الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صعود تركيا... من دون أوروبا

10 سبتمبر 2010 23:04
تحاول تركيا، في خضمّ التردد الأوروبي اتجاه انضمامها إلى العضوية الأوروبية، رسم خط سير بديل، من خلال تعزيز الممارسة الديمقراطية العلمانية والازدهار الاقتصادي. إلا أنه يتعين عليها التحرّك خطوة إضافية إلى الأمام ومساءلة الحقيقة البديهية الشائعة بأن مصيرها بدون أوروبا يثير الكثير من التساؤلات ودواعي القلق على مستقبل وحالة لا شيء فيهما مضمون على وجه التحديد. ومنذ نهاية الإمبراطورية العثمانية، تعني المقولة التقليدية القائلة إن أوروبا هي المخلص الأخير لتركيا، ضمنيّاً أن تركيا غير قادرة أو مستعدة على أن تصبح ديمقراطية ليبرالية في غياب شراكة خارجية. وفي الوقت الذي تعاني فيه عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من الجمود، يمر المجتمع التركي بعملية تحوّل نحو الديمقراطية الأوسع والعلمانية، وإعادة التشكيل الاجتماعي الاقتصادي. وتشير الاستطلاعات إلى أن الأتراك يفضّلون رؤية أكثر روحانية للإسلام، ومزيداً من المساءلة العامة للمسؤولين الحكوميين ومؤسسات الدولة، وانخراطاً أعمق في الاقتصاد العالمي. ويريد السكان، وهو أمر لا يختلف عن الديمقراطيات الغربية، أن توفّر السلطات المدنية فرص عمل ونوعية ممتازة من التعليم ونظام رعاية صحية عالمي المستوى. وفي المقابل لا تجتذب المعارك الأيديولوجية القديمة سوى اهتمام محدود للغاية في أفضل الحالات. ويطرح نجاح الهند الاقتصادي تحدّيّاً ملفتاً للنظر وعلى نحو قد يدحض ذلك الاعتقاد الزائف بأن تركيا عندما لا تكون مرتبطة بأوروبا ستؤول إلى الجمود والتخلّف الأبدي. فقبل ثلاثة عقود من الزمان فقط، كان من الشائع اعتبار الهند على أنها حالة اقتصادية فاشلة حُكِم عليها بتحقيق معدلات نمو متواضعة. وقد نُظِر إلى الثقافة الهندوسية بشكل خاطئ على أنها نقيض النمو الاقتصادي وتتعارض بشكل شديد مع التوسع الاقتصادي المتسارع لجنوب شرق آسيا غير الهندوسي. وربما تجد تركيا نفسها، إذا استبدلنا المعطيات الدينية والثقافية هنا بنظيرتها هناك، في موقع مماثل للهند، وفق هذه المقارنة. ومن الناحية الثقافية، فالافتراض غير المعلن، عند خصوم تركيا، هو أنها لا تملك المقومات الضرورية لحل المشكلة الكردية وتبني دستور مدني وديمقراطي جديد وتعميق العلمانية بين سكان غالبيتهم من المسلمين، أو قبول الحرية الاجتماعية كأساس للمجتمع. إلا أن هذه الطريقة في النظر إلى تركيا تشكّل خيانة لإنجازات عملية بناء الأمة هناك بعد 87 سنة فقط من وجود تركيا الحديثة، وهي فترة تشكّل نقطة في محيط التاريخ المديد لتلك البلاد. وعلى عكس منطقة البلقان، نجحت تركيا إلى درجة كبيرة في تحقيق تكامل مجموعة متنوعة من الأصول العرقية بعد تفكّك تقاليد الحكم العثماني السابق. كما تقوم بإنشاء نظام قانوني عامل، وتجهد لتعميق التقاليد الديمقراطية شبه العلمانية وتشكيل طبقة من أصحاب الأعمال المبدعين الذين يخلقون شراكات قوية وحيوية في أسواق أوروبا والشرق الأوسط وروسيا وآسيا الوسطى وأفريقيا وخاصة في مجالات الإنشاءات والزراعة والمنسوجات. ولكن لا يعني ذلك بتاتاً أن تركيا لا تواجه تحديات كبرى قائمة، فهي بالتأكيد تواجه تحديات كهذه. فما زالت مطروحة فيها بقوة، قضية التعامل بشكل مناسب مع تطلعات قطاع كبير من السكان الأكراد فيما يتعلق بالحقوق الثقافية والفقر. ويرى بعض منتقدي تركيا أن سياستها التي يقولون إنها ترتكز على مبدأ "الفائز يأخذ كل شيء" لا تعير أي اهتمام لوجهات نظر الأقليات، بالإضافة إلى مشاعرها الوطنية الحادة وانعدام الثقة لديها بغير المسلمين وانشغالها الدائم والقريب من حدود الاستحواذ بالسيطرة الاجتماعية على مستوى النُخَب الحاكمة، وكلها أمور -يقول هؤلاء- تتعارض مع الأهداف المعلنة الساعية إلى دعم التنوع والتحديث. وبمعنى آخر، فإن المجتمع التركي وأصحاب الأعمال والمشروعات الطموحين فيه خاصة يبحران قدماً بشكل غير اعتيادي بالمقارنة مع الثقافة السياسية من حيث تبني القيم الإصلاحية والاجتماعية الحديثة. ويعمل التمدين والعولمة الاقتصادية والتقدم الديمقراطي على تغيير المنظور المجتمعي والتقاليد الاجتماعية، بصفة عامة. وما زالت تركيا، على رغم ديناميتها التقدمية، التي قد تكون متعطّلة أحياناً، تصنّف كدولة مفعمة بالنزاعات، بين الأتراك والأكراد، والإسلام والعلمانية، أو الشرق والغرب. وشاهد على سبيل المثال الجدل المستفحل حول تخلّي تركيا عن تحالفاتها التقليدية الغربية لصالح توجهاتها التاريخية الشرقية. ويتجاهل هذا الجدل مزاج الرأي العام، الذي تزعم الاستطلاعات أنه يفضّل التعاون الدولي مع أوروبا، وخاصة ألمانيا، بدلاً من بعض الدول العربية أو إيران أو روسيا. ولذا فإن هناك بعض المخاطرة بتوجه شرقي غير متوازن أو حالة استقطاب تركية مسيّسة دينياً في غياب عملية انضمام ذات مصداقية إلى الاتحاد الأوروبي. ومن جانبها ترتكب أوروبا خطأ جسيماً في رفضها العنيد لعضوية تركيا وصد الأبواب بذرائع مختلفة أمامها. ذلك أن تركيا تبرز نبراساً حقيقيّاً من الأمل والإلهام للعديد من الدول، المسلمة وغير المسلمة، حيث تقوم بتشكيل مستقبل يرتكز على قدراتها وإمكاناتها الخاصين. وبالنسبة لتركيا سيؤدي تقليص الاعتماد على الحلم الأوروبي أخيراً إلى تجاوز أسطورة أن أوروبا فقط هي التي تستطيع دفع عملية تحويل تركيا إلى الليبرالية، ومثلها دول الشرق الأوسط العربية. فادي حاكورة كاتب متخصص في الشؤون التركية ينشر بترتيب مع خدمة »كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©