الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الذيد الحصن الذي كان

الذيد الحصن الذي كان
4 أكتوبر 2017 20:17
ناصر حسين العبودي تتمتع دولة الإمارات بمواقع أثرية وتراثية كثيرة منتشرة في مختلف مناطق الدولة. وإذا نظرنا إلى هذه المباني الآن فسنصدم، لأن الكثير منها غير موجود، أو مهدم والباقي في طريقه إلى الإزالة بفعل الأعمال الإنشائية الحديثة. وإمارة الشارقة تحوي الكثير من هذه المباني موزعة على جانبيها الغربي والشرقي، بالإضافة إلى المنطقة الوسطى. حصن الذيد من المباني المهمة في الإمارة، وهذه محاولة لتسجيل معلم تراثي مازال جزء منه قائماً. وهذه المعلومات استقيتها من الدراسات وبعض المسوحات التي تمت عليه سابقاً والتي قمت بها، شخصياً، أخيراً. واحة الذيد منطقة زراعية تكثر فيها المياه الحلوة، تبعد عن إمارة الشارقة 55 كم شرقاً، وتقع هذه الواحة وسط الرمال، والسبب الرئيسي لتجمع الناس بها في الماضي وحالياً وجود مياه فلج الذيد الذي كان الناس يشربون من مائه ويسقون مزروعاتهم وحيواناتهم. والذيد محطة رئيسية بين كل من مدينة العين في أبوظبي ورأس الخيمة شمالاً، وتتميز بوجود قلعة كبيرة قياساً بظروف المنطقة في السابق، وحظيت بأهمية سياسية كبيرة حيث عقدت بها اجتماعات سياسية بين شيوخ المنطقة وبين مندوبي الدول المجاورة مثل، المندوب السعودي مطلق المطيري، كما شهدت الكثير من المعارك الحربية. تاريخ هذه القلعة قديم، ربما يعود إلى النصف الثاني من القرن الثامن عشر 1750م وربما أقدم من ذلك. ويبدو أن الحصن هذا أنشئ بعد القلعة المدورة التي هي الآن ملاصقة لمخفر الشرطة «الذيد»، حيث تم وصل الجدران بين القلعة لتشكل حصناً مربعاً. ومما يؤكد هذا اختلاف مواد البناء بين القلعة والحصن، كذلك الجدار المضاف إلى القلعة. والحصن: مربع الشكل، كبير جداً طوله 32 متراً وعرضه 26 متراً، ومدخله - حسب صورة قديمة له - من جهة الشمال. كان الحصن موجوداً بكامله إلى بدايات السبعينيات من القرن الماضي (بين 1972 و1973م) إلا أن ما أثر عليه هو متاخمة مركز جديد للشرطة لضلعه الجنوبي، وتهدُّم أجزاء منه أثناء بناء سور مركز شرطة الذيد فيما لم تصب القلاع بأي أذى عدا واحدة. يقع المدخل في الشمال، ويقابل فلج الذيد، وتتوزع حوله مجموعة من مزارع النخيل من جهة الشمال كون مخرج قناة الفلج في هذا الاتجاه. وهناك مدخل آخر من جهة الشرق، ومدخل ثالث من الغرب إلا أنه أغلق بعد فترة. القلعة الأولى الحصن يضم في أركانه أربع قلاع ضخمة: الأولى مدورة، وتقع حالياً في مركز الشرطة. تتكون من ثلاثة أجزاء مبنية من حجر الجبال القريبة نسبيا من الموقع. قاعدة القلعة عريضة وتضعف قليلا كلما ارتفعنا إلى أعلى، وهي بذلك تشبه القلاع الأخرى في مدينة الشارقة، وقمتها ذات شكل زخرفي يشبه السنام إلا أن الملاحظ على هذه القمة أن جدار نصف القمة الجنوبي أعلى بحوالي متر عن النصف الشمالي، وأعتقد أن السبب دفاعي محض لأن معظم المهاجمين والغارات تكون آتية من الجهة الجنوبية حيث الكثبان الرملية. القلعة الثانية تقع شمال الأولى مشكلة ركناً من الحصن. وتقع قرب طوي «بئر» اليافر، وهي مدورة أيضاً إلا أنها ضخمة جداً.. وعند قياسها تبين أنها ليست مدورة بالكامل حيث ظهر أن نصف القطر من الشمال إلى الجنوب (5 و4م) ومن الشرق إلى الغرب (4 و6م)، وهذا البرج بلا باب ويُرقى إلى الطابق العلوي بواسطة درج وربما ينزل إلى الطابق السفلي بواسطة سلم أو حبل، حيث يستعمل الطابق السفلي في هذا النوع من الأبراج كسجن. ويلاحظ من شكل هذا البرج أنها مهمة أيضاً وأن الأجزاء العلوية منها متهدمة ويتبين أن هذه القلعة أقدم من السور الذي شكل القلعة، وأن الحصن عرف بعد هذه القلعة. أما هذا البرج والبرج الثالث والرابع والاضافات والسور فإنه مبني من الطين اللبني المجفف المخلوط بالتبن، وذلك ناشئ من عدم وجود مقالع للحدادة قريبة من الموقع، وتتمتع منطقة الذيد بتربة طينية جيدة. وهذا النوع من البناء يتميز بأن الجدار سميك جداً. ويلاحظ في هذه المنطقة، المسماة المنطقة الوسطى، تشابه مبانيها مع كل من مباني حصن المدام ومباني مدينة العين وفلج المعلا، والتي تتميز بأنها مبان ذات هندسية بنائية صحراوية ومواد بناء محلية صرفة. القلعة الثالثة مربعة الشكل تقع في ركن الحصن الغربي تقريباً مخروطية الشكل، وبها باب من جهة الجنوب بعرض 70 سم. تتكون من طابقين: أرضي وأول مع شرفة فوق الأول، ويلاحظ عليها أنها مخصصة للدفاع لما تتميز به من فتحات مختلفة من الجوانب الأربعة في الأقسام الثلاثة، وفي الشرق منها توجد غرفة من طابق واحد مسقوفة بجذوع شجر النخيل شأنها شأن جميع القلاع الأخرى المكونة للحصن. ويفتح من المربعة باب إلى الغرفة ويلاحظ أن القلعة والغرفة ليست على استقامة واحدة مع السور. واعتقد أن ذلك ناشئ من تقوية المربعة «القلعة» بمسند مكون من جدار على بعض جوانبها الأربعة، مشكلاً إضافة خارجية للقلعة بحوالي متر واحد، وان الغرفة أضيفت بعد المساند وليست متزامنة معها في البناء. وحول هذه القلعة موقع آثار إسلامي قديم، مهم حيث وجدت فيه أنواع مختلفة من الفخار، فخار من النوع المزجج والملون وله بريق، وفخار عادي من «السيلدون»، مما يدل على أن الموقع هذا سكن لمدة طويلة ولفترات متعاقبة من الزمن، ربما من القرن الثاني عشر الميلادي أو السادس والسابع الهجري الى العصر الحديث. القلعة الرابعة هذه القلعة غير موجودة الآن وهي مربعة الشكل واعتقد أن إزالتها تمت في حدود عامي 1973 و 1974م وهي تشبه كلياً القلعة الثالثة. ومن خلال صورة قديمة يلاحظ أن البرج المربع يقع خارج السور من جهة الشمال، ومثل القلعة الثالثة تتكون من قلعة مربعة من ثلاثة أدوار، وهناك غرفة ملحقة بها من جهة الجنوب، وتبدو في الصورة أقصر من الثالثة، وربما مكونة من دورين أو أن القسم الثالث «الشرفة» تهدم حيث يلاحظ سقف في منتصف المربعة. وسبب إزالة هذا البرج هو بناء مخفر الشرطة الذي أخذ مساحة تقترب من نصف الحصن تقريباً سوراً له. السور الحصن في الأصل له سور يوصل القلاع بعضها ببعض ويكون ملتصقاً بالأبراج المدورة والمربعة، أي أن السور كان يبنى لاحقاً لإيصال الأطراف حتى يكون للحصن «الحوش» أو الفناء. وارتفاع السور واحد تقريباً، وهو ليس شديد العلو انما لا يزيد عن مستوى الطابق الأرضي في كل القلاع. عرض السور 55 سم والارتفاع 15و 2 25و 2 متر من الخارج و70و2 من الداخل، ويعتبر هذا العرض كبيراً وذلك يدعونا للاعتقاد بأن الحصن كان يتمتع بموقع استراتيجي مهم. في السور ثلاثة مداخل أحدها أغلق وهو يقع في جهة الغرب وبقي اثنان: الشمالي والشرقي. لم يعثر على البوابة «أو الدروازة» الرئيسية للحصن، ولا توضح لنا صورة 1970 أياً من البوابات الخشبية، ولا حتى الأبواب الصغيرة الداخلية للقلاع والغرف، ويعزى السبب إلى خلع هذه الأبواب واستعمالها، في ذلك الوقت، في مبان أخرى لحاجة السكان إلى ذلك. أما بعض بقايا الاخشاب فإنها تتلف بسبب الامطار والجفاف الشديد في الصيف، وضعف الخشب نفسه الذي يستعمل من جذور اشجار النخيل القريبة من الموقع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©