الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المزج بين التراث والحداثة يحقق الجاذبية والأناقة الساحرة

المزج بين التراث والحداثة يحقق الجاذبية والأناقة الساحرة
19 يونيو 2012
هناك وجهات وآراء مختلفة حول إمكانية توظيف التراث في الأماكن العامة، ضمن التصاميم الهندسية المبتكرة والمتجددة، ولكن الوضع يختلف في فندق تلال ليوا، الذي التحف بالتراث المعماري التقليدي واتشح برداء القلاع والحصون القديمة، التي تتجلى بكل شموخ وثبات في الربع الخالي وسط الكثبان الرملية التي احتضنته، مشرعة أبوابها للزوار لتكشف عن أيقونة معمارية فريدة مستوحاة من البيئة التراثية المحلية، ومطعمة بالحداثة، لتكون ملاذاً دافئاً وواحة جاذبة وساحرة لمحبي العيش في أحضان التراث. خولة علي (دبي) - اكتست جدران الفندق بلون رمال الصحراء الممتدة على مساحة واسعة من المكان، كأنها أمواج تعلو وتنخفض في منظر يوحي بالهدوء والاسترخاء، وصفاء الذهن، والتمتع بمنظر الصحراء في لحظة عناق الشمس للكون عند المغيب، فيتسلل الجمال بكل جاذبية وأناقة ساحرة، في ردهات المكان وفراغاته الداخلية، التي تشبثت بالتراث في مظهرها إلا أنها امتزجت في أجزاء منها بالحداثة ليتحقق قدر من الراحة والعملية الذي ينشدها الكثيرون. جرار الماء وما أن يتخطى المرء بهو المدخل حتى تهمس في أذنه أصوات وقع الماء المنساب من الجرار البيضاء المثبتة بجوار بعضها البعض في لوحة فنية تجسد قيمة الجرار عند الأهالي قديماً كعنصر مهم لحفظ الماء. وتتدلى من فوقها مجموعة كبيرة من الثريات النحاسية ذات الأشكال التقليدية، التي تتألق سحراً وجمالاً ليلاً. وتطالعنا على الجهة المقابلة جلسة تميزت بمفرداتها المستوحاة من التراث، بدءاً بالأرضيات الرخامية التي شكلت بعض النقوش والزخارف المحلية البسيطة كخطوط متعرجة، في حين ظلت الجدران على “رتم” واحد رملية اللون، وتحولت إلى ألبوم صور، حيث وزعت على جدرانها مناظر مختلفة من صحراء ليوا بطبيعتها الخلابة وسفينتها التي تسير دونما هوان على كثبانها الناعمة. كما ظهر الجندل أو المربع وهي عبارة عن جذوع الأشجار، وتظهر هذه التقنية بصورة واضحة في بعض الأسقف والممرات ونحوها، مانحة المكان أجواء مفعمة بالبيئة التراثية المحلية، في حين نجد قطع الأثاث تسير على نمط العصرنة المريحة والملتحفة بألوان التراث، كما بدا جلياً في المزج المريح بين الحداثة ونمط التراث المحلي في أروقة المكان العبق برائحة الماضي. زخارف نباتية ويضم الفندق 111 غرفة وجناحاً، كلها تعكس الثقافة العربية عموماً والطابع المحلي الإماراتي على وجه الخصوص، في أدق تفاصيله، إلا أن التقنية التكنولوجية لا يمكن أن تختفي عن المكان، رغبة في تحقيق قدر من المتعة والتسلية للزوار. فيما ظهرت الأعمال الخشبية التي ازدانت بالنقوش والزخارف النباتية والتي تحلت بها المساكن التقليدية قديما، إلا أن هذه القطع الخشبية تم استخدامها كنوافذ، وأيضاً استخدمت في تزيين قطع الأثاث، ودرابزين الشرفات وبعض أسقف ردهات الجلوس. في حين ظل البناء المعماري لتلال ليوا محافظاً على سمته التراثية من حيث الأقواس والأعمدة، في أجزاء منه، كما وجدت الكوّات أو الدرايش، صانعة فراغاً في داخل الجدران يتم استخدامه في وضع بعض التحف وبعض الحاجيات. من مفردات التراث ويشير مهندس العمارة التراثية عمر جمعة قائلاً: إن العناصر المعمارية هي مفردات تعبيرية ملازمة لتكوين ملامح العمارة في بيئة ما، فهي مطبوعة بسماتها، وتعكس نمط وشخصية وقيم وعادات قاطنيها إلى جانب الثراء المجتمعي، من خلال ما تتحلى به من تفاصيل هندسية في تكوينها المعماري، هذا النمط من العمارة التقليدي، الذي لم ينحصر في إطار المناطق التراثية ولم يقف عند حدوده، تتجلى صورته في بعض الأمكنة والمرافق العامة وبعض الصروح العلمية، وهذه خطوة جيدة في النهوض بالتراث الذي يمثل حضارة وهوية أمة، فلابد أن تكون حاضرة في تفاصيل هذه المناطق والأحياء السكنية، وذلك نتيجة تعلق وشغف الكثيرين بجمال العمارة التقليدية، في محاولة جادة من قبلهم لإبراز أوجه هذا النمط من الطراز الذي يصور تفاصيل العمارة في البيئة المحلية، ما دفعهم إلى أن يصمموا منازلهم على طراز العمارة التقليدية، من خلال العناصر المعمارية التي نسجت على أوجه بعض الفلل السكنية، وانفردت به عن كثير من المنازل التي صممت على نمط البناء المعماري الحديث. وتعتبر تلال ليوا أحد الأماكن التي انتهجت خطا ونمطا للبناء التراثي المحلي، الذي أصبح محل اهتمام ووجهة خاصة لمختلف الأفراد، فالمصمم هنا استحضر مفردات التراث، وجاء تصميمه بطريقة عصرية، ووظفه وفق أسلوب جذاب وعملي ومريح، كتصميم قطع المفردات المستوحاة من البيئة التراثية، ولكنها مصممة وفق مقاييس تلائم الحياة العصرية، فلا تشكل أي إزعاج للضيف عندما يجلس لفترة ما بين ثناياها. عنصر زخرفي ويضيف عمر جمعة، أنه لو توقفنا عند عناصر البناء المعماري القديم لوجدناه يضم الكثير من السمات التي منحته صفة الانفراد، والتميز في المظهر والشكل الخارجي، من حيث وجود الأفنية الداخلية المكشوفة، التي تتوزع حولها الغرف.. كما نجد أن العمارة التقليدية لا تخضع لقاعدة شكلية أو نسب ثابتة، ولكن وجودها محوري ضمن المبنى سواء كان مركزيا أو جانبيا. كذلك نجد الأعمدة التقليدية وهي تتألف من البدن والتاج وترتكز في المنقطة، أما العقود فتميزت ببساطتها وقلة زخرفتها وقد شاع استخدامها في الشرفات الداخلية أو في المداخل البارزة، وتكمن نوعية الزخارف المستخدمة في الأبنية التقليدية، منها النباتية والهندسية، التي استخدمت في الفتحات والدخلات وعلى الواجهات، أما العرائس والشرفات إنما تركزت وبشكل واضح في تحديد نهايات المباني الدفاعية، إلى جانب استخدامها كعنصر زخرفي لتشكيل خط الأبراج الهوائية. حفظ الهوية التراثية المحلية يقول مهندس العمارة التراثية عمر جمعة: تميزت الأبواب الخشبية بالمتانة والقوة، وهي مطعمة بمسامير حديدية، تزيينية، ما جعلها تظهر في صورة قطعة أنتيك، بالإضافة إلى ملاقط الهواء التي كانت مصدراً مهماً لجلب الهواء للداخل. وكل هذه العناصر استخدمت في بعض المساكن والمباني كملامح خارجية، فأصبحت متميزة في إطلالتها عن بقية المباني التي ظلت تسير على خطى الحداثة، ما يجعلها تظهر رتيبة وخاوية، تفتقد الأجواء الدافئة التي قد نشعر بوجودها في المعمار التراثي. وكل ذلك يؤكد أن العودة إلى دفء القديم وسحره ، إنما هي خطوة مهمة نحو الحفاظ على الهوية التراثية المحلية، التي تعد جزءا لا يتجزأ من ماضي وحاضر ومستقبل المنطقة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©