السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الملكان هاروت وماروت معلما السحر

2 يوليو 2014 01:09
لم يشتغل أناس بالسحر مثلما اشتغل بنو إسرائيل، على مدى تاريخهم منذ موسى عليه السلام، رغم أن الله عز وجل حرم عليهم ذلك، كما في توراتهم كانوا وثنيين يعبدون التماثيل، حتى أنهم عبدوا العجل في وقت موسى، وكانت الشياطين تكلم الناس وهم لا يرونهم ويتلبسون بهم ويصرعونهم، فكان بنو إسرائيل يستغيثون بالتماثيل وكهنتها، ويطلبون من القائمين عليها عمل أي شيء يشفيهم من أمراضهم، ولما ازداد اعتقاد الناس فيهم ادعى الكهنة أنهم يعلمون الغيب ويحددون ويعرفون مواقع النجوم وقادرون على تغيير النحس إلى السعد وطرد الأرواح الشريرة المتلبسة الأجساد، مما روج كثيراً للسحر بينهم. وكان يهود المدينة لا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء من التوراة، إلا أجابهم عنه، فسألوه عن السحر، فأنزل الله تعالى قصة الملكين «هاروت وماروت»، وأنه لما ذكر نبي الله سليمان عليه السلام في القرآن قال اليهود ألا تعجبون لمحمد يزعم أن ابن داوود كان نبياً وما كان إلا ساحراً، فأنزل الله هذه الآية ليكذب أقوالهم وليبريء رسوله سليمان مما ينسبون إليه. قال تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)، «سورة البقرة: الآية 102». لا تتعلم السحر قال الإمام عبدالرحمن السعدي. وكذلك اتبع اليهود السحر الذي أُنزل على الملكين، الكائنين بأرض «بابل» في العراق، أنزل عليهما السحر امتحاناً وابتلاء من الله لعباده، فيعلمانهم السحر وما يعلمان من أحد حتى ينصحاه، ويقولا إنما نحن فتنة فلا تتعلم السحر فإنه كفر، فينهيانه عنه، ويخبرانه عن مرتبته فتعليم الشياطين السحر على وجه التدليس والإضلال فهؤلاء اليهود يتبعون السحر الذي تعلمه الشياطين، فتركوا علم الأنبياء والمرسلين، وأقبلوا على علم الشياطين. وقد نبذ اليهود كتاب الله واتبعوا كتب السحرة التي كانت في زمن ملك سليمان عليه السلام وكانت الشياطين تصعد إلى الفضاء فتصل إلى الغمام والسحاب، حيث يسترقون السمع من كلام الملائكة الذين يتحدثون ببعض ما سيكون بإذن الله في الأرض من موت أو أمر أو مصائب، فيأتون الكهنة الكفار الذين يزعمون أنهم يعلمون الغيب ويخبرونهم، فتحدث الكهنة الناس فيجدونه كما قالوا، فلما ركنت إليهم الكهنة، أدخلوا الكذب على أخبارهم فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة، وقد دونوها في كتب يقرؤونها ويعلمونها الناس، وفشا ذلك حتى قالوا إن الجن والشياطين تعلم الغيب، وكانوا يقولون هذا علم سليمان عليه السلام، وما تم لسليمان ملكه إلا به وبه سخر الجن والإنس والطير والريح فأنزل الله هذين الملكين هاروت وماروت لتعليم الناس السحر ابتلاء من الله وللتمييز بين السحر والمعجزة وظهور الفرق بين كلام الأنبياء عليهم السلام وكلام السحرة. ثبات على الإيمان وما يعلم هاروت وماروت من أحد حتى ينصحاه، ويقولا له إنما نحن ابتلاء من الله، فمن تعلم منا السحر واعتقده وعمل به كفر، ومن تعلم وتوقى عمله ثبت على الإيمان فيتعلم الناس من هاروت وماروت علم السحر الذي يكون سببا في التفريق بين الزوجين، بأن يخلق الله تعالى عند ذلك النفرة والخلاف بين الزوجين، ولكن لا يستطيعون أن يضروا بالسحر أحداً إلا بإذن الله تعالى فيتعلم الناس الذي يضرهم ولا ينفعهم في الآخرة لأنهم سخروا هذا العلم لمضرة الأشخاص. ويؤكد العلماء والمفسرون أن الله تعالى إنما أنزلهما ليحصل بسبب إرشادهما معرفة الفرق بين الحق الذي جاء به سليمان، وأتم له الله به ملكه، والباطل الذي جاءت الكهنة به من السحر، ليفرق بين المعجزة والسحر. وسيقت أوهام وخرافات من الإسرائيليات حول هاروت وماروت، وقال الإمام القاضي عياض في الشفاء، وما ذكره أهل الأخبار، ونقله المفسرون لم يرد فيهما شيء لا سقيم، ولا صحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس هو شيئاً يؤخذ بالقياس. عصمة الملائكة وقال المحققون إن المروي في قصة هاروت وماروت، راجع إلى أخبار بني إسرائيل وأن ما نسب إلى الملكين بأنهما شربا الخمر، وقتلا نفساً وزنيا غير جائز في حقهما لما تقرر من عصمة الملائكة عليهم السلام من ذلك ومن ادعى أنهما وقعا في معصية فمسخهما الله تعالى فقد تكلم في أمر الغيب بلا علم، وادعى أمرا ينتقص به ملائكة الرحمن المكرمين، واعتقد بما في كتب بني إسرائيل، بغير شاهد صدق له من الوحي. وقال ابن كثير وقد روي في قصة «هاروت وماروت» عن جماعة من التابعين، وقصها خلق من المفسرين، من المتقدمين والمتأخرين، وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فيها، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن، على ما أراده الله تعالى، والله أعلم بحقيقة الحال. (القاهرة - الاتحاد)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©