الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دولة المماليك في الهند تسبق مصر والشام

دولة المماليك في الهند تسبق مصر والشام
2 يوليو 2014 01:08
د. أحمد الصاوي (القاهرة) قبل أن تظهر دولة المماليك بمصر والشام بقرابة النصف قرن، كانت الهند قد عرفت أول دولة يحكمها مملوك تحرر من الرق وارتقى في سلك الجندية، وكان ذلك بحد ذاته حدثا تحكي عنه الهند المعروفة بنظامها الطبقي العتيد ودليلاً ناصعاً على أن الإسلام لا يعرف هذه الطبقية حتى أن مملوكاً رقيقاً يصبح سيداً وسلطاناً. السلطان الذي أسس الدولة المملوكية بالهند هو قطب الدين أيبك، وقد اختطف صبياً من التركستان وبيع لأحد قضاة نيسابور، فتعلم عنده فلما مات اشتراه أحد التجار ومنه إلى شهاب الدين الغوري حاكم الهند القوي الذي أعجب بصفاته الشخصية وشجاعته فرقاه حتى صار قائداً لجيوش الغوريين بالهند. وأدى تنازع أمراء الدولة الغورية على العرش إلى إطلاق يد قطب الدين أيبك في حكم الهند فعين نائباً عن محمود غياث الدين الغوري وأرسلت له المظلة جرياً على العادة فجلس على العرش في العام 602 هـ، ولكنه لم يمكث على عرش الهند أكثر من أربع سنوات إذ توفي في حادث أليم أثناء لعبه البولو ودفن في لاهور عام 606 هـ «1210 م». جهود إصلاحية قضى أيبك سنوات سلطنته القصيرة في سلسلة من الجهود الإصلاحية فكان يغدق على الفقراء والناس بغير حساب حتى عرف باسم «لك بخش» أي معطي المائة ألف وعني أيضاً بإنشاء المساجد فشيد مسجداً كبيراً في أجمير يعرف لليوم باسم مسجد قطب الدين وأنشأ أشهر وأقدم مساجد دهلي مسجد قوة الإسلام الذي أصابته الزلازل بنوائبها فتهدمت جدرانه وإن بقيت مئذنته الشهيرة سامقة لليوم تلح على أنظار سكان نيودلهي وزوارها بقامتها الرشيقة وهيئتها الغريبة. ونقل قطب الدين أيبك لصحن جامع قوة الإسلام عموداً حديدياً غريب الهيئة كان قد اقتلعه بعد انتصاره على بعض ملوك الهند من موضعه ليكون شاهداً على معاركه المظفرة وهذا العمود من إنشاء الملك الهندي دهاوا في القرن الرابع الميلادي. ولما كان أيبك قد مات دون عقب فقد ترشح للسلطنة من بعده قائده شمس الدين ألتمش وكان مملوكاً تركيا أعتقه أيبك وولاه قيادة الجيوش فلما جاء الناس لمبايعته بالسلطنة جلس القاضي إلى جواره صامتاً، فأدرك ما يرنو إليه هو ومن معه من رجال الدولة فرفع طرف البساط الجالس عليه وأخرج له عقد عتقه من الرق فقرأه القاضي بالمجلس وبايعه الجميع بالملك في العام 607 هـ. وتوفي ألتمش في العام 633 هـ بعد أن أنفق سنوات حكمه في حروب خاض أولها لاسترداد الولايات التي رفعت راية العصيان والتمرد عقب وفاة قطب الدين أيبك أما حروبه الأخيرة، فكانت لدفع خطر غزوات المغول للبنجاب الغربي. الثوب المصبوغ وحرص شمس الدين ألتمش على إقامة العدل في مملكته ولما كان أهل الهند يلبسون البياض، فقد أمر بأن يلبس كل مظلوم ثوباً مصبوغاً، فمتى رآه بين الناس استدعاه ورد له مظلمته، ثم رأى أن بعض رعيته قد يظلم في الليل عندما تنقطع الحركة، فلا يصل بثوبه المصبوغ للسلطان فأراد أن يعجل لهؤلاء العدل فجعل على باب قصره تمثالين لأسدين وفي عنق كل واحد منهما سلسلة حديدية فيها جرس فيأتي المظلوم ليلاً فيحرك الجرس فيحمل على الفور إلى ألتمش لينظر في مظلمته. عندما حضرت شمس الدين الوفاة أوصى بالعرش من بعده لابنته التي تولت الحكم في العام 633 هـ باسم السلطانة رضية الدين لتكون، كما هو حال شجر الدر في مصر لاحقاً أول ملكة مسلمة تجلس على العرش ولعل ألتمش وضع بذلك الأساس الأول لتقبل شبه القارة الهندية لحكم النساء كما رأينا حديثاً في حالات مثل أنديرا غاندي وبي نظير بوتو. كانت رضية الدين مؤهلة بحكم تربيتها العسكرية للحكم فكانت تلبس ملابس الرجال وتركب الخيل وظلت تمارس الحكم نحو أربع سنوات إلى أن دبر مماليك البلاط مؤامرة ضدها حملت تشنيعا على سمعتها باتهامها بعلاقة آثمة بعبد حبشي ولم تكن تلك سوى تكئة لخلعها من العرش وتولية شقيقها الأصغر محمود ناصر الدين ابن السابعة عشرة، بدوره أسلم الصبي دفة الحكم لمملوك من مماليك أبيه وهو بلبان الذي تولى قيادة الجيوش لحماية البلاد من خطر الغزوات المغولية. حاولت رضية الدين أن تستعيد عرشها وشنت بالفعل هجوماً عسكرياً انتهى بهزيمتها وفرارها وظلت تهيم على وجهها إلى أن قتلها أحد المزارعين طمعاً في ملابسها المزركشة. أبناء البيت العباسي تعهد بلبان الفارين من وجه المغول ولاسيما أبناء الملوك والأمراء المسلمين بالرعاية الكريمة وكان من بينهم بعض أبناء البيت العباسي وقد شيد لهم أماكن خاصة بإقامتهم منها محلة عباسي ومحلة خوارزم ومحلة موصلي ومحلة سمرقندي. وعرف عن بلبان حرصه الشديد على العدل في مملكته وزيارة مقابر الأولياء وحضور مجالس الذكر والعناية بالعلماء ويروي الرحالة المغربي ابن بطوطة الذي زار الهند في تلك الحقبة أن غياث الدين بلبان شيد داراً أسماها دار الأمان فمن دخلها من أهل الديون قضى دينه ومن دخلها خائفاً أمن ومن دخلها وقد قتل أحداً أرضى عنه أولياء المقتول ومن دخلها من ذوي الجنايات أرضى من يطلبه وقد دفن السلطان بلبان بعد موته في هذه الدار، وبعد وفاة بلبان اختلف ورثة عرشه فانهارت دولة المماليك وانتقل الأمر لدولة أفغانية هي الدولة الخليجية. شبه القارة الهندية عالم حافل بأجناس وعقائد ولغات شتى، ومنذ القدم هذا العالم له شخصيته المستقلة وفلكه العقائدي والفلسفي الخاص، اقتحم الإسكندر الأكبر بلاد الهند غازياً وخلف وراءه تأثراً كبيراً بفنون الإغريق، ولكن دون تبديل كبير في شخصية الهند. وبدءاً من عام 92 هـ دخل الإسلام إلى الهند من جهة السند والبنجاب، ولكن نجاحه الأكبر كان في جنوب البلاد عبر التجارة الموسمية لينتشر الإسلام سلمياً بين الطبقات المقهورة والفقيرة هناك، وبدورهم نقل الهنود المسلمون دعوة الإسلام وحضارته إلى ما جاورهم من جزر المحيط الهندي وسواحله الجنوبية. أدرك المسلمون مبكراً أنهم يدخلون عالماً خاصاً فتعاملوا معه برفق يناسب البلد الذي كتب عنه البيروني كتابه الشهير «تحقيق للهند من مقولة في العقل أو مرذولة»، فكان الإنتاج الفني للهند في العمارة والفنون الإسلامية عروة وثقى بين روح الفن الإسلامي وشخصية الهند التليدة، هنا وعلى مدار الشهر الكريم نعرض لأهم ملامح إسهامات الهند في الفن الإسلامي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©