الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هجوم النبضات الكهرومغناطيسية.. حسابات ومخاوف أمنية

18 أكتوبر 2017 22:10
ظلت مجموعة من المدافعين بشدة عن تعزيز الأمن القومي الأميركي تحذر على مدار سنوات من احتمال وقوع هجوم بالنبضات الكهرومغناطيسية قد يعطل اتصالات الأقمار الاصطناعية وشبكات الكهرباء ويخلق ما أطلق عليه عالم نووي «آلة زمن قارية النطاق». وقد تجددت هذه المخاوف في الأسابيع القليلة الماضية في غمرة تصاعد الحرب الكلامية مع كوريا الشمالية دون ظهور خطة تعالج التهديد. وفي 30 سبتمبر، ألغيت لجنة في الكونجرس معنية بتقييم احتمال تعرض الولايات المتحدة لهجوم بالنبضات الكهرومغناطيسية، بعد 16 عاماً من العمل. وفي هذا السياق صرح نيوت جينجريتش، النائب الجمهوري عن ولاية جورجيا ورئيس مجلس النواب السابق، الذي كان من بين أكبر المدافعين عن ضرورة التعامل مع تهديد الهجوم بالنبضات الكهرومغناطيسية بجدية، أنه لم يقرر التصدي لإغلاق اللجنة إلا بعد أن استشار خبراء. وأضاف في مقابلة مع «فورين بوليسي» قائلاً: «يعتقد أشخاص أثق فيهم، ومهتمون للغاية بخطر احتمال شن هجوم بالنبضات الكهرومغناطيسية، أننا بحاجة إلى بداية جديدة». وتعود المخاوف من وقوع هجوم بالنبضات الكهرومغناطيسية إلى اختبار «ستارفيش برايم» الذي أجرته الولايات المتحدة عام 1962 حين أدى تفجير قنبلة نووية على بعد 250 ميلاً فوق المحيط الهادي إلى إطفاء أنوار الشوارع في هاواي. وأدرك العلماء حينها أن الأسلحة النووية التي تنفجر في الغلاف الجوي الأعلى تطلق إلكترونات قاتلة يمكنها تدمير الأجهزة الإلكترونية التي تتضمن حالياً الأقمار الاصطناعية في مدارات قريبة من الأرض. ودأب جينجريتش على التحذير من احتمال وقوع هجوم بنبضات كهرومغناطيسية، ومن ذلك شهادته أمام لجنة مجلس الشيوخ المعنية بالطاقة والموارد القومية في مايو الماضي، وأيضاً ما كتبه في مقال رأي نُشر في موقع «فوكس نيوز. كوم» في يونيو. وتخيلات رئيس مجلس النواب السابق عن هجوم بالنبضات الكهرومغناطيسية دفعت الصحفي مايكل كراولي في عام 2009 إلى أن يسخر منها ويصفها بأنها «قنبلة نيوت» في مجلة «نيو ريبابليك». ويسخر المنتقدون من مثل هذه المخاوف ويصفونها بأنها من صنع مروجي المؤامرات. لكن في الشهر الماضي أعلنت وكالة الأنباء التي تديرها الدولة في كوريا الشمالية أن البلاد طورت أسلحة حرارية نووية قادرة بشكل خاص على الانفجار على ارتفاع كبير لخلق نبضات كهرومغناطيسية. وأغلقت اللجنة الخاصة بتهديد الهجوم بالنبضات الكهرومغناطيسية بعد ذلك ببضعة أسابيع. وعلى رغم رغبة الإدارة الأميركية في التعامل مع هذا بجدية فإن الإيقاع البطيء للتعيينات السياسية جعل معالجة تهديد النبضات الكهرومغناطسية أمراً شبه مستحيل تقريباً. وقد اشتهرت إدارة ترامب ببطئها الشديد في شغل المناصب الحكومية. وذكر جينجريتش أن وزير الدفاع جيمس ماتيس اضطر إلى «اتخاذ قرارات في ثلاثة مستويات أقل من مستوى وزير. ومن الصعب الحصول على كثير من التخطيط الاستراتيجي حين يكون هذا ما يحدث». ولكن جينجريتش أيضاً عبر عن ارتياحه تجاه تركيز وزير الطاقة ريك بيري على أمور الأمن القومي. ولكن آخرين يشعرون براحة أقل تجاه هذا، فقد زعم مقال في صحيفة «نيويورك تايمز» في يناير الماضي أن بيري لم يكن يدرك في بداية الأمر أن دوره الجديد يتضمن حراسة الترسانة النووية. وإغلاق اللجنة هو الأحدث في سلسلة خطوات للتراجع عن خطط الحماية من احتمال وقوع هجوم بالنبضات الكهرومغناطيسية. ومنذ نهاية الحرب الباردة تراجع الجيش عن عملية تقوية الأجهزة الإلكترونية ضد الهجمات بالنبضات الكهرومغناطيسية، فيما عدا بعض العتاد المتخصص مثل الطائرة الرئاسية «إير فورس وان». وفي هذا السياق ذكر دنيس بابادوبولوس، أستاذ الفيزياء في جامعة مريلاند، أن برنامج البنتاجون الوحيد الذي كان يبحث في وسائل تخفيف آثار هجوم بالنبضات الكهرومغناطيسية توقف قبل نحو ثمانية أعوام. وعلى مدار سنوات، أثناء إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، كان لدى «وكالة مشروعات البحث الدفاعية المتقدمة» في البنتاجون برنامج تضمن منشأة لأبحاث الغلاف الأيوني في آلاسكا لبحث ما إذا كان من الممكن تنظيف الإلكترونات القاتلة التي يتسبب فيها أي سلاح لإطلاق النبضات الكهرومغناطيسية. وقد أغلق هذا البرنامج التجريبي نحو عام 2009. وصرح بابادوبولوس بأن السياسة دفعت البنتاجون إلى إغلاق البرنامج. وأضاف في مقابلة مع مجلة «فورين بوليسي» قائلاً: «لقد كان هذا مثيراً للسخرية، والعذر الذي قدموه هو أن هذا، سياسياً، قد يزعج الصينيين إذا عثرنا على حل للمشكلة». وأكد بابادوبولوس أنه «لا يوجد شيء» يتعلق ببرامج بحثية جديدة تسعى إلى تقليص تأثيرات أي هجوم محتمل بالنبضات الكهرومغناطيسية. وقد يشعر البعض بالقلق من هذا الإهمال، ولكن آخرين لطالما وصفوا الهجوم بالنبضات الكهرومغناطيسية بأنه غير مرجح الوقوع. ويعتقد «نيك شويلنباك»، مدير التحقيقات في «مشروع الرقابة الحكومية» وهو جماعة مراقبة غير حزبية، أن اللجنة المعنية ببحث التهديد باحتمال وقوع هجوم بالنبضات الكهرومغناطيسية «توافر لديها وقت كافٍ كي تقيم حجتها. وأُنفق أيضاً ما يكفي من دولارات دافعي الضرائب على اللجنة». ويعتقد «شويلنباك» أن المعامل القومية التابعة لوزارة الطاقة ومعامل البحث في وزارة الدفاع سيكون بمقدورها معالجة التحديات المرتبطة بهذه القضية في غياب اللجنة. صحيح أن الخبراء يتفقون على أن النبضات الكهرومغناطيسية ستكون مدمرة نظرياً، ولكن العلماء يجادلون أيضاً منذ سنوات بشأن صعوبة ابتكار سلاح يعزز هذه التأثيرات. ويرى «شويلنباك» أن الخوف من مثل هذا الهجوم الافتراضي «يقوم على عدد كبير من المزاعم الهشة». وبدوره يعتقد يوسف بات، عالم الفيزياء والباحث البارز في جامعة الدفاع القومي، أن هجوماً بالنبضات الكهرومغناطيسية يحتاج إلى ظروف معينة كي ينجح. وصرح لمجلة «فورين بوليسي» قائلاً إن «قنبلة نبضات كهرومغناطيسية تحتاج إلى تفجير على ارتفاع معين. ويتعين إطلاقها بطريقة معينة أيضاً». وعلى رغم أن اللجنة المعنية بالتصدي لخطر وقوع هجوم بالنبضات الكهرومغناطيسية قد توقف عملها، فإن المدافعين عن ضرورة وجودها لم يتوقفوا عن الدفع بحججهم. ففي شهادة أمام الكونجرس في الأيام القليلة الماضية حث «بيتر فينست براي»، كبير الموظفين في اللجنة، المشرعين على أن يتعاملوا مع التهديد بجدية مكرراً تحذيراً سابقاً مفاده أن هجوماً يعطل شبكة الكهرباء الأميركية قد يقتل 90% من الأميركيين. وذكر في شهادته أن «كوريا الشمالية قادرة على شن هجوم بالنبضات الكهرومغناطيسية الآن». وأضاف أن النظام الاستبدادي المعادي الحاكم في بيونج يانج يستطيع شن الهجوم بسلاح واحد ليضر بكل أميركا الشمالية ويعطل شبكات الكهرباء والمواصلات والاتصالات فيها على نطاق واسع. وفي المقابل أشار منتقدون للجنة، على رغم اعترافهم بما قد يسببه هجوم كهرومغناطيسي من فزع كبير، إلى أن هجوماً مثل هذا من طرف بيونج يانج غير مرجح الوقوع لأن الولايات المتحدة ستثأر لنفسها بهجوم نووي مدمر ضد كوريا الشمالية. وفي هذا قال «شويلنباك»: «إن شن هجوم بالنبضات الكهرومغناطيسية سيكون انتحاراً». ولكن جينجريتش يرى أن مستوى الرد المفترض ليس واقعياً أيضاً، وتساءل: «سنرد بسلاح نووي مباشر؟ هذا تصعيد كبير نوعاً ما». وقد شكك بعض الخبراء في احتمال أن تشن كوريا الشمالية هجوماً بالنبضات الكهرومغناطيسية، ويرون أن الخوف يجب أن يتركز على احتمال وقوع عاصفة شمسية يمكنها أن تتسبب في دمار مشابه في شبكة الكهرباء. وتقوية شبكة الكهرباء ومنشآت البنية التحتية الأخرى ضد تداعيات عاصفة شمسية قد يساعد أيضاً في التصدي لهجوم بالنبضات الكهرومغناطيسية. وهنا يؤكد عالم الفيزياء يوسف بات أن كوريا الشمالية «لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها، ولكن القلق يجب أن يكون من الشمس». * محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©