الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

من القصير إلى عرسال.. حكايات خوف وموت

من القصير إلى عرسال.. حكايات خوف وموت
16 يونيو 2013 00:45
عرسال (أ ف ب) - منذ أربعة أيام، تفترش جميلة (45 عاماً) الأرض في باحة مقر رسمي في بلدة عرسال في شرق لبنان، تنتظر أن يؤمن لها ولأولادها الثلاثة وزوجها المريض سقف أو خيمة.. أما قلبها، فبقي في سوريا، على طريق القصير حيث العشرات ماتوا عطشاً أو قصفاً، أو ببساطة عجزوا عن متابعة السير. جلست جميلة على بساط قرب مقر بلدية عرسال، وإلى قربها يتمدد زوجها على فراش إسفنجي. وقالت: «في الليل نموت برداً.. لا نملك مالاً، ولا طعاماً، ولا نعرف أحداً هنا». لكن حزنها الأكبر يبقى على الذين تركتهم هناك. وروت بغصة «خرجنا قبل ساعات من سقوط المدينة مجموعات مجموعات.. كنا نجري وكل منا يسعى لإنقاذ نفسه». وتابعت وهي تزيح قليلاً الشال الأسود الذي يغطي رأسها عن وجهها ثم تخفض صوتها وكأنها تخجل مما ستقوله «بعض الذين كانوا معنا ماتوا عطشاً أو متأثرين بجروحهم. فكان الرجال يحفرون حفرة ويدفنونهم.. كان الأمر فظيعاً.. التاريخ لم يشهد مثل هذا». في الطريق، كسر الهاربون أغصان الأشجار الخضراء الطرية وعصروها في أفواههم للترطيب، أو قساطل الري ونفخوا فيها للحصول على بعض قطرات المياه. وأكلوا الفواكه من الأشجار والبطاطا النيئة من الحقول. وكان عناصر من الجيش السوري الحر يرشدونهم على الطريق. وأوضح عضو المجلس البلدي في عرسال وفيق خلف الذي يهتم باستقبال اللاجئين وتسجيلهم، أن ثلاثة آلاف سوري وصلوا من القصير إلى عرسال خلال أسبوع، ليرتفع عدد اللاجئين السوريين في البلدة إلى 32 ألفاً منذ بدء النزاع قبل أكثر من سنتين، فيما يبلغ عدد سكان عرسال أكثر من أربعين ألفاً. كما دخل أكثر من 300 جريح من القصير نقلوا إلى مستشفيات في الشمال خصوصاً. في زوايا الباحة الصغيرة، توزعت العائلات، بعضها علق أغطية وبطانيات على أغصان الشجر للحصول على بعض الخصوصية.. أو على قليل من الظل.. بين الجمع شاب في الثامنة عشرة ذراعه اليسرى وظهره ملفوفان بضمادات، قال من دون ذكر اسمه إنه أصيب في المعركة، وأضاف «سرت خمسة أيام مع آخرين.. في لحظة معينة، تعبت وتركوني مرمياً في أحد البساتين، إلى أن أشفق عليّ أحدهم وحملني وساعدني على الوصول». لكن الشاب الأشقر صاحب الوجه الطفولي أكد أنه سيعود إلى سوريا فور شفائه ليساهم في إسقاط النظام. في وسط الباحة، جلست ريما مع طفلها البالغ عشرة أشهر، وقالت وهي تشير إلى ملابسه المتسخة التي لم يعد في الإمكان تبيان لونها الأصلي، وإلى عباءتها الزهرية المطرزة بالأبيض وقد اتسخت أيضاً «نريد مكاناً نغتسل فيه.. نحن هنا منذ سبعة أيام، لم يجدوا لنا مأوى بعد». هربت ريما مع أربعة أطفال وزوجها بالسيارة من القصير. وقالت: «كان القصف مخيفاً.. ذهبنا إلى درعا (جنوب)، وصلنا إلى آخر حاجز قبل الحدود الأردنية.. لم يسمحوا لنا بالعبور إلى مخيم الزعتري، فعدنا إلى ريف دمشق ومنه عبر طريق تهريب إلى هنا». وتبلغ مساحة المنطقة السكنية في عرسال حوالي 15 كيلومتراً مربعاً، وتصل مساحة البلدة الإجمالية مع المنطقة الجبلية غير المسكونة إلى أكثر من 400 كيلومتر مربع. وتمتد حدودها مع سوريا (معظمها مع ريف دمشق) على مسافة 55 كيلومتراً تنتشر عليها المعابر غير القانونية الوعرة. وعرسال ذات غالبية سنية متعاطفة إجمالاً مع المعارضة السورية، ومحاطة بقرى شيعية موالية لـ«حزب الله» الذي يشارك في المعارك في سوريا إلى جانب قوات النظام. وتعرضت البلدة أخيراً لغارات عدة من طائرات سورية. في شارع البلدية، صف طويل من مئات النساء والرجال ينتظرون دورهم للحصول على مساعدة غذائية. وأوضح خلف أن المساعدات مقدمة من وكالات الأمم المتحدة ومن الحكومة القطرية ومن جمعيات خيرية ومنظمات غير حكومية دانماركية أو نرويجية لكنها غير كافية. أهالي عرسال قدموا أبنيتهم غير المنجزة والغرف الفارغة للاجئين. في غرفة من مترين مربعين من دون باب، يعيش حوالي 20 شخصاً يرفضون التصوير ويسألون عن «هيئة إغاثة»، فالحاجات كثيرة.. جارهم محمد (30 عاماً) يعيش في كاراج مع أطفاله الثلاثة الذين لم يتجاوز أكبرهم الخامسة.. و«الدتهم قتلت على الطريق أثناء هربنا بقذيفة». كان محمد مسؤولاً في حزب البعث قبل أن يصبح معارضاً مع بدء الثورة. وقال «هتفنا له (الرئيس السوري بشار الأسد) بالدم والروح نفديك عشرين سنة، كافأنا بالقصف علينا». في أحد أحياء عرسال، مخيم للاجئين يغطيه الغبار كلما هبت نسمة هواء. جلس علي (25 عاماً) وقد لفت ساقه اليمنى بالجص في خيمة خالية إلا من الفرش، وقال «لست نادماً أو حزيناً على ما أصابني أثناء القتال.. كنت أدافع عن شرفي، لكنني حزين على وضعنا هنا». عند باب البلدية، وصلت شاحنة صغيرة ينزل منها أكثر من ثلاثين لاجئاً وصلوا للتو عبر الجرد. وقفوا حائرين ضائعين. ثم صرخت امرأة «الله يحرق قلوبهم مثلما أحرقوا قلوبنا.. كل الدول دعمت بشار فقصفنا وهجرنا. أصدقاء سوريا هم أعداء سوريا.. أين منطقة الحظر؟ لِمَ لمْ تأت الأمم المتحدة إلى القصير لإنقاذنا؟ الله يشردهم كما شردونا»!.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©