السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الغرور سلوك مصدره شعور بالنقص وليس ثقة بالنفس

الغرور سلوك مصدره شعور بالنقص وليس ثقة بالنفس
18 يونيو 2011 19:58
الأخلاق الإنسانية كريمة كانت أو ذميمة، هي انعكاسات النفس على صاحبها، وفيض نبعها، فهي تشرق وتظلم، تبعاً لطيبة النفس أو خبثها، استقامتها أو انحرافها، وما من خلق ذميم إلا وله سبب من أسباب لؤم النفس أو انحرافها، ومن أسوأ الصفات الإنسانية الغرور والكبر وهما صفتان تؤثران سلباً على الفرد نفسه وعلاقاته بالآخرين. سلوك الفرد وانعكاسه على تصرفاته ومعاملاته مع المحيطين به، لا يأتي من فراغ، وإنما هو نتيجة ما تراكم عنده على مر مراحل حياته، منذ ولادته إلى حين مماته، أفعال تظهر سلوكيات قد تتغير أو تزيد حدتها حسب البيئة التي ينشأ فيها الشخص، وحسب المؤثرات التي يخضع لها، ولاستئصال هذه السلوكيات السلبية وتحفيز الإيجابي منها تسن الدورات والتدريبات لتخليص النفس من شوائبها. تعريف الغرور في هذا الصدد، يتحدث البروفيسور كريم سهر استشاري الصحة النفسية والباراسيكولوجي رئيس المعهد الكندي للعلوم الصحية في كندا، عن آفة الغرور والكبر وما تسببه من متاعب للمتصف بها وللمحيطين به، ويصفها بأنها من أعظم المفاسد الأخلاقية التي يتعرض لها الأفراد والمجتمعات. ويضيف، سهر، الذي كان في زيارة لمدينة العين لإلقاء محاضرات وعمل دورات، أن الغرور داء يدل على نقص الفطنة وطمس نور العقل والبصيرة، فينخدع العبد بما آتاه الله تعالى على الناس ويتكبر، ويسير وراء شهواته ونزواته بالأخطاء بسبب الجهل، «يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ»، (الانفطار:6-7)، وهكذا ينخدع الكثيرون بالغرور، فمنهم المغتر بزخارف الدنيا ومباهجها الفاتنة، ومنهم المغتر بالزعامة أو المال أو القوة. أسباب ومسببات ويعرف سهر الغرور بأنه نقيض التواضع وكلمة ينفر الناس منها، وهو مرض من أمراض القلب المعنوية التي لا تؤلم المريض فحسب، ولكنها تزعج من حوله أيضا. ويضيف «الغرور لا يعني الثقة بالنفس، بل الشعور بالنقص بداخل الشخص المغرور الذي يريد أن يخفيه عن الناس في ثوب التكبر والغرور، متناسياً أن الدنيا متاع الغرور، (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ)، (غافر- 39)، وقال الله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ) (الحديد- 20). فقد يغتر الإنسان بكثرة ماله أو جماله أو سلطته، ولكن ما لا يعلمه المغتر أنه ما رفع الله شيئاً إلا وضعه، وأن دوام الحال من المحال، ويبقى غنى النفس والجمال الروحي. فالغرور نهايته الندم والانكسار، والتواضع ليس له نهاية، فهو بداية للرفعة في الدنيا والآخرة يوم لا ينفع مال ولا جمال ولا قوة إلا من أتى الله بقلب سليم». يحاول سهر، أن يقوي الوازع الديني للمتلقي، مردداً «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً، فكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، إنما الدنيا والآخرة كرجل له امرأتان إذا أرضى إحداهما أسخط الأخرى، إن الحب الشديد للدنيا والتعلق بها مفسد للدين وللنفس، ومن علامات حب الدنيا إكثار صاحبها من ذكرها، فتراه كثير الهموم مشتت الذهن مضطرب النفس، وحب أهل الدنيا والتملق لهم واتخاذهم أخلاّء». ومن أسباب التكبر، وفق سهر، مغالاة الإنسان في تقييم نفسه، وتثمين مزاياها وفضائلها، والإفراط في الإعجاب والزهو بها. ويوضح «تتفاوت درجات التكبر وأبعاده بتفاوت أعراضه شدةً وضعفاً، فالأولى هي التي كَمُنَ التكبر في صاحبها، فعالجه بالتواضع، ولم تظهر عليه أعراضه، والثانية هي التي نما التكبر فيها، وتجلت أعراضه بالاستعلاء على الناس، والتقدم عليهم في المحافل، والتبختر في المشي، والثالثة هي التي طغى فيها، وتفاقمت مضاعفاته فجُن صاحبها بجنون العظمة، والإفراط في حب الجاه والظهور، فطفق يلهج في محاسنه وفضائله، واستنقاص غيره واستصغاره، وهذه أسوأ درجات التكبر، وأشدها صلفاً وعتواً». ويقول سهر «التكبر من الأمراض الأخلاقية الخطيرة والشائعة في الأوساط الاجتماعية، التي سرت عدواها، وطغت مضاعفاتها على المجتمع، والمتكبر أشد الناس عتواً وامتناعاً عن الحق والعدل، فمن مساوئ التكبر وآثاره السيئة في حياة الفرد أنه متى استبد بالإنسان، أحاط نفسه بهالة من الزهو والخيلاء، وجن بحب الأنانية والظهور، فلا يسعده إلا الملق المزيف، والثناء الكاذب، فيتعامى آنذاك عن نقائصه وعيوبه، ولا يهتم بتهذيب نفسه، وتلافي نقائصه، ما يجعله هدفا لسهام النقد، وعرضة للمقت والازدراء، موضحا أن «سهر أن من مساوئ التكبر الاجتماعي أنه يشيع البغضاء بين الناس». قدر النفس يشير سهر إلى أن علاج هذه المشكلة يبدأ بمعرفة حدود النفس وقدرتها، ويزيد «اعرف قدر نفسك، ثمن ملكاتك، اعرف قيمة الدنيا، فإنّك تكون قد وضعت قدمك على الطريق الصحيح لاجتناب الغرور وتفادي حالات التكبّر والتعالي، والأخلاق الفاضلة هي خير دعامة في حياة الإنسان، بينما الأخلاق الرذيلة هي معول الخراب والهدم، والغرور أحد المفاسد الأخلاقية، وهو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى ويميل إليه، والسبب الرئيسي للغرور هو الجهل، فالعلم والمال يعتبران المحك الذي يعرف به معدن الإنسان، فهؤلاء عند امتلاكهم للنعم ينسون أنفسهم ويجهلون بأن هذه النعم زائلة لا تبقى، وإنها ليست خالدة كما يظنون، «وما أظن الساعة قائمة»، (الكهف: 36)، إذن فالغرور هو إعجاب الإنسان بنفسه وبعلمه وبدنياه وقد يصل إلى حد احتقار الآخرين وربما التسفيه لآرائهم وأعمالهم. الخضوع للحق، ويوضح أن هذا السلوك هو نقيض التواضع الذي يصفه بأنه الخضوع للحق، والانقياد له وقبوله، والتواضع، بحسب سهر، هو «ألا ترى لنفسك قيمة تكبرية، فمن رأى لنفسه قيمة استعلاء فليس له في التواضع نصيب، فالتواضع هو خفض الجناح ولين الجانب، وينصح سهر بالتوازن والوسطية في الحياة ويقول: المعيار الصحيح في السلوك الحياتي، وبهما يمكن علاج الأمراض الأخلاقية والنفسية بعد معرفة حقيقة المرض ودوافعه وهو التوازن». ويقول سهر إنه يجب التفريق بين الثقة بالنفس والغرور. ويوضح أن الثقة بالنفس أو ما يسمّى أحياناً بالاعتدادَ بالنفس تتأتّى من عوامل عدّة، أهمّها تكرار النجاح، والقدرة على تجاوز الصعوبات والمواقف المحرجة، والحكمة في التعامل، وتوطين النفس بالتسامح وهذا شيء إيجابي، أمّا الغرور فشعور بالعظمة وتوهّم الكمال، أي أنّ الفرق بين الثقة بالنفس وبين الغرور هو أنّ الأولى تقدير للإمكانات المتوافرة، أمّا الغرور ففقدان أو إساءة لهذا التقدير، وقد تزداد الثقة بالنفس للدرجة التي يرى صاحبها في نفسه القدرة على عمل كلّ شيء، فتنقلب إلى غرور، والأحسن هو التوازن بين جمال الشكل وجمال الروح؛ ولذا قيل الراضي عن نفسه مفتون والإعجاب يمنع من الازدياد، وكلما ازدادت ثقة الإنسان بنفسه، كلما أصبح أكثر قدرة على مواجهة مصاعب الحياة ومتطلباتها وهمومها، ولكن إذا ما تجاوزت الثقة بالنفس الحد المطلوب والمعقول فإنها بذلك تصبح خطرا على صاحبها لأنها في هذه الحالة ستتحول إلى غرور. تقدير العواقب يفيد كريم سهر بأن الغرور وعدم تقدير العواقب وهما ظاهرتان مرضيتان تصيبان الإنسان، وتقودانه إلى المهالك، وتورطانه في مواقف قد تنتهي به إلى مأساة مفجعة. ويضيف «لهذا الشعور المرضي أثره السيئ على سلوك الشباب بما يجلبه عليهم من مآس أو نبذ اجتماعي خاصة في الزواج، حيث تتحول الحياة الأسرية إلى جحيم، وربما تنتهي إلى الفراق، وكم هي حوادث السير بسبب الغرور الأعمى، بل قد يستولي الغرور على البعض فيخجل من الانتساب إلى أسرته، أو ذويه أو مدينته أو قريته، بل يتعالى على والديه عندما يرى نفسه أصبح بوضع اجتماعي جيد، وأكثر من يتصف باغترار الدنيا هم ضعفاء الإيمان والمخدوعون بمباهجها ومفاتنها، فيتناسون فناءها وزوالها، وما يعقبها من حياة أبدية خالدة، انظر كيف يصور القرآن واقع الدنيا وغرورها، فيقول تعالى: (إنما الحياة الدنيا لَعِب ولهو وزينة وتفاخر بينكم، وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل غيث أعجب الكفّار نباته، ثم يهيج فتراه مصفرّاً، ثم يكون حُطاماً، وفي الآخرة عذاب شديد)، (الحديد:20)».
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©