الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جون شتاينبك يتكلم العربية...

جون شتاينبك يتكلم العربية...
21 يونيو 2012
هل على المسرح أن يدخل معركة الثقافة؟ وإذا كانت الاجابة بنعم، فكيف نصل بين أبي الفنون وثقافة الشعب ومعركته في تحقيق وجوده؟ وإذا تحقق ذلك وبدأ عبير الوطنية وروح الحماسة ينبعثان من خشبة المسرح، فما تأثير ذلك على سؤال الثقافة وسؤال الفن؟ هل نحن بحاجة ماسّة اليوم لأن يكون المسرح في المعركة الثقافية وبخاصة مع التحوّل الكبير الذي يشهده العالم العربي؟ في الواقع هي أسئلة صعبة للغاية، ولكنها منطقية في ضوء التحولات، فإذا لم نهتم بمثل هذه الاسئلة في مثل هذا الوقت بالذات، فمتى نهتم إذن، والمسرح في المعركة ليس حدثا جديدا علينا، ولكنه حدث درامي متكامل، وربما تكمن إشكالياته الوحيدة أنه ما زال يعيش تحت الرماد، وعلينا أن نبعثه من جديد لكي نجيب على سؤال الثقافة: ما هي رسالة المسرح اذا لم تكن نابعة من قضايا الجماهير؟ في تقديري إن هذا الأمر يحمل إشكالية كبيرة اذا كان تطبيقه على المسرح العربي وبخاصة في مصر، ففي الحالة الأولى وفي العصر الذهبي لهذا المسرح سواء في مرحلة الستينات أو ما قبلها خلال فترة الاحتلال المقيتة، كانت هناك حالة مسرحية مختلفة، يمكن تسميتها بـ”الحالة الوطنية للمسرح”، حينما قدّمت مسرحيات مثل: “كفاح الشعب” نص محمد محمود شعبان وأنور فتح الله وإخراج نبيل الألفي، و”دنشواي الحمراء” لخليل الرحيمي عن مأساة قرية دنشواي وأخرجها حمدي غيث، والمسرحيتان قدمتهما الفرقة المصرية الحديثة. أما الظاهرة الجديدة التي أفرزتها هذه الحالة فتمثلت في إستقطاب عامة الشعب البسطاء الى المسرح، وإشاعة حماسة وطنية من نوع خاص ضد المستعمرين، وتحقق ذلك ليس لأن دخول المسرح مجانيا وهذه أهم ظاهرة تحققت في تاريخ المسرح المصري، وإنما لنجاح المسرح في تشكيل حالة وطنية شعبية قام على بنائها نخبة من المثقفين والمفكرين والفنانين الذين قدموا الفن للجمهور بلا ثمن من أجل الدفاع عن الحرية والاستقلال والفكر الصحيح، وكان في الواقع هذا الحدث ملهبا لعواطف العديد من الأدباء والنقاد والكتّاب، حيث شرع بعضهم في كتابة مسرحيات جديدة تواكب المرحلة ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: د. يوسف إدريس، نعمان عاشور الذي كتب مسرحية “عفاريت الجبّانة”، سعد الدين وهبة، أمينة الصاوي، ألفريد فرج الذي كتب مسرحية بعنوان “صوت مصر”، وعبد الرحمن خليل الذي كتب مسرحية بعنوان “معركة بورسعيد” وعرضت عام 1956، وغيرهم كثيرون ساهموا في أهداف حملة المسرح الوطنية في تعزيز فكرة الثقافة الجماهيرية. مرحلة ثانية وبدأت مرحلة ثانية إنطلقت من مسرح دار الاوبرا، مسرحيات محلية وأخرى عالمية تم اعدادها خصيصا لمعركة المثقفين مع الاحتلال حتى تحقيق الجلاء والاستقلال، وكانت رواية “أفول القمر” الكاتب الاميركي الشهير جون شتاينبك (1902 ـ 1968) الحائز على جائزة نوبل عام 1962 عن روايته “اللؤلؤة والفئران والرجال”، قد تمت ترجمتها تحت عنوان “تحت الرماد”، وأخرجها حمدي غيث بأسلوب تجريبي جديد، وهي أول المسرحيات العالمية التي يستعان بها تحت مظلة “ثقافة المواجهة”. أما “تحت الرماد” فقد وجدت من جهة ثانية اهتماما كبيرا من المسرحيين في الوطن العربي وبخاصة من المخرج الاردني الراحل هاني صنوبر الذي قدمها ضمن نشاطات أسرة المسرح الأردني آنذاك، كما قدمها المسرح القومي السوري عام 1982، وقدمها مسرح مدينة زيورخ بسويسرا عام 1969، ومضمونها يحكي قصة مقاومة قرية صغيرة في النرويج لقوات الاحتلال النازي، وفيها يقف العمدة مع أهل قريته وهم مجردون من كل شيء، إلا الايمان بالحرية والاستقلال، وفي مواجهتهم يقف قائد القوات النازية الذي ينفذ أوامر جيشه في صرامة وقسوة دون اعتبار لاية مشاعر إنسانية.. وهذه القصة نموذج رائع من فن شتاينبك الأدبي المصقول، وهي رؤية متماسكة من كفاح قرية صغيرة عزلاء مع مستبد غاشم فاجأه تحت جنح الظلام، مستعينا عليه بحفنة من العملاء والخونة، فملكها واستبد بأهلها، ومع تصاعد أحداثها نرى في النهاية كيف ينتصر الأحرار على المحتل الطاغي من غير قتال عنيف، بل بالعزيمة الثابتة والتصميم والإيمان الذي لا يتزعزع ، ومن خلال هذه المسرحية يربط الانسان نفسه بفعل عظيم يستحق التضحية، كما تظهر بقوة تأثيرات المقاومة الشعبية المشروعة والروح الوطنية والتأكيد على أن إرادة الانسان لا تقهر، فقد يكسب الطغاة والاعداء معركة أو أكثر، ولكن الأحرار يحسمون الأمر في النهاية دفاعا عن الحرية والعدالة والكرامة الانسانية. نخلص من ذلك إلى ان المسرح العربي في تلك الفترة الزاخرة بالوطنية والنضال والمدّ القومي نجح في قراءة التاريخ قراءة جيدة وواثقة، في حين ان المسرح العربي في مصر وفي أرجاء الوطن الكبير لم يقرأ المشهد جيدا، ففي حين ان المسرح في عصره الذهبي فهم رسالته وأغراضه من خلال جملة المسرحيات الوطنية الرائعة التي قدّمها مواكبا الحالة التي يعيشها الشعب ومنحت فن المسرح وسام المساهمة في الحراك الثقافي، نجد أن المسرح العربي واقف في مكانه يتفرج! والسبب ان سؤال الثقافة كان ومن أسف خارج معادلة الهوية والذات، ولهذا من الضروري أن نسأل مسرح اليوم: لماذا انصرف الجمهورعنه وأدار له ظهره؟ هذا السؤال هو الذي يدفع الى أسئلة كثيرة أهمها: لماذا لم يندمج المسرح في ظروف الأحداث الجارية؟ ولماذ لا يتحرك المثقفون والمفكرون والفنانون والنقاد والمؤسسات للبحث عن سبل لنجاة المسرح من هذه العزلة القاسية التي يعانيها؟ والخروج به أيضا من هذا الشتاء المظلم الذي حل به؟ وإخراجه الى ربيع تتجدد فيه حياته ليواكب الربيع الذي يعيشه الانسان العربي؟ نريد أن يستعيد المسرح ثقة الجمهور به، كما نريد ان يكون في الواجهة كما عهده القديم بحيث يخرج علينا كتاب المسرح الجدد بأعمال انتقائية بعيدة عن التهريج والاسفاف وكوميديا الهزل التجارية، فالمسرح حينما يكون جميلا وجادا وملتزما بامكانه أن يختصر لنا كل الحياة وكل التاريخ الانساني. إن المسرح هو تلك المعركة الثقافية والسياسية والاجتماعية بين أغلب الاتجاهات والحساسيات في مجال الابداع، لأنها معركة فكرية بالدرجة الاولى تستلهم كل المواقف الانسانية والثقافية عند المبدعين، فأغلب المسرحيات التي إتفق النقاد على تميزها تطرح اولا القضايا الانسانية وقضايا الناس وطموحاتهم وأحلامهم في العدالة الاجتماعية حتى لو كانت مستحيلة. ونذكر ان كتّاب مسرح الستينات ولرغبتهم الشديدة بالمشاركة في التعبير عن الحالة وأصحاب القرار كانوا يتخطّون الرقابة الفنية من خلال تقديم اعمال تحمل اسقاطات فنية واستخدامات دقيقية لعنصر الرمز ومن هذه المسرحيات على سبيل المثال لا الحصر مسرحية “الشبعانين” للكاتب أحمد سعيد، و”الفتى مهران” لعبد الرحمن الشرقاوي، و”إنت اللي قتلت الوحش” لعلي سالم، و”يا عنترة” ليسري الجندي، و”سقوط فرعون” لألفريد فرج التي تروج لقضية العدالة الاجتماعية، و”الناس اللي تحت” و”المخططين” ليوسف ادريس، و”الفارس والأسيرة” للدكتور فوزي فهمي الذي كان يناهض من خلالها قضية حكم الفرد، وثلاثية نجيب سرور العظيمة التي شملت مسرحيات: “ياسين وبهية” و”آه يا ليل يا قمر” و”قولوا لعين الشمس”. الجريدة الحية بمقاربة سريعة، نعرف أن الثورات هي التي تفرز عادة نوعا جدديدا من التعبير سمّاه البعض بالمسرح الثوري، وآخرون أطلقوا عليه اسم المسرح السياسي، وأيضا مسرح المقاومة ومسرح الكباريه السياسي الذي استلهم مسرح (الجريدة الحية) من خلال النقد اللاذع الساخط، وإذا كان المسرح في تاريخه هو محرك ثورات العالم سواء في المسرح الالماني او الفرنسي أو الامريكي ودول أفريقيا، وبخاصة في مصر وجميع ثوراتها بدءا من ثورة عرابي وحتى الآن، فإنه يقف اليوم على استحياء شديد للتعبير عن الحالة والموقف، باستثناء بعض المسرحيات التي قدمها نخبة من الكتاب الشباب، ومن هذه المسرحيات: “تذكرة للتحرير”، “في إيه يا مصر”، “ورد الجناين”، “ميدان التحرير”، وجميع هذه المسرحيات ناقشت قضايا انسانية ذات صلة بالحراك الشعبي وقدمت نموذجا جديدا للبطل التراجيدي البسيط ، كما قدمت انموذجا جديدا للحوار، بمقابل ذلك نجد أن الفنان الاردني زهير النوباني يقترب من الحالة الجديدة في الشارع العربي فيقدم عرضا مسرحيا مهما ولافتا بعنوان “مواطن عربي حرّ مقموع” مقتبس بتصرف عن مسرحية الكاتب السوري الراحل محمد الماغوط بعنوان “المهرج”، والعرض بمجمله يوجه انتقادات لاذعة للفساد السياسي في اطار كوميديا الموقف، وهناك عنوان لافت لمسرحية عرضت في بيروت مطلع العام الجاري بعنوان “زنقة.. زنقة..”، للمخرج اللبناني قاسم اسطنبولي، وقدم عرضها الافتتاحي في مبنى “الإسكوا” والعرض الثاني على خشبة مسرح بابل، وضم فريق العمل للمسرحية نخبة من الممثلين والممثلات من لبنان ومصر وليبيا وتونس واليمن والسودان وفلسطين والعراق. وربما يتصدر قائمة الاعمال المعاصرة التي تم انتاجها في مصر بعد مرحلة التغيير مسرحية بعنوان “بلقيس” ملكة سبأ التي واجهت بقوة أسياد السلطة، وقالت كلمتها المشهورة: :نموت ولا نقبل ما يفرضونه علينا”، والمسرحية كما هو معروف للكاتب محفوظ عبد الرحمن وأخرجها احمد عبد الحليم لمصلحة المسرح القومي بالقاهرة. في حين ان كتاب المسرح الكبار وقفوا يتفرجون على المشهد الذي يحوي في باطنه أخطر التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتردية؟! هل نحن في زمن مأزق المسرح في عصر التحولات ؟ أم نحن في زمن خلط الاوراق ؟ أسئلة معلقة تحتاج الى اجابة ؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©