الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

روح بيضاء

13 أكتوبر 2017 22:31
«استودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه».. يا روح بيضاء، أنا ذاهبة إلى بغداد، وأنت التي أوقدت بداخل روحي شرارة البحث عن إجابة السؤال: ما الذي تحتاجه النساء أكثر.. أن تعملنَ أم كوناً يتسع لأرواحهن؟ أنا ذاهبة وسأعود - إن شاء الله - لنكمل جلستنا في الزاوية، الزاوية البعيدة عن آذان الأخريات، مكان ضيق لكنه يتسع للبوح. سألتني: ستسافرين وتتركينني؟! فضحكت في وجهها: لا، بغداد حلوة وفيها ورد جوري خاص بها وشوارعها تفوح برائحته في الربيع، ليتك تسافرين إلى العراق. سكت. كررت: تتركيني! أحسست بأن دموعها المترقرقة دائما تقترب من السقوط في فمها، اعتذرت عن قسوتي، أخبرتها أني أشبهها: تعرفين الجامعة الأولى لم تكن مريحة، أزهقت روحي، لم يكن لها حرية أن تهيم بحثا عن إجابة السؤال: ما الذي تحتاج إليه المرأة أكثر من الشهادة والشغل؟ اقترب أذان المغرب، أسرعت، حملت «شنطة» الكتب وأم عبدالله «رحمها الله» حملت طفلتها وخرجت كل النساء من باب الجمعية. كان الحارس يجلس في الخارج على كرسيه الخشبي يشرب الشاي ويطالع لنا الطريق، ظل كذلك إلى أن صعدنا إلى «الميكروباص». أثناء الصعود كنا نبوح لبعضنا، لم نتوقف عن البوح، أرواح تحمل في داخلها شيئا أكبر من عمل المرأة والاستقلال الاقتصادي رغم أنه مهم. أرواحنا كانت تريد أن تتمرغ في مساحة واسعة من الكون، لا تقهر، لا تجبر تحت أي ذريعة ولو كانت الأفضل! روح بيضاء نزلت من الحافلة قبلي. قلت لنفسي: غدا، إذا جلسنا في الزاوية سأشرح لها، أقول إنني غير راضية تماما، لأنهم يريدونني أن أعمل، أكسب نقودا تكفي حاجة البيت وفي نفسي شيء تنشده أكثر من ذلك، أقول لها أيضا إننا لسنا آلات تحقق رغبات وأحلام الآخرين الذين يريدون الجمال والذكاء والعلم والشغل والرومانسية. آخر مرة في الزاوية، تبين لي لحظة البوح وجهها المفطور على الكرامة واللاحيلة، طفولياً، فطرياً، بريئاً من كل الاتهامات. قالت: أنا أتألم، روحي تتألم أكثر من جسدي، أكثر من أذني! ما في الروح لا يراه أحد، وجوهنا ليست نحن تماما، كان شعرا غجريا ينسدل على وجهها يكاد يغطيه بالدموع المتسابقة باتجاه الشفتين. بلعت غصتها، ابتلعت غصتي: لا، لن أتأخر كثيرا! ثلاثون سنة وأكثر مضت، وكلما تذكرت الوعد استحييت. قبل أيام وكأنه الحلم سمعتها على الهاتف: «وين أنت، وين سرتي وخليتيني؟». البارحة استلمت رسالة «واتساب» من صديق يقول: «إذا أحببت أخيك، خذه معك في دعائك دون علمه». ملاحظة للصحيفة التي أحبها: اليوم سأخرق قانون العمود الصحفي وأنشد قصة روح بيضاء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©