الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حصّة لوتاه: الحنين للأهل والوطن كان رفيقي في الغربة

حصّة لوتاه: الحنين للأهل والوطن كان رفيقي في الغربة
30 يونيو 2014 01:03
لم يكن من السهل في سبعينيات القرن الفائت أن تسافر إماراتية شابة إلى الولايات المتحدة الأميركية برفقة طفلها الذي لم يتجاوز عمره 3 سنوات، لمتابعة تحصيلها الجامعي مع كل مصاعب الاغتراب، لكن الطموح دفع بالدكتورة حصة لوتاه لأن تمضي في قرارها باتجاه التميز، مستفيدة من كل قراءاتها في تلك المرحلة، لتثبت للمجتمع أن المرأة كائن منتج وفاعل، وبالتوازي مع موضوع رسالتها حول النص الإعلامي الذي وضعت فيه كل ألوان التفاؤل، هي اليوم غير راضية عن الأداء السلبي للإعلام في خدمة الترفيه المطبق. نسرين درزي (أبوظبي) بدايات الرغبة بالسفر من أجل الدراسة جاءت في مخيلة الدكتورة حصة لوتاه عام 1977 عندما كانت في زيارة إلى بريطانيا مع العائلة. وهنا كان القرار بالبقاء في لندن لتعلم الإنجليزية ومن بعدها التسجيل في جامعة ويلز. غير أنها سرعان ما غيرت مسارها بالتوجه هذه المرة إلى جامعات أميركا، والسبب أنها لم ترتح للنظام التعليمي البريطاني فعادت إلى الإمارات وقدمت طلباً بالحصول على بعثة دراسية. وتقول: إن أجمل لحظات حياتها عندما وصلها خبر الموافقة على البعثة، وكأنها بذلك نالت جائزة عن سنوات إصرارها على إنهاء الصفوف المدمجة لتعليم الكبار. وهذا بحد ذاته إنجاز كبير لها بعدما كانت عائلتها تعارض إكمالها التعليم بعد الصف الابتدائي الرابع. مفاتيح الانفتاح قبل الخوض في عالم الاغتراب ومكاسبه ومعوقاته في ظل ظروفها كأم ترعى طفلا بمفردها وهي على مقاعد جامعات أميركا، تتحدث الدكتورة حصة لوتاه الأستاذة المحاضرة عن مفاتيح الانفتاح الثقافي لديها. وتعتبر أن مطالعاتها النهمة في سنوات المراهقة ساهمت في لعب دور أساسي بصقل أفكارها. إذ كانت تقرأ للكثير من الأدباء العرب وعلى رأسهم ليلى بعلبكي وغادة السمان. حتى أنها كانت تنهي يوميا قراءة كتاب كامل، ومن بينها الملاحق العلمية المترجمة لكبار الكتاب الروسيين. وهذا كله منحها جوانب معرفية واسعة وساعدها على بلورة الكثير من مهارات الاطلاع، وتفضيل دراسة السينما وصناعة الفيلم عن علم الاجتماع الذي كان خيارها الأول. والبداية كانت من واشنطن العاصمة ثم كاليفورنيا، حيث التقت بأبناء جيلها ممن كانوا يكملون دراساتهم في أميركا، وتذكر منهم الدكتورة فاطمة الشامسي، مدير إداري ومالي في جامعة السوربون- أبوظبي، وزير التربية السابق الدكتور علي الشرهان، عضو المجلس الوطني الدكتورة منى البحر، الفنانة التشكيلية فاطمة لوتاه والدكتورة عائشة بالخير الباحثة في التاريخ والتراث. ومع انشغال الجميع في شؤون دراستهم ونظام الحياة السريع بما لا يتيح فرصة لأي من أوقات الفراغ، لم تكن المجموعة تلتقي إلا قليلاً. وما بين مواعيد الصفوف والتحضير للامتحانات والمتطلبات المعيشية اليومية، تمر الأشهر وتزداد المشاغل. وعن نفسها تقول: إنها بين أمومتها والجامعة والبيت والدراسة، كانت تعيش على نظام مواقيت لا تزيح عنه قيد أنملة. وعن أصعب الأوقات من سنوات الدراسة في الاغتراب، تذكر الدكتورة حصة لوتاه ذلك الحنين المتواصل إلى أجواء العائلة وضحكاتهم وأحاديثهم وقت الإفطار. وتقول: إن هذه الفكرة كانت بقدر ما تعزيها في غربتها، تؤجج بداخلها مشاعر الاشتياق الذي لا يشبعه أي لقاء على مائدة مع سواهم. وكان هذا يحدث بالنادر عندما يتفق الطلبة المبعوثون من البلاد العربية، ومن الإمارات تحديدا على التزاور أو تناول طعام الإفطار سويا. والذي كان يمنع ذلك قساوة الدراسة في أميركا، حيث لم يكن من السهل التعايش مع مجتمع غريب فيه الكثير من المشاكل والحوادث، ولاسيما بالنسبة للنساء. والمحصلة النهائية أن يعود كل طالب إلى موقع سكنه يحضر ما يمكن أن يشكل طبقه الرمضاني، ويخلد إلى النوم من دون حتى أن يذكر نكهات السحور. وتروي الدكتورة حصة لوتاه ذكرياتها عن رمضان - السفر بمرارة سرعان ما يحليها الحديث عن مواسم الصيام اللاحقة والتي أمضتها كلها وسط أفراد الأسرة الكبيرة. في التزاور والألفة وتقاسم الأطباق وتبادل الأحاديث والوجبات، وأكثر من ذلك الذهاب مساء كل يوم إلى بيت أمها والتمتع برضاها. وتسرد أجواء القلق التي كانت ترافقها في الخارج مع مسؤوليات الحياة التي لم تكن تتقاسمها مع أحد. فهي كانت أرملة عندما سافرت لتكمل دراستها في أميركا، ولم ترض إلا باصطحاب ابنها معها وتسجيله في إحدى المدارس القريبة من جامعتها. ويومها المشحون بالالتزامات كان يبدأ منذ السادسة صباحا، توصل ابنها إلى المدرسة وتتجه مسرعة إلى الجامعة كي لا تتأخر عن موعد المحاضرة الأولى. وما أن تنهي جدول صفوفها حتى تعاود الإسراع باتجاه المدرسة، ومنها إلى البيت. وهناك يبدأ دور الأمومة بحذافيرها إلى حين يحل المساء وتتفرغ لأعمال البيت والمذاكرة في آن. وكثيرا ما كانت تضطر لحضور بعض المساقات الليلية برفقة ابنها، والتي كانت عبارة عن مشاهدة أفلام من تاريخ السينما بما لا يتعارض مع سنه. مكانة فكرية وتمهيداً للوصول إلى عام 1991 عندما سافرت إلى ولاية أوهايو الأميركية لبدء مشوار الماجيستير تمهيداً إلى الدكتوراه، تتوقف الدكتورة حصة لوتاه بالحديث عند محطة مهمة في حياتها. وهي عملها في تليفزيون دبي كمخرجة وهو ما لم يكن مألوفاً للمرأة. وفي تلك المرحلة رفضت تصنيفها على أنها سيدة وأن اهتماماتها يجب أن تصب في إطار برامج المرأة. وقد أثبتت أنها قادرة على العمل في شتى المجالات بما فيها البرامج الاجتماعية والثقافية وحتى الفنية. تقول: كانت تجربة مهمة ألهمتني اختيار موضوع الماجيستير الذي كان حول الإعلام والتنمية. وحازت الشهادة وقتها من كلية الدراسات الدولية بالتعاون مع كلية الإعلام في تنسيق مشترك للراغبين في العمل ضمن منظمات دولية تعمل على صياغة رسائل واستراتيجيات متخصصة. وتذكر الدكتورة لوتاه أنها أحبت هذه الفترة من حياتها لأنها وضعتها في مكانة فكرية لطالما كانت تطمح إليها، ولاسيما مع تقديمها على التحضير لرسالة الدكتوراه. وكانت حول صورة المذيعة في تلفزيون دبي والتي أعدت عنها دراسة تفصيلية تتعلق بعلم الدلالة وكيفية قراءة الصورة وتحليل رموزها. وهنا تشير إلى إصرارها على التطرق في بحثها إلى جدلية الصورة في الإسلام والمجتمعات العربية عموماً ونظرية التأويل ومقارنتها بالمسمى نفسه في المجتمعات الغربية. وتقول: إنها في بداية الأمر شعرت بورطة لأنها اكتشفت أثناء إجراء الدراسة أن صورة المذيعات في تلفزيون دبي كانت متشابهة، إذ إنهن لا يتمايزن. غير أنها تخطت هذه المعضلة وأكملت بحثها بمساعدة أحد الأساتذة المشاركين في لجنة الدكتوراه، وهو البروفسور ألجس ميكونس المعروف على المستوى الأكاديمي. حضور كبير للإماراتيات في الإعلام.. ولكن! وفي مقاربتها لصورة المذيعة اليوم في الإعلام عموما، فإن الدكتورة حصة لوتاه غير راضية عن الأمر لا بالشكل ولا بالمضمون، وترى أنه بالرغم من الحضور الكبير للإماراتيات في الإعلام، فإن الصورة المقدمة ليست بالمستوى المطلوب ولا تتلاءم مع ما ترتقي إليه البلاد من إنجازات، إذ إن الإعلام بمفهومها، الذي يشمل المثقفين والمفكرين والمتابعين، يفترض أن يكون القاطرة الأولى التي تسبب المتغيرات الإيجابية. وهو لابد أن يكون في الصدارة كما تقول، وألا يكون التركيز فيه على الترفيه وإنتاجات لا تتلاءم مع طموحات الدولة، والإعلام إذا لم يسهم في إنتاج مجتمع المعرفة، يبقى هامشياً ويقدم خدماته بشكل سلبي، وهي تنتقد بشدة تصنيف المرأة في الإعلام على أنها حالة خاصة، إذ يجب تقويمها على أساس ما تقدمه من معلومة وإضافة. وألا تكون مؤهلاتها شكلية وحسب بالتركيز على صغر سنها وبياض بشرتها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©