الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اليونان وتركيا... ودبلوماسية كرة السلة

12 سبتمبر 2010 21:54
يجري مع كتابة هذه الكلمات حدث مهم جدّاً في لعبة كرة السلة في تركيا: بطولة العالم لعام 2010، التي ينظمها اتحاد كرة السلة العالمي. وكمعجب بهذه اللعبة سأراهن على أن يكون هناك فائزان اثنان هذه السنة هما: تركيا واليونان. ولكن مهلاً، لا تتسرعوا في معارضتي، فأنا أعلم أنه لا يمكن أن يكون هناك سوى فائز واحد على الملعب، إلا أن هذا لا يمنع أن يكون هناك أكثر من فائز خارجه. ولاشك أن هذا الحدث يتيح فرصة ثمينة تحتاجها كل من اليونان وتركيا للتقرب من بعضهما بعضاً، ليس فقط من حيث السياسة الرسمية العليا، وإنما أيضاً من حيث المبادرات الأفقية، أي تلك التي تأتي من الجذور. ومن الأمثلة على ذلك راية صممتها مجموعة ملتزمة من هواة كرة السلة اليونانيين يطلق أعضاؤها على أنفسهم اسم "بيلاغروي" أو طيور اللقلق، وهو الطير الذي كان رمزاً لبطولة أوروبا لكرة السلة عام 1987 التي فازت بها اليونان في أثينا. وقد كُتِب على الراية التي تُعرَض على جوانب ملاعب كرة السلة في تركيا، باليونانية والتركية والإنجليزية: "نحن جيران ولسنا أعداء". وقد أعلنت تركيا مؤخراً نيتها إزالة اليونان من المرتبة العليا في وثيقة سياسة الأمن الوطني، في إشارة إلى أنها لم تعد تعتبرها التهديد الأكبر الذي يواجهها. وقد أعلن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو كذلك أن اليونان وتركيا تخوضان الآن حواراً لوضع نهاية للمواجهات الجوية قصيرة المدى المستمرة فوق مناطق في بحر إيجه، والتي تكلف أحياناً حياة طيارين. وإضافة إلى ذلك أعيد فتح دير سوميلا المسيحي الأرثوذكسي للعبادة للمرة الأولى منذ 88 سنة في شهر أغسطس الماضي بعد أن رفعت الحكومة منعاً على عقد القداس الديني في هذا الدير. ويشكّل ذلك مؤشراً آخر على حسن النية من جانب تركيا. ولا يمكن بالطبع فصل هذه التطورات عن نشاطات مجلس التعاون الاستراتيجي حديث التأسيس الذي تم تشكيله هذه السنة لتسريع التعاون الثنائي بين الدولتين. ويتكون المجلس من عشرة أتراك وسبعة يونانيين أعضاء في مجلس الوزراء، وقد عقد جلسته الأولى في أثينا في مايو 2010. وقد وقع الوزراء في تلك الجلسة 22 اتفاقية وبروتوكول تعاون حول قضايا تتعلق بحماية البيئة، مثل حماية التنوع البيئي وتبادل الممارسات الجيدة والخبرات والتعليم، بما في ذلك إجراء تغييرات في الكتب المنهجية التي تولّد العداء، والسياحة وتشجيع رحلات سياحية مشتركة والتعاون في القضايا الثقافية. وعلى الطرف الثاني من بحر إيجه، أصبحت اليونان، وهو أمر قد يدعو إلى الاستغراب، واحداً من المساندين المخلصين بل المتفانين لطلب تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. كما تعمل أثينا على ترسيخ التقارب بين الأمتين العدوتين السابقتين، وهو أمر لم يحصل منذ قاد وزير خارجية تركيا الراحل إسماعيل جم ورئيس الوزراء اليوناني جورجيوس باباندريو عام 1999 "محادثات دبلوماسية الزلزال" بعد أن ضرب زلزالان مدمران اليونان وتركيا في تلك السنة، وهرعت كل من الدولتين لمساعدة الأخرى بإرسال مجموعات إغاثة وإنقاذ طارئة. وقد نتجت عن تلك المحادثات سلسلة من إجراءات بناء الثقة، الأمر الذي خفف من التوترات بين البلدين. وبغض النظر عن مداها، فإن أية جهود للتقارب، تم ترتيبها حتى الآن "من أعلى"، من قبل النخب السياسية للدولتين، وليس من قبل السكان أنفسهم. ففي الوقت الذي تنظر فيه النخب السياسية اليونانية إلى طلب تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي على أنه فرصة لتسوية قضايا تاريخية وخلافات ثنائية، لا يشارك الجمهور اليوناني بالضرورة هذا المنظور. وقد خضعت اليونان للاحتلال العثماني لمدة 400 سنة، وانخرطت كلتا الدولتين في حروب مرات عديدة منذ ذلك الوقت، بما فيها حروب البلقان والحرب العالمية الأولى وحرب قبرص عام ولسوء الحظ أن اليوناني العادي ما زال معاديّاً تجاه تركيا والشعب التركي، وينسحب الأمر نفسه على التركي العادي تجاه اليونانيين. وتعتبر العداءات كذلك منتجات جانبية لعداء تاريخي أذكت ناره دعاية الدول السياسية، كما يُرى في كتب التاريخ المدرسية في كلتا الدولتين. وما لم تتغير هذه العقلية على مستوى الأتراك واليونانيين العاديين أنفسهم، فإنه لا يمكن للتقارب اليوناني التركي أن يكون ناجحاً أو حقيقيّاً. ولهذا السبب نحتاج إلى المزيد من المبادرات الشعبية "من الجذور"، على نسق محبي لعبة كرة السلة اليونانيين من مجموعة "بيلاغروي" (اللقالق)، مع تكثيف المزيد من المبادرات السياسية الرسمية التي تطلقها الحكومتان اليونانية والتركية. كما أن الحاجة ماسة أيضاً لتغيير بعض المناهج في كتب التاريخ المدرسية التي تولد العداء، إضافة إلى تخفيض هائل في الإنفاق العسكري على الجانبين، الذي يعتبر عمليّاً من أكبر الإنفاقات حجماً في حلف "الناتو". كما يتعين علينا جميعاً كيونانيين وأتراك، محللين وباحثين وناشطين وصحفيين، أن نشجّع جميع المبادرات البناءة عند ظهورها. ففي نهاية المطاف، نحن "جميعنا جيران ولسنا أعداء" كما أعلن أولئك الرياضيون، وعلينا أن نتذكر ذلك دائماً. ليونيداس أويكونوماكيس باحث مشارك بجامعة كريت ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©