الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لماذا تهاوى الفكر الإصلاحي في مجتمعاتنا العربية الحديثة؟

لماذا تهاوى الفكر الإصلاحي في مجتمعاتنا العربية الحديثة؟
5 يناير 2008 01:22
تعد الحركة الإصلاحية ذات موقف توفيقي من الناحية الفكرية في تصورها لحل المشكلات السياسية والاجتماعية والثقافية· لأنها كانت ترى أن الوسيلة لتجاوز حالة التأخُّر التاريخي، والمشكلات الناتجة عنه، إنما يتم من خلال العودة إلى الأصول ونبذ البدع والتقليد والجمود، وفي الوقت نفسه الاقتباس من الأفكار الغربية التي كانت أساس نهضته وقوته· وبهذا الموقف التوفيقي بين الأصول الإسلامية والأفكار الغربية يتم، من منظور الإصلاحية، تجاوز حالة الانحطاط بوصفها حالة طارئة على الأَمة الإسلامية· العقلانية الإصلاحية إذن هي عقلانية توفيقية سعت إلى تقويض منظومة السَّلفية التقليدية بمفاهيم أخرى، ما كانت لا مُفكَّر فيها من قبل السَّلفية التقليدية أو أنها مقتبسة من منظومات العقلانية الغربية· منطق التجديد عند الإصلاحية يتم من داخل منظومة الأصول العامة للإسلام، مثل: ''فقه المقاصد''، ونظرية ابن خلدون في ''العمران''، والمتمثل، في الوقت نفسه، لمفاهيم الحداثة الغربية في حدود إمكاناتها آنذاك· وكان الهدف هو ''الانتظام فيها من أجل مواصلة المسير من جديد في الاتجاه الذي يمد المستقبل الآتي بسندٍ من المستقبل الماضي، أعني المستقبل الذي كان مشرعاّ للتقدُّم في الماضي قبل أن تجهضهُ الانحرافات والجمود والانكسارات''· كانت من المهام الأساسية للحركة الإصلاحية تأسيس سلطتها المرجعية اجتماعياً من خلال الاستجابة للتحديات التاريخية الخارجية والسياسية؛ وكانت إستراتيجيتها تكمن في ''توظيف الدين من أجل السياسة كما فعل الأفغاني، أو توظيف السياسة من أجل الدين كما فعل محمد عبده''· لقد قام جمال الدين الأفغاني بتوظيف الدين في السياسة في وضع تاريخي كان يدرك طابعه السياسي والاقتصادي· كان هذا التأثر بالغرب والاقتباس أو الاستعارة منه، يتم دائماً بطريقة مرسومة وهادفة ضمن إطار الأنساق التقليدية المتوارثة، مما يعني أن تلك النُّسق لم تكن تقف موقفاً سلبياً من عملية الاحتكاك الثقافي حيث تقبل كل صور الحياة وأنماط السُّلوك والقيم، والنظرة إلى الحياة ، بغير تمييز بحيث تؤلِّف هذه الصور والأشكال المُستعارة الطابع الغالبة على حياة المجتمع العربي· إن الاستعارة والاقتباس كانا يقومان على أساس من الاختيار والانتقاء بطريقة عقلانية رشيدة وهادفة، تعمل على مزج الوافد والأصيل في وحدة ثقافية عضوية متكاملة لها طابعها الخاص والمميز'' كما يقول أحمد أبو زيد· بما يمكننا من وصف العقلانية الإصلاحية بعقلانية استيعابية تأويلية تبحث عن التجديد· ترى الإصلاحية أن مشروع الإصلاح لا يتحقق إلا على قاعدة الإسلام؛ ولهذا راح الإصلاحيون يجتهدون ويجدِّدون ليجعلوا من الإسلام ديناً عقلانياً يؤسس للنَّهضة المنشودة· لقد أخذ الإصلاحيون يفكِّرون بالحاضر من منظور المرجعية الإسلامية فيطرحون أسئلتهم بحثاً عن إجابة عنها من خلال تلك المرجعية، لكنهم وجدوا أن مدوَّنتها التراثية غير قادرة على تقديم الإجابة التي تحمل خيارات فعلية عن كيفية مواجهة تحديات الدُّخول إلى العصر، ومعاصرة الحاضر الذي يتطلب تحقيق ''الوحدة'' و''القدُّم''· ألتفت الإصلاحيون إلى المدوَّنة التراثية يواجهونها بمشكلاتهم التي تتطلَّب حلولاً لكنهم لم يجدوا ما يكفي أو يفي بالغرض جواباً ناجعاً، إذ كانت هذه المدوَّنة تعاني من عطالة تاريخية؛ فهي أجوبة لأسئلة طرحها واقع مختلف وأصبح من الماضي· لذلك، راحوا يبحثون عن حلول من خلال اللجوء لطريقة ''التوفيق'' ووسيلة ''الاقتباس''· أثار موقفهم هذا عليهم قوى التقليد والمحافظة التي كانت تصر على أن التراث الإسلامي له صلاحية مطلقة، مطابقين بينه وبين العقيدة، وأنه قادر أن يمدّ المسلمين بكل الإجابات التي تتعلق بمواجهة تحديات الحاضر؛ وعلى تجديد مدوَّنته من الداخل من دون الحاجة إلى الاقتباس والاستعانة بعلوم الآخر، الغربي هنا، بوصف أفكاره غير ذات مرجعية إسلامية، بل إنها تناقض الشريعة حتى!· تدعو الإصلاحية إلى التوفيق بين الإسلام ومنجزات العصر متمثلة بالمدنية الغربية ومن خلال منهجية الاقتباس· فهي تمارسه وتبرِّره على قاعدة قبول الإسلام لتلك الأفكار العقلية بوصف الإسلام لا يخالف كل ما هو مقبول عقلاً، ولتحقيق ذلك القبول يرى دعاة الإصلاحية بضرورة العودة إلى الإسلام الأصيل أو النقي من خلال تخليصه من الانحرافات والشوائب وتجريده من التصورات الخاطئة التي لحقت به جرّاء عصور الانحطاط والتخلف· من هنا، كان على الإصلاحية أن تواجه قوى التقليدية ـ السَّلفية التي كانت تمتلك سلطة مؤسساتية ودينية فضلاً عن دعم السُّلطة السياسية لها· كانت السَّلفية ـ التقليدية تحتكر حقائق الدين أو ما تعتقد أنه ''الإسلام الحق''· وقد حصل ذلك الصِدام الذي واجهه الإصلاحيون أمثال جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده والآخوند الخرساني وعبد الرحمن الكواكبي، ومحمد حسين النائيني، وآخرين· لم تتمكَّن الحركة الإصلاحية من التجذُّر في البُنى الاجتماعية التي تريد إصلاحها وتنفذ المشروع الإصلاحي داخلها، ولم تتمكَّن أيضاً من إشاعة مناخ إصلاحي يتقبَّل أو يتبنى دعواتها، وبالتالي تشكيل الأطر الاجتماعية والسياسية الحاملة له التي تنهض بمهامه· لعبت السَّلفية ـ التقليدية دوراً كبيراً في إفشال الحركة الإصلاحية؛ فقد وقفت بقوة في وجه محاولات التجديد والإصلاح متمثلاً في نقض دعوات فتح باب الاجتهاد فيما يتعلق بالإصلاح الديني، والموقف الناقض للشورى والحكم الدستوري فيما يتصل بالجانب السياسي· تعود مواقف السَّلفية ـ التقليدية هذه إلى مجموعة من العوامل، منها ما يتعلق بالسياق التماثلي للفكر السلفي ـ التقليدي ذاته بوصفه يُعبِّر عن بنية وتركيبة عقلية دوغمائية· ومنها ما يعود إلى عوامل تخص السياق اللامتماثل الذي يتصل بالأوضاع السياسية والاجتماعية· ومن الأسباب التي منعت الحركة الإصلاحية من الانتصار على السَّلفية ـ التقليدية، وجعلتها تتراجع أمام هيمنة هذه السَّلفية هي أنها، ومن الناحية المعرفية، كثيراً ما كانت تقف على أرضية السَّلفية ـ التقليدية نفسها· فلم يتمكَّن الخطاب الإصلاحي من تجاوز منطق التقليد تماماً عندما استمرَّت عملية توظيف منهجية وأدوات التفكير التقليدي ذاتها التي يستعملها هذا الخطاب· كانت الإصلاحية تعاني من غياب أو عدم بلورة الرؤية المتكاملة والمنهج الواضح والمحدَّد المفاهيم في تعاطيها مع القضايا المطروحة عليها مما دعاها إلى اللجوء كثيراً لما ما يعتبر عدَّة أهل السلف· وهذا مما كان يقوي مواقع السلفية ـ التقليدية، ويضعف من تماسك الخطاب الإصلاحي ذاته· التزمت الإصلاحية بالنظام المعرفي للسَّلفية ـ التقليدية المتمثل بالعقل البياني بوصفه فاعلية ذهنية تمارس دورها في التفكير انطلاقاً من معطىً سابق، وهو هنا ''التراث الإسلامي''؛ فقد كانت تصدر عنه في تأسيس طريقة تفكيرها من داخل منظومة التراث باعتمادها ''أصول الفقه'' كإطار مرجعي للتفكير، فتتبنى طريقة إنتاج المعرفة ذاتها التي تمارس بواسطتها السَّلفية، وهذا ما جعلها تقع في المشكلات نفسها التي وقعت بها السَّلفية من العقم المعرفي وحالة الجمود في ما يخص بالاجتهاد والتجديد· ناهيك عن اعتمادها موقف السَّلف الذي يعتقد دعاته باستمرارية الماضي في الحاضر مما جعلها تتجه كثيراً في تفكيرها نحو الماضي، وتعتمد في معرفتها على التراث لا غير· كل هذا جعلها في موقف غير القادر على تجاوز السَّلفية ـ التقليدية معرفياً، وبالتالي تقويض سلطتها· كان خطاب الإصلاحية قائماً على منطق الرفض والنفي، ولم يكن خطاباً إثباتياً، وهكذا هو حال أي خطاب لا يفتح أفقاً للتقدُّم، ولا ينبجس عنه فكر جديد، وتم اختزال أحد أهم مهامه في العودة إلى ما كان عليه السَّلف من حال قبل ظهور الفساد · فـ ''الإصلاح يعني الوسيلة لتقويم الانحراف عن الأصل من خلال العودة إلى الأصل لتحقيق التغيير''· وإخفاق الإصلاحية، من جملة ما يعود اليه من أسباب، هو غياب الرؤية المستقبلية، البنائية، الإثباتية ، لما يمكن أن يقوم ويشرع به بعد تحقق الشروط الأولية للإصلاح، أي بعد التخلُّص من الاستعمار، وقوى التقليد، والأوضاع التاريخية المسبِّبة للجمود والانحطاط· فهناك غياب للمرجعية الفكرية الشاملة والمتماسكة والمعبِّرة عن بنية المشروع الإصلاحي ذاته، ولمكوِّنات الرؤية الإصلاحية للنُّهوض بالذات العربية الإسلامية· لقد منع الصراع بين الإصلاحيين والتقليديين، والذي اكتسب صبغة من السَّطحية والعُنف، إمكانية بلورة رؤية حديثة للهوية أو تقديم فكر ديني تجديدي·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©