الخميس 9 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«كريمة» مسلسل رمضاني موثق بتجارب زاخرة بالعبر

«كريمة» مسلسل رمضاني موثق بتجارب زاخرة بالعبر
25 يونيو 2011 20:27
درجت العادة أن يكون لكل موسم رمضاني مفاجآته، والأرجح أن مسلسل “كريمة” المتوقع عرضه على قناة أبوظبي سيكون مفاجأة الموسم المقبل، وذلك استناداً إلى عوامل كثيرة تسوغ الظن، وتبرر الافتراض. وإن كانت المفاجآت قد أتت في المواسم الماضية تارة من الشرق وأخرى من الغرب، فليس ما يمنع أن تكون المقبلة منها تحمل مزيجاً من الجهتين معاً، ذلك أن الجغرافيا أيضاً تقبل الانصياع للإرادات الصادقة. العمل المأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه للأديب الإماراتي الدكتور مانع سعيد العتيبة يمتلك ميزات شتى في مقدمها، أنه يمثل شهادة رصينة على سلسلة من التجارب الحياتية الزاخرة بالدلالات والعبر، وبينها كذلك أنه باكورة تعاون درامي يتوقع له أن يكون معمقاً ومتواتراً في المرحلة المقبلة بين الخليج والمغرب العربيين، أما العنصر الجوهري في هذه المقاربة فهو الكادر البشري الكفء والمحترف الواقف خلف المسلسل إنتاجاً وإخراجاً وتمثيلاً، ناهيك عن القيمين على سائر المسارات التقنية. عوامل نجاح يقول منتج المسلسل مفيد مرعي، إنه يراهن في نجاح العمل على أمور كثيرة في مقدمتها القدرات المهنية للمخرج الأردني اياد الحزوز، وهو علم من أعلام المدرسة الدرامية العربية المعاصرة، حيث سبق له إنجاز الكثير من المسلسلات التي لاقت حفاوة جماهيرية لافتة، وشكلت شهادات مقنعة تشير إلى الاحترافية العالية التي يؤدي عمله من خلالها، بما يحيل بصمته الإبداعية على أي منجز مرئي إلى ضمانة نجاح، يضاف إلى ذلك الأداء الملفت للفنان الكويتي ابراهيم الحربي، الذي يبدو استيعابه للشخصية البطولية مذهلاً، وهو ما جعله يقدم إبداعاً من طابع استثنائي، وأضاف: وللأمانة فقد أمكننا رصد مقولة مرعي بالملموس والمباشر، حيث لاوجود لاسم الحربي في أوساط العاملين على إنجاز المسلسل، وانما هناك “أبو يوسف” فقط، أي اسم الشخصية التي يجسدها، والأرجح أن ابراهيم الحربي سيكون عليه، بعد نهاية المسلسل، أن يبذل جهداً كبيراً ليستعيد اسمه الأصلي، ليس في أوساط العاملين وحدهم، بل على مستوى الشريحة المشاهدية أيضاً. وليس بعيداً عن التوصيف يقف الممثل الأردني عاكف نجم، الذي يقوم بدور مجاهد، وهو دور لا يخلو من صعوبة، حيث سيتعين على المساعد، أو رجل الظل، كما يطلق عليه البعض، أن يدير لعبة معقدة، وينهض بمهام معالجة العثرات التي يقع بها ولي نعمه، أيضاً ثمة مكان في خريطة التفاؤل تشغله الطاقات المغربية المتمكنة التي تمكن العمل من استقطابها. كما يضيف مرعي، حيث شكلت المطربة فاتن هلال بك إضافة نوعية قيمة للعمل، وهي من ذوات الأصوات الغنائية المميزة، ناهيك عن مواهبها المتنوعة، لا سيما في مجال تقديم البرامج، كذلك وافقت الدكتورة بشرى أهريش، وهي مديرة مسرح المنصور في مدينة الرباط، ولديها سجل فني حافل، على لعب دور خادمة، دون التوقف عند دلالة الصفة، فالأمر كما ستقول لنا بشرى لاحقاً، لا يترتبط بالمسميات المهنية، وإنما بمحورية التأثير. أيضاً الممثل ياسين احجام، وهو من نجوم الصف الاول في المغرب، قبل بتأدية دور ينتهي من الحلقة الأولى، هذا بالإضافة إلى الممثل ربيع القاضي، الذي يطلق عليه لقب “مهند المغرب” تيمناً بالنجم التركي الوسيم كيفانش تاتليتوغ. ت فاعل وتفاؤل وذكر منتج المسلسل، أن هذا التجاذب المصاغ بعناية بين الحراك الخليجي الناشط والحضور المغربي الصاخب سيمنحان المسلسل نكهة مميزة في أوساط المشاهدين، والأمر يبشر بعهد من التعاون الواعد بين مركزي إشعاع محوريين يقوم عليهما العالم العربي، حيث من شأن تمازج التجارب، واستثمار الطاقات المتنوعة أن يقودنا نحو نتاج مغاير عن الأنماط السابقة، وأن يشرع التفاؤل بجيل جديد من الأعمال الدرامية العربية ينبثق من تفاعل مدروس يستلهم المشترك ويوظفه، بقدر ما يؤطر المختلف ضمن سياق تجاذبي مؤثر. العقبات التي كان على فريق العمل تخطيها عديدة، وهي تنبع أساساً من الاختلاف الجوهري بين الشخصية الروائية ورديفتها الدرامية، فالأولى تفترض حالة متمادية من النمطية التي تكرسها كصيغة جامدة يحكم تطورها سياق ناظم بالغ الدقة والضيق، في حين أن الجنس الدرامي من الشخصيات يستدعي آلية مرنة تتيح التنوع والتناقض، أحياناً تفترضهما، من ضمن الوحدة النفسية والسلوكية. الحربي المتمرد يبدأ الممثل ابراهيم الحربي حديثه من إبداء سروره بالعودة مجدداً إلى أحضان تلفزيون أبوظبي الذي يرتبط معه بصلات قديمة، ترجع إلى بدايات حياته المهنية، كذلك هو لا يخفي احتفاءه بالعمل للمرة الأولى مع المخرج أياد الحزوز، إضافة إلى التواصل مع الفنانين المغاربة وهو ما يرى فيه إضافة ثرية إلى سجله الفني الحافل. عن المسلسل يقول الحربي إنه يجد متعة كبيرة في تجسيد شخصية “أبو يوسف” المستندة إلى قدر مذهل من التركيب، لجهة كونه إنساناً يحكمه الحس المرهف، والحنين نحو الجذور، كذلك هو يتحرك ببراعة بين الالتزام الديني والتمرد السلوكي، وبمحاذاة حصافته الخلقية وحبه لأهله ووالدته، نقع على كثير من الجموح والعنفوان والجرأة على المجاهرة بالرفض لكثير من سلبيات المجتمع بالرغم من امتلاكها لقابلية الهيمنة والرواج. يضيف الحربي: يشكل هذا النوع من الشخصيات عنصر جذب للممثل بوصفها كتلة من التناقضات المحببة، والبعيدة عن التنميط الممل، والتكرار الذي لا يقدم إضافة. أكثر من صديق بدوره يتحدث الممثل عاكف نجم عن دوره في المسلسل من ضمن إحاطة شاملة بمختلف دلالاته، ناهيك عن التداعيات، فليس مجاهد مجرد صديق للبطل وفق النمط المألوف في الدراما العربية، حيث يكون أشبه بالممثل الثانوي المساعد الذي تنحصر مهمته في تعبيد الدرب أمام فوز الممثل الرئيسي بالضربة القاضية، بل هو محرك رئيسي للأحداث يقع على عاتقه تحدي تزخيم العمل بحلول ابداعية تخرجه من رتابة الثنائيات الضيقة. استناداً إلى هذا الفهم لحقيقة دوره يبلور نجم أداءه لشخصية مجاهد كعنصر أساسي، وعامل اثراء للعمل الذي يعتمد عليها في استمداد الكثير من مقومات بريقه. القادمات من المغرب التواصل مع الممثلات المغربيات المشاركات في المسلسل لا يسعه تخطي حالة التفاؤل التي تبدو مهيمنة عليهن، معطوفة على سمات راسخة من الثقة بالذات وبالقدرة على الإنجاز، تقول المطربة فاتن هلال بك التي تخوض تجربتها التمثيلية الأولى إنها مرتاحة إلى دورها في المسلسل، وهو دور سلمى المطربة التي يقع أبو يوسف في غرامها، ويحرص على تأمين كل أسباب الرفاهية لها، لكنه يكتشف أنها ترتبط بعلاقة مع أحد الأشخاص الذين يعيشون على نفقته. تبدي فاتن التي تحضر لفيلم سينمائي مغربي بعنوان “القمر الأحمر”، وهو يتناول حكاية عبد السلام عاد، أحد كبار الملحنين المغاربة، تفاؤلها بنجاح التجربة الدرامية استناداً إلى احترافية فريق العمل، وإلى التفاعل القائم على دراسة متأنية لإمكانات الجهات المتعددة، حيث هناك مغرب عربي يحمل الكثير من السمات الحضارية الناصعة التي تجعله جديراً بأن يكتشف، يوازيه مشرق، عربي أيضاً، زاخر بكل علامات الدهشة، هذا التلاقي الذي يتكىء إلى تاريخ وثقافة وقيم دينية مشتركة لا بد له أن يكون مسهماً في بلورة إنجاز يصلح للاعتداد به. هيمنة الهامش تفصل فاتن قائلة: نحن لدينا الكثير من الغنى الثقافي الطبيعي وغير الطبيعي، كذلك لدى الإمارات تراث زاخر بالإنجاز، وحاضر باعث على الرضا، ومستقبل حافل بالبشرى، والبديهي أن من شأن هذه الشراكة المتخطية للعنصر المادي نحو ابعاد روحية وحضارية شاملة أن تسفر عن كائن إبداعي متميز. يشار إلى أن فاتن ستغني أغنية الشارة الخاصة بالمسلسل، وهي إحدى قصائد المؤلف الدكتور مانع سعيد العتيبة، كذلك ستنشد في سياق العمل العديد من الأغنيات التي وضع هو نفسه كلماتها، وبعضها غني سابقاً. أما بشرى أهريش، ممثلة المسرح التي تمتلك حضوراً تمثيلياً فاعلاً على صعيدي التلفزيون والسينما المغربيين، والتي تعتز ببصمتها الإبداعية المميزة في مسرحية “المصطبة”، للمخرج العراقي المتألق جواد الأسدي، والتي ارتضت دور خادمة في مسلسل “كريمة”، فتبدو كما لو أنها تقرأ العمل التلفزيوني الموضوع قيد الإنجاز عن ظهر قلب: ثمة تعقيدات نفسية واجتماعية تطرح نفسها بجرأة ووضوح، وثمة خروج واضح عن النمطية في استهدافاته الدلالية، كذلك فإن كل الأدوار مهمة في هذا المسلسل، وليس الخدم مجرد عناصر متممة للديكور، بل هم يقومون بوظائف حيوية في دفع الأحداث نحو التأزم حيناً والحل حيناً آخر، مما يجعلهم شخصيات رئيسية مساهمة في إنضاج الطبخة الدرامية، بحيث لا يعود ممكناً التعاطي مع فعاليتهم اعتماداً على توصيفاتهم المهنية وحدها، والأمر ليس جديداً فثمة الكثير من الروايات العالمية الكبيرة التي لعب أدوارها الرئيسية أناس كان الظن أنهم هامشيون. شركاء في البطولة بدورها الممثلة نجاة خيرالله، وهي تجسد دور فتيحة، الخادمة التي تعاني تقلص النفوذ في منزل مخدومها جراء قدوم أخريات أكثر قدرة على استمالة العيون والقلوب، تتحدث عن حراك درامي مثمر، أمن لكل المشاركين في المسلسل حضورهم الفاعل، بعيداً عن الأحجام الزمنية للأدوار، وعن توصيفاتها الأولية، وتشير إلى أن الصياغة الدرامية للمسلسل كانت من الدقة بحيث لا يمكن إغفال أي دور دون تعريض العمل برمته لخلل مدوي، وهذا أحد الأسباب، برأيها، التي دفعت الجميع للتفاني في تأدية أدوارهم، حتى صار بإمكان كل منهم أن يزعم، لنفسه على الأقل، أنه بطل، أو شريك في البطولة. تتحدث نجاة عن تجربة سينمائية تراها ناجحة، خاضتها مع الممثل المصري آسر ياسين، في فيلم “الوعد”، وقد أمنت لها فرصة التواصل مع النمط الشرقي من الآداء التمثيلي، وهو الأمر الذي استفادت منه في تجربتها الثانية، والأرجح أنها محقة في ذلك فهي تمتلك لهجة مغربية بيضاء، يسهل على الآخرين استيعابها. من جهته يقول الكاتب محمود ادريس، الذي تولى صياغة السيناريو الدرامي للمسلسل اقتباساً عن الرواية الأصلية، أنه يحفظ الكثير من أشعار المؤلف الدكتور مانع سعيد العتيبة، وأنه يؤمن بمكانته الابداعية المرموقة، وهو شعر بالاستفزاز الإبداعي حيال الرواية القائمة على بناء سايكولوجي مركب، حيث ثمة شخص يقع في غرام خصم له، كان يخطط للانتقام منه، ويضيف انه وإن كان ممكناً تناول هذا الموضوع بأسلوب روائي، إلا أن استخدامه درامياً يحتاج إلى استيعاب دقيق لمفاصل الحبكة، وإلى حذر شديد في التخطيط لمسار الأحداث. وإذ أشار ادريس إلى أن مهمة أي مخرج لعمل تلفزيوني تتمحور حول إعادة صياغة الأحداث باللغة البصرية، فقد توقف عند نقطة في غاية الأهمية تشكل ضمانة للنجاح الدرامي موضوع البحث، وعنوانها الأساس استعداد المخرج الحزوز للإصغاء إلى الكاتب، وانفتاحه على الحوار مع طاقم العمل بما يخدم النتيجة المرجوة. مزيج لوني يوضح مدير التصوير جعفر النوفلي أن الرؤية التصويرية خضعت لسلسلة من الحوارات التي انتهت إلى ضرورة اعتماد ما وصفه باللون الوردي للتصوير، وهو لون هجين، اشارة الى السمة التركيبية التي تدمغ العمل بطابعها، حيث لا وجود لألوان أحادية الانتماء، وانما هناك خليط متنوع الهوية، على هذا المنوال سيتم إدخال المشاهد في مناخات ايحائية متوافقة مع مسار الأحداث وتعرجاتها، واستناداً إلى هذا النوع من المخاتلة البصرية المشروعة سيكون متاحاً تسريب الإرهاصات إلى الذائقة المشاهدية، بحيث يتكامل المشهد مع الحوار، وفي ذلك استجابة لأبده قواعد الأبجدية المرئية التي تعتمد الصورة ومكوناتها المختلفة، (تأتي الإضاءة في مقدمها)، كعنصر بناء رئيسي في معمارية المشهد السردي. في الرواية تدور أحداث رواية “كريمة” حول فتاة تحمل الاسم نفسه، وتكون في الخامسة عشرة من عمرها، عندما تتعرض مع أسرتها لحادث سير يؤدي إلى وفاة والدها، ويكون عليها أن تخوض رحلة شائقة للانتقام من القاتل، ومن الرجل الثري الذي يؤمن له الرعاية والحماية. في الطريق من الطفولة نحو النضج الجسدي والنفسي والعقلي، ونحو الانتقام أيضاً، تواجه البطلة مسارات مفرطة في وعورتها، ولا يبقى أمامها سوى أن تتخطى العديد من العقبات والعراقيل، أين منها تلك المآسي التي عاشتها جراء حادث الفقد والفقر الذي نتج عنه، تخوض صراعات مع أناس يفوقونها عمراً ويتفوقون عليها تجربة، تتعرض للظلم مرات ومرات، لكنها أيضاً لا تتورع عن ظلم الآخرين عندما يكون ذلك متاحاً. وبموازاة الشابة الجميلة المملوءة بالرغبة في الانتقام، ثمة أبو يوسف، وهو رجل أعمال مثقف، اعتاد أن يأخذ الأمور من حوله بالبساطة والسلاسة، لكنه يجد نفسه مطوقاً بإناث كان يظنهن خلقن من أجل إضفاء لمسات الإنس على الليالي الموحشة، ليتبين له لا حقاً انهن ذوات مخالب قاسية، وقدرة فائقة على إدماء القلوب، يحاول الرجل الاحتفاظ بروحه المرحة ما أمكنه ذلك. كما لو أن بقاء البسمة على شفتيه هو إعلان لبقائه على قيد الوجود. حول ابو يوسف يتحلق عديدون بينهم المخلص الذي تدفعه أخلاقياته للدفاع عن تاريخ من الخبز والملح، وفيهم من لايرى غضاضة في التنكر له عند أول مفترق طريق..
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©