السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بحر بيروت غالي الثمن

بحر بيروت غالي الثمن
14 مايو 2006

هنا كورنيش البحر، الخير الوحيد للآلاف من قاصدي المدى الأزرق، هنا تقيم مهنتان: واحدة على الرصيف هي مهنة المقهى السيار، والثانية، مهنة الصيد، التي يحفظ لها الشاطئ وصخوره تاريخاً ويحيي ذكريات··· يوم كان للصيد شرف المهنة·
لكن اليوم، ليس كالأمس، اذ تحول الصيد من مهنة بريئة الى فعل قتل، وتحول الصيادون الى ميليشيا معادية للأسماك حاضراً ومستقبلاً· فقد حل الديناميت والمتفجرات محل الصنانير والشباك· واختلطت المشاهد والادوار بين ما يجري في بر بيروت وبحرها·
بيروت - عماد ملاح:
جرائم تنفذ ضد أحياء البحر، أبطالها رجال صيد احترفوا هذه المهنة منذ زمن، واستفادوا من الفوضى القائمة طوال سنوات الحرب، لقتل بذور السمك والثروة السمكية، عبر استخدام اصابع الديناميت في الصيد، باعتبارها الوسيلة الأسرع للحصول على تلك الكائنات المائية التي لم يعد بإمكان الطبقات المتوسطة والفقيرة الحصول عليها من مكنونات الجيوب·
والسمك الطازج لم يكن حلماً يراود ذوي البطون الخاوية كما يحصل اليوم، لأن الصياد لم يعد ذلك الانسان المعوز الذي ينتظر الحظ على شكل 'قمقم' مسحور، او خاتم مرصود، بل أصبح تاجراً بكل معنى الكلمة، يرفع أسعاره اقتداء بالسيد الدولار، او تشبهاً به، ويحجب عن الزبائن بضاعته الطازجة عملاً بمنطق السوق السوداء·
الديناميت أصاب الثروة السمكية اصابة قاتلة وقضى على بيوض الاسماك، وعلى الأعشاب المائية التي تغذيها· وتحالفت معه الزوارق الاسرائيلية التي عمدت اكثر من مرة الى اطلاق النار على الصيادين، وآخر حادثة كانت قتل البحار ياسين جرادي، الذي انتشلت جثته من قعر مركبه قرب الناقورة·
يقول نجيب الديك نائب رئيس نقابة الصيادين: الثروة السمكية التي كانت تشكل غذاء الفقراء، اصبحت الآن طعام الاغنياء فقط، فالغلاء الفاحش وارتفاع أسعاد عدة الصيد، جعلت كيلو السمك الطازج لا يقل عن عشرين ألف ليرة· إن بحرنا يتمتع باعداد وافرة من الاسماك، وإذا امتنعنا عن الصيد بواسطة 'الديناميت' او الحوز، يمكننا المحافظة على هذه الثروة·
ويقضي محمد البرجي سبع ساعات في الصيد يومياً، ليعود بغلة وافرة أو قليلة أو لا يسترزق بسمكة واحدة· ويرى أن الصيد بات ضرورة ملحة، فرب العائلة لا يستطيع تأمين وجبة سمك واحدة في الشهر، بل في العام، ورائحة السمك باهظة الثمن بالنسبة لنا، والحق في ذلك على الديناميت·
ويمضي مصطفى شهاب يومياً خمس ساعات وأكثر حسب المزاج، أما الغلة، فيوزعها على الأقارب والجيران· وهو يتمنى أن يبقى قرار منع الصيد بالديناميت ساري المفعول·
من جهته، يمضي رفيق خضر الشيخ سعد (ابو خضر)حوالي 4 ساعات في صيد السمك، وهو مضطر لذلك، لأن لديه عائلة كبيرة (11 ولدا) وإذا فكر يوماً باطعامهم أكلة سمك، يحتاج إلى أكثر من 40 الف ليرة ثمن وجبة غذاء واحدة·
الشباك هي وسيلة أحمد دوغان (متزوج وله اربعة اولاد) لصيد السمك، وهي مهمة صعبة لأنه معرض للخسارة نتيجة تمزق الشباك في الليل، وهكذا تمضي الأيام 'يوم لنا ويوم للبحر'·
علي عناني (ابو حسن) ورث المهنة عن والده، ولا يستطيع فراق البحر، وأسعد لحظات حياته يقضيها مع الشباك وعدة الصيد·
هذا غيض من فيض حكايات وقصص الشاطئ اللبناني، التي تروي رحلة عذاب الصيد والصياد، انها ضريبة العرق والشقاء مجبولة بلقمة العيش المتعبة، لكنها في النهاية ضريبة رابحة طالما ان السمك اصبح عزيز المنال، الاّ على موائد الاثرياء· وفي ظل الجشع والاحتكار تصبح المعادلة السائدة على الشواطئ اللبنانية: السمك للأغنياء والحسك للفقراء، وهي معادلة تشتمل كل شيء في بحرنا وبرنا، وفي كل بحر وبر·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©