السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زمن الانتفاضة.. غير قصير

زمن الانتفاضة.. غير قصير
22 يونيو 2011 20:22
عرض المؤلفان حميدي العبدالله وميخائيل عوض بين دفتيّ كتابهما “الانتفاضة/ تحرير فلسطين أمر راهن”، جهدهما لمواكبة التحولات النوعية التي تصنعها الانتفاضة ـ الثورة، باعتبارها معطى تاريخياً موضوعياً، واستجابة عملية لحاجات التطور التاريخي ذاته، وعلى أنها تعبير عملي شعبي متعاظم عن الحاجة الضرورية لإعادة تقويم الاتجاه، وتصويب الجهد الفلسطيني والعربي، والعودة بالصراع إلى ما يجب ان يكون عليه. يقول المؤلفان إن الفعل التاريخي الذي بدأ في انتفاضة 1987 وقطعته وحرفته عن مساره مؤقتاً اتفاقات اوسلو ووادي عربة، واستمر نبضه في المقاومة اللبنانية، وفي التحالف العربي الشعبي، أثمر انتصارا في الجنوب، واطلق ديناميات النهوض في فلسطين، وفي الحركة الشعبية العربية. الفعل الذي تلمس نذره وارهاصاته كل من تابع عن كثب تحولات الشارع الفلسطيني، واخفاقات اتفاقات اوسلو وملحقاتها، وما انتجته من مآس على الشعب الفلسطيني وحقوقه، وانكشاف وهم الدولة الفلسطينية التي حاول المستعجلون إلى النفوذ والمصالح تسويقها، على أنها نهاية مطاف أهداف تضحيات الشعب والحركة الوطنية الفلسطينية، وتمرير الهيمنة الأمنية والاقتصادية لتطوير مشروع إسرائيل الكبرى لتكون العظمى، تلك المرحلة السوداء كما وصفها الكتاب قد شهدت تحولات وحراكاً حيوياً للشعب الفلسطيني وانحياز قطاعات شعبية واسعة ومتتالية ضد الفساد، واعتراضاً على تبعيتها للمستعمر الصهيوني، وقبولها تفويض السي آي إيه في الإدارة الأمنية للمناطق الفلسطينية والإشراف على الأجهزة الأمنية، ومؤسسات سلطة الإدارة المدنية السلطة الوطنية، والتي كانت نتيجتها العملية انقاذ الكيان الصهيوني من أزماته وإعطائه فرصة للاستفادة من انهيار الاتحاد السوفييتي، وتصدير أزماته الأمنية والاقتصادية عبر فتح الأسواق العربية والإفريقية والآسيوية التي كانت متضامنة مع العرب يوم كانوا في المقاطعة، ويوم كانت منظمة التحرير الفلسطينية في الصفوف النضالية. اغتنى الكتب بصفحات حول الصلة بين الإنتفاضة في فلسطين والمقاومة في لبنان. فجاء عمل المؤلفين ليس مجرد تاريخ وأرشفة، وابراز وقائع وتثبيتها، بل كان مادة تسهم في تصليب الموقف، ورد الإتهامات ودحض عمليات التزوير، والهرطقة الإعلامية. كتاب “الإنتفاضة تحرير فلسطين أمر راهن” هو نتاج عمل وواجب، وجزء يسير من جهد يجب ان يبذله المثقفون والمهتمون في تفسير الظاهرات التي تولدها الإنتفاضة، والتصدي للتشويه المقصود الذي يقوم به البعض تحت اسماء مختلفة، وتحت يافطات تدعي الحرص على الحقوق والمصالح والتضحيات، وتبغي بث روح الهزيمة. لقد اراد المؤلفان ان يظهرا في هذا الكتاب الحق القومي الذي هو حق لا يموت، الأمة والوطن طوران تاريخيان، والشعب الفلسطيني ليس كالهنود الحمر، ومن خلال معرفة آليات تطور وسمات القرنين التاسع عشر والعشرين، وبداية القرن الواحد والعشرين باعتبارها قرون النهوض القومي، التي شهدت صراعات مسلحة مازال الكثير منها قائما ومستمرا على مدى مئات السنين، ولما ينته، مازال صراعاً دموياً لا نهاية له في الأفق، لأن الحق القومي لم يعد لأصحابه، فهذه الشيشان قضية أصغر وأقل أهمية من فلسطين وما زالت منذ القرن الثامن عشر وملكة روسيا كاترين؛ وهذه القضية الأرمنية، واختها القضية الكردية، وتلك قضية ايرلندا، وأقرب الدلائل القطعية ما آلت اليه جمهوريات الاتحاد السوفييتي من انقسامات وتشظّ على أساس قومي فحسب، فكيف بالحري بقضية احتلت منذ بداية القرن الماضي اولوية، وشكلت العنصر الحاسم في تطور واقع ومستقبل الأمة العربية ومعها الشعوب الإسلامية. يذكر المؤلفان بأن الدلائل قبيل اشتعال الإنتفاضة، التي فجرتها زيارة آرييل شارون، وتدنيسه المسجد الأقصى، كانت قوية تؤشر الى تعاظم التمرد الشعبي الفلسطيني، وعجز السلطة ووعودها ومفاوضاتها مع باراك وكلينتون عن تلبية أبسط الاحتياجات وحماية الحقوق، وعندما دنت مفاوضات الحل النهائي، ذاب ثلج الوعود وبان ما تحته، ثم كانت الشرارة التي اشعلت الحقل اليابس وانفجرت الإنتفاضة وتحولت بلمحة بصر، وبشكل فاجأ الجميع إلى ثورة مسلحة وفّرت كل أسبابها وعناصرها واحتياجاتها، فقدمت وحققت إنجازات نوعية تاريخية على مختلف الأصعدة، وقلبت مسارات وتوازنات الصراع العربي الصهيوني، فأنهت مراحل وحقباً، وولدت مراحل وحقباً ذات خصائص وسمات جديدة، راكمت على الإنتصار الجنوبي، واستفادت من تجارب الشعب الفلسطيني والعربي والعالمي، وحلت مشكلاتها، وطورت بنيتها، تكيّفت، وأقامت مجتمع المقاومة والإستشهاد، غيرت في توازن قواها الداخلي، وقدمت الى مركز التقرير والفعل القوى الراديكالية غير المساومة، فحققت كل المقدمات الضرورية العملية الموضوعية والذاتية لإنجاز قفزة نوعية تراكمت تحولاتها الكمية ببطء، الى أن استحقت لحظتها التي تتجلى الآن في اعمال الإنتفاضة الثورة الشعبية المسلحة ونتائجها في كل الاتجاهات، في أثرها العاصف في بنية الكيان، وإسقاط عناصر قوته الاستراتيجية والتكتيكية، وفي الحالة العربية، باضطرار الأنظمة للعودة الى النظام الرسمي العربي، وتفعيله بالقدر الممكن، وفي حركة الشارع العربي والإسلامي والعالمي وانهاضه من سباته الطويل والعميق، في التحولات الإقليمية والتحولات الدولية. هي ذاتها الحقيقية التاريخية، تتكرر كما يصفان، في كل تجربة شعبية طويلة الأمد، في تجربة ثورة تحررية شعبية ذات طابع قومي اجتماعي إنساني إيماني لا تحوز على هذه الصفات كلها إلا القضية الفلسطينية، وقد شرعت تشق طريق النصر. كتب المؤلفان عن الثورة الشعبية المسلحة التي جددت في الحركة الوطنية الفلسطينية وغيرت بيئتها وطبيعة قيادتها وقاعدتها ووسائل نضالها، وافترضت ضرورة تجديد المشروع العربي فعل اكثر من استراتيجي، واكثر من ثوري، فعل اكثر من تحرري، يقولان بأنها ثورة يقف على مستقبلها، وعلى انتصارها مستقبل الإقليم وبما له من أهمية حاسمة سيؤثر على مسار التطورات والتوازنات العالمية. يعرض المؤلفان سؤال يقلق الكثير من المناضلين وقطاعات واسعة من الشعب العربي، والشعب الفلسطيني بصورة، فهنا لابد من إجراء دراسة مقارنة بين واقع الثورات السابقة، التي انتهت الى الفشل وطبيعة انتفاضة الأقصى والتوقف عند الأسباب التي أدت الى فشل هذه الثورات، ومعرفة ما اذا كانت انتفاضة الأقصى تحمل البذور ذاتها التي قادت الى الإخفاق في السابق. ومن البديهي أن المقارنة لن تكون مسهبة، بل ستعرض العناصر الأساسية التي بمقدور اي قارئ متابع المراجعة بالوقائع والحيثيات التي تدعم الاستنتاجات التي تم التوصل اليها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©