الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحالة الليبية.. وخيار المصالحة الوطنية

الحالة الليبية.. وخيار المصالحة الوطنية
9 يوليو 2014 23:57
فريدريك ويري باحث بمعهد «كارنيجي» للسلام الدولي، والملحق العسكري السابق لأميركا لدى ليبيا قبل 2011 قبل يومين على اغتيالها بمدينة بنغازي، في 25 يونيو الماضي، دخلت الناشطة الليبية المدافعة عن حقوق الإنسان، سلوى بوقعيقيص، إلى باحة الفندق الذي قابلتها فيه بطرابلس مخفورة بعناصر الميلشيات الإسلامية، منتعلة حذاء بكعب عالٍ وبدون حجاب يغطي شعرها. وكان واضحاً أنها لا تطيق المسلحين ولا الأجندات السياسية التي يتبنونها، أو من يقفون وراءهم، بعد أن اتهمتهم بترويع ليبيا وحرف البلاد عن مسارها الديمقراطي المتعثر. وقد قالت لي وقتها: «لدينا خمس محاكم في بنغازي وهي جميعاً مغلقة، فإذا كان هؤلاء الإسلاميون ملتزمين، كما يقولون، بالدفاع عن الدولة فعليهم الحفاظ أولاً على مؤسساتها». وكانت بوقعيقيص في طليعة الليبيين الذين شاركوا في ثورة 17 فبراير 2011 وخرجوا للشارع مطالبين بإسقاط نظام القذافي، وقد تولت مؤخراً منصب نائب رئيس اللجنة الوطنية للمصالحة. كما لم تتردد في انتقاد الولايات المتحدة لتضخيم مكانة بعض الوجوه الإسلامية مثل «الجهادي» السابق عبدالحكيم بلحاج، والمفتي الذي تقول إن فتاويه الدينية أعاقت معركتها لتحرير المرأة وإقرار قوانين متقدمة تحمي حقوقها، ولذا فقد خلّف اغتيالها صدمة حقيقية لدى الليبيين الذين يبدو أنهم أمام طريقين اثنين لتحقيق الأمن، إما انتهاج القمع، أو السير على درب المصالحة. وعندما بلغني خبر مقتل الناشطة الليبية كنت بشرق ليبيا في لقاء مع اللواء خليفة حفتر الذي كان على رأس حملة عسكرية، طيلة الشهر الماضي، ضد الميلشيات الإسلامية ببنغازي وباقي مدن شرق البلاد. وهذا الرجل السبعيني بشاربه الكث وبدلته العسكرية والنجوم المرصعة على كتفيه يمثل النقيض لكل ما تمثله بوقعيقيص، فقد استقبلني في قاعدة عسكرية مترامية الأطراف تضم آليات عسكرية علاها الصدأ، وما أن دلفت إلى مكتبه حتى تعرضت لعملية تفتيش دقيقة لم يسمح لي فيها حتى بإدخال قلم وورقة إلى الاجتماع. ويحظى اللواء حفتر الذي يقود حملة عسكرية أطلق عليها اسم «عملية الكرامة» ويرأس ما يسمى بـ«الجيش الوطني الليبي»، بدعم ومساندة القبائل، والمجتمع المدني، بالإضافة إلى وحدات منشقة من الجيش الرسمي، وميلشيات أخرى في غرب ليبيا ممن سئموا جميعاً من سلسلة الاغتيالات اليومية التي تشهدها مدينة بنغازي وباقي المدن الشرقية. وقد انطلقت الحملة العسكرية للواء المتقاعد بقصف مدفعي متواصل وغارات جوية تشنها قواته ضد قواعد الميلشيات الإسلامية في بنغازي ومحيطها، فيما يرد الإسلاميون بإطلاق الصواريخ واستهداف القوات المتحالفة مع حفتر. والحقيقة أن حفتر لا تفويض له من الحكومة الليبية بطرابلس ولم يكلفه أحد بمواجهة الإسلاميين، كما أن منتقديه يقولون إن جيشه الموسوم بالوطني ليس في الواقع سوى ميلشيا أخرى من تلك التي تنشط في ليبيا خارج القيادة العسكرية الرسمية، كما أن عملياته استهدفت المؤتمر الوطني المنتخب الذي يتهمه حفتر بدعم الميلشيات وإعاقة بناء الشرطة والجيش. وقد دفع كل هذا الصراع ليبيا إلى حالة من الانقسام والاستقطاب الشديدين، فبالنسبة للبعض يعتبر اللواء حفتر هو الرجل القادر على فرض الاستقرار وتخليص البلاد من حالة الاضطراب والفوضى التي تعيشها، فيما يخشى البعض الآخر من أن يكون ظلاً آخر لمعمر القذافي وامتداداً لعهده من خلال محاولة إجهاض المشروع الديمقراطي بدعوى محاربة الإرهاب. أما حفتر نفسه فيبدو أنه على قناعة تامة بالتفويض الشعبي الذي يقول إنه يتمتع به، ولا يخلو خطابه من عبارات رنانة ومبشرة مثل قوله «ستكون ليبيا مقبرة الإرهاب الكوني»، ولم يخف أيضاً إحباطه تجاه أميركا التي لم تمده بالسلاح لمواجهة أعدائه. والمشكلة أنه وسط العنف المتنامي والاستقطاب المستفحل تتراجع فرص الحوار والتوافق، ولاسيما بعد أن أُرغمت العناصر القادرة على بناء هذا التوافق مثل الناشطة بوقعيقيص على الاختيار بين حفتر والإسلاميين. وقد كان واضحاً خلال لقائي الأخير بها قبل اغتيالها أنها قد اختارت أخف الضررين من وجهة نظرها، فهي اعتبرت أن حفتر وعلى رغم ما يوجه له من انتقادات قد استطاع كسر «التابو» بتسمية المتشددين بأسمائهم ومواجهتهم في الميدان، وطالما أنه لا يمكن وقفه نصحت بأنه يتعين على الحكومة الليبية استيعابه وإضفاء الشرعية عليه على أمل أن يحد ذلك من سلطته. بيد أن مساندة الشعب الليبي لرجل عسكري يملك تعريفاً فضفاضاً للإرهاب قد ينطوي أيضاً على خطورة، فاللواء حفتر ينكر على بعض القوى السياسية المعتدلة الحق في العمل، على رغم أنها شاركت في الثورة، بل لعبت دوراً مؤثراً. كما أن العديد من الليبيين يفرقون جيداً بين من يعتبرونهم معتدلين وبين جماعات متشددة مثل «أنصار الشريعة» التي لا يشك أحد في راديكاليتها. والمشكلة أنه بوضع الجميع ضمن خانة الإرهاب قد يدفع بعض من يوصفون بالمعتدلين نحو التطرف. ولعل الأكثر إثارة للقلق، من وجهة نظر المنتقدين، هو ادعاء حفتر حماية الديمقراطية الليبية في الوقت الذي يهدد فيه المؤسسة المنتخبة الوحيدة في البلاد، متمثلة في المؤتمر الوطني العام، ولذا حتى لا يضطر الليبيون إلى الاختيار بين طريقين مسدودين، أو الارتماء في أحضان صراعات قد تقذف بالبلد في أتون الفوضى، يتعين عليهم التركيز على التوافق وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضمن التمثيل للجميع، وأيضاً تتولى معالجة المظالم التي عانتها المناطق الشرقية. وفي هذا السياق أيضاً يتعين بناء مؤسسات أمنية تشرف عليها السلطات المنتخبة. وهذه الأخيرة يجب أن تُلزم نفسها بإحقاق مصالحة وطنية واسعة وصياغة دستور منصف للجميع، فيما يتعين على القوى الأجنبية مثل الولايات المتحدة، أن توضح على نحو قاطع أنها لن تتسامح مع خرق القانون من أجل الانحياز إلى حرب غير واضحة على الإرهاب ربما تشمل أيضاً الخصوم السياسيين. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©