والألومنيوم التي تدخل في العديد من الصناعات التي فرضت الولايات المتحدة عليها رسوماً إضافية.
وبالنسبة لآليات منظمة التجارة العالمية ومدى فاعليتها لفض المنازعات، قال إن المنظمة بها آليات كثيرة من شأنها أن تحافظ على حرية التجارة، لكنها تتسم بالبطء الشديد في النظر لمثل هذه القضايا، مثلا لو لجأت دولة مثل الصين إلى المنظمة لرفع دعوى ضد الولايات المتحدة بسبب الرسوم الحمائية، فقد يستغرق الأمر لسنوات حتى تحصل على حكم لصالحها، ما يؤدي إلى تضرر صادراتها.
وأضاف أن هذا يخالف السرعة التي يتسم بها نمو الاقتصاد العالمي والتغييرات التي تطرأ عليها، وهي لا تتحمل الوقت الطويل الذي قد يستغرقه للبت في القضايا التجارية العالقة بين الأطراف المتنازعة أمام المنظمة.
واستطرد: «الأهم من ذلك لو حكمت المنظمة لصالح الصين أو الاتحاد الأوروبي، فإن الولايات المتحدة دائماً عندها خيار الانسحاب من المنظمة، وهذا الانسحاب له آثار سلبية كثيرة، أهمها فقدان المصداقية في المنظمة لأن أميركا ركن أساسي من هذا الكيان العالمي، وبالتالي فإن ردود أفعال الدول على النزاع التجاري الدائر حالياً بين الاقتصادات الكبرى في العالم هي التي توضح مدى وحجم الآثار السلبية في المستقبل على الاقتصاد العالمي نتيجة هذه الحرب التجارية».

الفاتورة باهظة التكاليف
قال المستشار الاقتصادي علي توفيق الصادق، إنه يصعب التكهن بأي مدى ستصل الحرب التجارية مستقبلاً، معرباً عن اعتقاده بعدم التصعيد من الأطراف المتنازعة.
وأضاف أن هناك مداولات ومناقشات واجتماعات للتهدئة بين الأطراف المتنازعة تجارياً، فضلاً عن أن هناك انقساماً داخل الولايات المتحدة حول فرض هذه الرسوم، فهناك فريق ضدها، لأنها تؤثر على الاقتصاد الأميركي، خصوصا الصناعات المصدرة لكل من الاتحاد الأوروبي والصين، لأنهم يردون بفرض ضرائب ورسوم جمركية على الواردات الأميركية.
وقال، «إن فاتورة الحرب التجارية ستكون باهظة التكاليف على التجارة والصادرات والواردات، وطبيعي أن يتأثر النمو الاقتصادي العالمي، ووفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي، فإن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في العامين الجاري والمقبل يصل إلى 3.9% وإذا تسارعت الحرب التجارية، ربما ينزل النمو عن 3.5% أو أقل ليس بسبب التكاليف ولكن لأن النمو يرتبط بالتجارة وفيه عملية نفسية في هذا الموضوع، ربما لتقليص حجم الاستثمارات، أو عدم ضخ استثمارات جديدة».
وأضاف «إنه في أسوأ السيناريوهات قد تُقتطع 430 مليار دولار، نصف نقطة (0.5%)، من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في 2020».
وأوضح أن الولايات المتحدة الأميركية تسعى لعلاج العجز التجاري مع كل من أوروبا والصين، فالرئيس ترامب يقول، إن ذلك غير عادل، ويسعى بكل قواه لتغيير الأمر الواقع، وإيجاد السبل لتغيير ذلك.
وذكر أن هناك مفاوضات من جانب الإمارات لاستثناء صادرات الإمارات من الألومنيوم والحديد من هذه الرسوم، مضيفاً أنه رغم أن دولة الإمارات ليست منخرطة بشكل مباشر في هذا النزاع التجاري بين الاقتصادات الكبرى، فإنه يمكن أن تتفاوض لاستثناء الصادرات الوطنية من الألومنيوم والحديد من الرسوم الإضافية التي فرضتها الولايات المتحدة على واردتها من جميع دول العالم، بنسبة 25%، و10% على التوالي.

تسلسل الحرب التجارية العالمية في 2018
23 يناير: فرضت أميركا رسوماً 30% على ألواح الطاقة الشمسية المستوردة يتم خفضها لنحو 15% بعد مرور أربع سنوات.
تم في نفس اليوم فرض رسوم 20% على الغسالات، ولأول 1.2 مليون وحدة يتم استيرادها من الصين خلال العام.
22 مارس: فرض رسوم على سلع صينية بقيمة 50 مليار دولار.
مطلع أبريل: فرض رسوم جمركية أميركية على واردات الحديد والألومنيوم.
2 أبريل: ردت الصين بفرض رسوم على 128 سلعة مستوردة من أميركا.
15 يونيو: فرض رسوم جمركية على صادرات صينية بقيمة 50 مليار دولار، 34 ملياراً منها تبدأ في 6 يوليو، بينما 16 ملياراً في وقت آخر.
ردت الصين مباشرة بفرض رسوم على 50 مليار دولار من السلع الأميركية.
الصين ترد برسوم مماثلة على المنتجات الأميركية.
23 أغسطس: واشنطن تفرض رسوماً جمركية بنسبة 25% على 79 سلعة صينية تصل قيمتها إلى 16 مليار دولار.
23 أغسطس: ردت الصين بالمثل على الخطوة الأميركية، وفرضت رسوماً على واردات من الولايات المتحدة بقيمة 16 مليار دولار.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©