الأحد 5 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ماسحو أحذية يحللون هموم المصريين من خلال أقدامهم

ماسحو أحذية يحللون هموم المصريين من خلال أقدامهم
17 يناير 2011 20:08
تعد مهنة ماسحي الأحذية أو “البوهيجية” كما يحلو للمصريين تسمية العاملين بها إحدى المهن الهامشية في المجتمع المصري، ويقبل عليها الفقراء لكسب رزقهم لاسيما أنها لا تحتاج إلى ابتكار أو موهبة، كما يعد رأس المال اللازم لاقتناء أدواتها الأساسية مبلغاً زهيداً. غير أنهم يعانون كثيرا من ظروف عمل قاهرة ومطاردات مستمرة. لم يكن همام السيد المنحدر من محافظة أسيوط في صعيد مصر يعلم أنه سيترك يوما “قصعة البناء” التي ظل يحملها 30 عاما، ويحمل بدلا منها صندوقا خشبيا لمسح الأحذية في شوارع القاهرة بعد أن سقط من فوق إحدى السقالات، وأصيب في فقرات الظهر. وأمام طلبات أسرته التي تتكون من 5 أفراد، بدأ يبحث عن عمل يلائم وضعه الصحي الجديد. فأشار عليه صديق بالعمل ماسح أحذية وأقرضه مبلغا من المال كي يشتري صندوقا خشبيا وعلب ورنيش فنفذ الفكرة واستقر بالقرب من محطة قطارات مصر، ومع مرور الوقت بات له مكان ثابت يتردد عليه المارة والمسافرون لتنظيف وتلميع أحذيتهم، وبات يجني يوميا ما يحفظه وأسرته من مذلة السؤال. ضريبة قسرية يقول السيد إن من يرغب في مزاولة تلك المهنة يجب عليه اقتناء صندوق خشبي وفرشات ودهانات بألوان مختلفة، وقطعة إسفنج للتلميع، إلى جانب كرسي خشبي يجلس عليه أثناء عمله الممتد من شروق الشمس حتى غروبها، وبعد ذلك يختار مكانا مناسبا يعمل به بأحد الشوارع الرئيسية حيث يكثر المارة، لافتا إلى أنه لا يوجد دخل ثابت يمكن الاعتماد عليه يوميا ولكن الأمر متروك لتردد الزبائن وما يمنحونه من إكراميات. ويشير إلى أن مسح أحذية رواد البنوك والوزارات وموظفي الشركات الكبرى يختلف عن مسح أحذية رواد المقاهي والمصالح الحكومية، كما أن العمل في الشتاء أفضل من الصيف لاسيما في الأيام التي يكثر فيها المطر وتمتلئ الشوارع بالطين والمياه فتتسخ الأحذية ويقبل أصحابها على تنظيفها وتلميعها باستمرار. ويضيف السيد “يلزم ماسح الأحذية توفير مبلغ من المال أسبوعيا لشراء علب دهان وورنيش وألوان جديدة بدلا عن تلك التي تفرغ، كما يلزم توفير بضعة جنيهات أخرى يدفعها كإتاوة يومية لبلطجية الشوارع الذين يفرضونها على الباعة الجائلين في شوارع القاهرة نظير تركهم يعملون بلا منغصات، ومساعدتهم في الهروب من مطاردات شرطة المرافق التي تتعامل معهم على أنهم متسولون ومصدر فوضى وإشغال لرصيف المشاة بالشوارع”. حلم مشروع يحلم سعيد الموافي (25 سنة) بالعمل ساعيا أو فراشا في أي من الإدارات الحكومية التي يجلس بالقرب منها لاسيما وأنه يجيد القراءة والكتابة فقد أكمل تعليمه حتى المرحلة الإعدادية ولولا الفقر لالتحق بالمدرسة الثانوية وحصل على شهادة تعينه على إيجاد فرصة عمل مناسبة. ورغم ذلك يقول “مسح الأحذية أفضل من الجلوس بلا عمل فهي مهنة مربحة إذا كان صاحبها بارعا في اختيار الموقع المناسب”، مشيرا إلى أنه “من حين لآخر يدخل في مفاوضات مع حراس من البنوك كي ينال عطفهم، ويسمحوا له بأن يجلس بصندوقه الخشبي بالقرب من أحد البنوك في الأيام الهادئة”. ويضيف “زبائن البنوك أكثر سخاء عند مسح أحذيتهم يليهم رواد دور السينما والقطارات الفاخرة”. ولن يغادر أحمد خشبة (51 سنة) زاويته المعتادة بالقرب من مجمع التحرير بوسط القاهرة منذ أكثر من 40 عاما ولديه زبائنه المحددون الذين يفضلون تلميع أحذيتهم عنده دون الآخرين المتواجدين بالميدان. ويضيف “ورثت المهنة عن والدي فقد كنت أعمل إلى جواره وأنا في العاشرة من العمر، وطوال تلك السنوات قمت بمسح وتلميع آلاف الأحذية فأبدأ بتنظيفها من الأتربة، ثم غسل الحذاء بلونه المناسب وبعد أن يجف أبدأ تلميعه إلى أن يبرق، كما لو كان جديدا لتوه ويستغرق ذلك نحو 3 دقائق، ولا أطالب بأجر محدد وكل زبون يدفع ما يريد”. شر المظاهرات لوجوده في قلب واحد من أشهر ميادين القاهرة وقربه من شارع قصر العيني حيث مباني البرلمان والوزارات المختلفة؛ فإن خشبة يشاهد يوميا مواكب مسؤولين ومظاهرات وجنازات لشخصيات مهمة تمر من أمامه. ويقول “كل ما يشغلني هم منظمو المظاهرات والاعتصامات ممن يتوافدون من حين لآخر على الميدان وشارع القصر العيني، وما يفعلونه من صراخ وفوضى تؤدي إلى ابتعاد الزبائن وبالتالي يقل الرزق”. وكما يكره المظاهرات يكره خشبة هجمات شرطة المرافق المباغتة التي تطارده وغيره من الباعة الجائلين بدعوى أنهم سبب الفوضى المرورية بالمكان ولذا فتلك المطاردات تعرضه لفقدان صندوقه الخشبي بما يحتويه من دهانات، وكذلك زبائنه وبعد احتجاز لساعات يتم الإفراج عنه ومن الممكن أن يسترد الصندوق بعد دفع الغرامة اللازمة، أو لا يسترده أبدا، وهنا يقترض 50 جنيها من بائع الصحف المجاور له ويذهب لأحد النجارين كي يصنع له صندوقا خشبيا جديدا ويعود إلى عمله كالمعتاد. أصبح خليل البحراوي مع مرور السنين، خبيرا في “الفحص الطبقي” لزبائنه فمن نوعية حذاء الزبون يتوقع الأجر الذي سيحصل عليه، كما أن نظرته لنوعية الجلد لا تخيب لكنه يفضل الجلد الطبيعي لأنه يستعيد بريقه سريعا، بينما الأحذية المصنوعة من الجلود الصناعية تستغرق جهدا وبالكاد تلمع “على استحياء”. مطاردات بوليسية يشير البحراوي إلى ملاحظة طريفة اكتشفها من خلال عمله؛ مفادها أن طريقة مشي الناس تغيرت، وباتوا يغرسون أقدامهم في الأرض، ويمشون بطريقة خاطئة تلم التراب من الأرض‏ وترفع معدل التلوث‏ أما أخطر ما في الأمر فهو حالة الأقدام التي صارت مهزوزة‏ على الصندوق‏ فالناس أعصابهم تعبت‏ ولم تعد ثابتة‏، ويضيف “أتحدى أي واحد في زماننا هذا ‏يثبت رجله على الصندوق‏”.‏ والمشهد المألوف يوميا رؤية ماسحي الأحذية يهرولون فجأة إلى الحارات الجانبية أو يختبئون في أحد المنازل فور سماعهم تنبيه أحدهم “بلدية.. مرافق” وهو يقصد بذلك حضور شرطة المرافق إلى المكان وان عليهم الاختباء. ومن النوادر أن يقف الزبون من غير الحذاء الذي خلعه من قدميه وأعطاه لماسح الأحذية كي يقوم بتلميعه بإمعان، وينتظر الزبون لدقائق على الرصيف وهو يرتدي “شبشبا” يقدمه له ماسح الأحذية لينتعله ريثما ينتهي، ولكن مع هرولة ماسح الأحذية جراء مطاردات الشرطة يجري الزبون هو الآخر للحاق به كي يستعيد حذاءه. ويتفق غالبية ماسحي الأحذية على أن مهنتهم رغم احتياج الناس إليها لإكمال مظهرهم الاجتماعي ونظافتهم تعاني التهميش الشديد. فلا يوجد اهتمام رسمي بهم أو حتى تقديرات مبدئية لعدد من ينتمون إلى هذه الحرفة كما لا يوجد قانون ينظمها ويحمي أبناءها من عثرات الزمان ولذا فهم يطالبون بنقابة تحميهم.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©