الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا والهند... تقييم خطوات التقارب

13 يونيو 2012
يشبه الأمر في منطقة المحيط الهادي بآسيا بحفلة تريد فيها الولايات المتحدة لقاء الهند، ففي الوقت الذي تنأى فيه السياسة الخارجية الأميركية عن الشرق الأوسط وأوروبا وتقترب من آسيا، يحاول المسؤولون الأميركيون القيام بكل ما يستطيعون للتودد إلى البلد الذي وصفه مرة الكاتب الأميركي، مارك توين، بأنه "مهد الجنس البشري". وهكذا اشتمل الجهد الأميركي الذي يقوده الحزبان معاً على إشارات قوية تعادل مثلاً إرسال ورود إلى الطرف المراد مجاملته، عندما طرحت إدارة بوش السابقة التعاون النووي مع الهند، بل تقدمت واشنطن خطوة إلى الأمام بإرسال علبة من الشكولاتة علَّ ذلك يقنع الهند ويلين مواقفها عندما وقعت الولايات المتحدة صفقة لبيع الأسلحة امتدت طيلة العقد الأخير بقيمة ثمانية مليارات دولار، بل وصل التودد الأميركي للهند إلى ما يشبه توجيه رسائل غرامية عندما وُصفت الهند في التقرير الأخير للبنتاجون بأنها "شريك استراتيجي" للولايات المتحدة، علماً بأنها الدولة الوحيدة التي أشير إليها بهذا التوصيف في تقييم وزارة الدفاع الأميركية. وقد امتدت محاولات التقرب من الهند وإقناعها بالاصطفاف مع الولايات المتحدة إلى درجة أن المسؤولين الأميركيين لجأوا إلى الاستشهاد بالرؤساء السابقين عندما نفدت عبارات الثناء والإطراء، حيث استشهد وزير الدفاع، ليون بانيتا، خلال زيارته الأخيرة إلى نيودلهي بما سبق أن قاله الرئيس الأميركي السابق، بيل كلينتون، من أن "الهند وأميركا حليفان طبيعيان، فهما ولدا من رحم الحرية، وكلاهما يجدان أسباب القوة في تنوعهما، ويريان في بعضهما البعض مصدر إلهام لعالم أكثر إنسانية وأكثر إنصافاً". والحقيقة أن الغواية التي تمارسها الهند على الولايات المتحدة ليست سهلة، فالهند هي أكبر ديمقراطية في العالم، كما أنها قوة اقتصادية صاعدة، وقد تمثل توازناً محتملاً للنفوذ الصيني المتنامي في آسيا. ولا يضير أميركا في شيء التودد إلى الهند عدا أن هذه الأخيرة لا تبدي أية استجابة للتوسلات الأميركية، لذا وقبل أن تجلس وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، مع وزير الشؤون الخارجية الهندي، "إس. إم كريشنا" اليوم (الأربعاء) بواشنطن في إطار الاجتماع الثالث ضمن الحوار الاستراتيجي بين أميركا والهند، يحسن بالمسؤولين الأميركيين النظر في محاولات الانفتاح السابقة وتقييمها. ففي تحمسنا الزائد لتحسين العلاقات مع الهند، ألحقنا ضرراً بالغاً بجهودنا في مكافحة الانتشار النووي، ذلك أن منح الهند امتيازات خاصة في مجال التكنولوجيا النووية دون انضمام نيودلهي إلى معاهدة عدم الانتشار النووي أعطى الانطباع بوجود معايير مزدوجة لدى الولايات المتحدة، وهذا شجع بلداناً أخرى تسعى لتطوير برامجها النووية على المضي قدماً، ففي شهر أبريل الماضي مثلاً عندما كانت الولايات المتحدة تحذر كوريا الشمالية من إطلاق صواريخ طويلة المدى، وكانت تنتقد إيران لعدم شفافية برنامجها النووي، قامت الهند من جانبها بإطلاق صاروخ نووي، وفيما كانت الهند تطور إمكاناتها النووية ازداد توجس باكستان التي سارعت بعد ستة أيام فقط من إطلاق الهند صاروخها إلى تجريب صاروخها الخاص القادر على حمل رؤوس نووية. ولا ننسى أيضاً أن الهند عادة ما كانت تتخلى عن الولايات المتحدة في المحافل الدولية، ففي 2011 عندما أعلن أوباما عن دعمه انضمام الهند إلى مجلس الأمن الدولي كعضو دائم لم تصوت الهند لصالح الولايات المتحدة في الجمعية العامة سوى 33 في المئة من مجموع الأصوات التي أدلت بها، وحتى في مقعدها المؤقت بمجلس الأمن الدولي عادة ما كانت الهند تصطف إلى جانب روسيا والصين في معارضة الجهود الدولية لحماية حقوق الإنسان معتبرة أنها محاولات للتدخل في الشؤون الداخلية للدول. ورغم التحسن الملحوظ الذي شهدته العلاقات بين البلدين على أكثر من صعيد مثل توسيع المناورات العسكرية المشتركة، فإنه إجمالاً تظل العلاقات دون مستوى الخطاب الذي يروجه المسؤولون الأميركيون. وبدلًا من مواصلة حملة التودد المتحمسة والتقارب القسري يتعين على المسؤولين الأميركيين الضغط على الهند لصياغة رؤية واضحة حول الشراكة مع أميركا ودورها بصفة عامة على الساحة الدولية، لا سيما وأن نيودلهي سبق أن أعلنت عن نيتها التحول إلى قوة عالمية رائدة دون أن تبدي استعدادها لتحمل مسؤولياتها في هذا المجال. ومن شأن حصول المسؤولين الأميركيين على رؤية هندية واضحة أن يعيدوا تقييم توقعاتهم بشأن واقع العلاقة بين البلدين ومستقبلها، بحيث لا تسقط أميركا في خطأ إعادة ضبط العلاقات مع روسيا الذي تبين أنه كان غير واقعي ما أدى لاحقاً إلى توتير العلاقات مع روسيا. وإذا كانت الهند لا تشبه روسيا فهي أيضاً ليست حليفة تقليدية مثل بريطانيا، ولا هي مثل أستراليا، أو اليابان، أو كوريا الجنوبية في آسيا. ولو استدعت الضرورة يتعين أيضاً على المسؤولين الأميركيين التفكير في ممارسة بعض الضغوط على الهند، لا سيما وأن الولايات المتحدة تملك بعض الأوراق المهمة التي قد تؤثر على نيودلهي مثل التعاون في مجال التكنولوجيا الفضائية، بحيث تستطيع أميركا رهن تعاونها في التكنولوجيا الفضائية بدعم الهند لأولويات السياسة الخارجية الأميركية مثل تشديد العقوبات على إيران وتمويل القوات الأفغانية وتدريبها. ومع ذلك، وفي حال التعامل الصحيح مع الهند ما زال يمكنها أن تصبح حليفاً أساسياً لأميركا، لكن ما يجب أن نعرفه أن نسج شراكة قوية يتطلب أولاً الاعتراف بأن قصة الحب الأميركية تجاه الهند غير متبادلة. جونثان هيلمان باحث بـ«مجلس العلاقات الخارجية» الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©