السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الوفاق مع النفاق!

الوفاق مع النفاق!
28 يونيو 2014 23:08
محمد أبو كريشة كاتب صحفي في كهف الفيلسوف الإغريقي أفلاطون جلس سكان هذا الكهف وظهورهم إلى الباب أو المدخل ووجوههم إلى الجدار -وكان شعاع الضوء المنعكس على الجدار يظهر حركة الكائنات خارج الكهف فتبدو الصور والأشباح ماثلة أمام أعين سكان الكهف- ومع مرور السنين نسي سكان الكهف أن الحركة الحقيقية في الخارج، وأن الصور المنعكسة على الجدار مجرد أشباح لا علاقة لها بالواقع... وتعامل سكان الكهف مع الأشباح والخيالات على أنها حقائق وراحوا يحللون المواقف والسلوكيات على أساس وهمي خيالي. هذه بالضبط فكرة مسرح العرائس، الناس يجلسون في مقاعدهم يتابعون حركات وكلام الدمى ونسوا تماماً أن هُناك أصابع تحرِّك هذه الدمى وألسنة تتحدث باسمها من خلف الستار، والعالم كله الآن كهف أفلاطون ومسرح عرائس عملاق... ونحن الجالسين في مقاعد المتفرجين مصابون بارتداد طفولي يجعلنا نتعامل مع الأوهام على أنها حقائق، ومع الأشباح على أنها لحم ودم. دائماً يخيَّل إلينا من سحرهم أن حبالهم وعصيهم تسعى.. دائماً نصنع من أوهامنا عجلاً جسداً له خوار نظل عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى.. وموسى هذه المرَّة لن يرجع إلينا.. وليس بمقدورنا أن نتبين الرشد من الغي، ولا أن نتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.. الحقيقة دائماً هي الضحية.. وهي الغائب الأكبر -ثلاث وسبعون فرقة كلها هالكة إلا واحدة- ولا نعرف بالضبط من هي الفرقة الوحيدة الناجية -لكني حاولت أن أجتهد لأعرفها.. وأزعم أنني عرفتها.. الفرقة الوحيدة الناجية هي التي ليست فرقة، وليست حزباً، وليست منظمة، وليست جماعة، وليست تنظيماً، وليست مذهباً.. الفرقة الناجية إن شاء الله هي أنا وأنت وهو وهي الذين لا يحاربون مع فرق أو ضدها، لكنهم وقود هذه الحروب وضحاياها ولاجئوها ونازحوها. كل من ينضوون تحت لواء تنظيم، أو جماعة، أو منظمة هالكون.. كل من يرفعون رايات ولافتات يستظلون بها هالكون -لا نستثني أحداً- كل الذين يقولون: إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً منافقون -كلهم أحفاد ذي الخويصرة التميمي الذي تجرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسِّم الغنائم، وقال له: اعدلْ يا محمد فإنك لم تعدل - تلك قسمة ما أريدَ بها وجه الله - ويومها رد الرسول صلى الله عليه وسلم: ويحك أو ويلك.. ومن يعدل إذا لم أعدل -ثم قال: يخرج من إضاض أو من أضض (أي من ظهر ونسل) هذا الرجل أناس يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. ذو الخويصرة التميمي في نظر الكثيرين منّا الآن رجل جريء -يمارس حقه في التعبير عن رأيه- تماماً مثل رأي الكثيرين في إبليس عندما رفض السجود لآدم.. فهو يمارس حقه الديمقراطي... وهكذا خلط المنافقون أحفاد ذي الخويصرة بين الصراحة والوقاحة.. وبين (الهبالة والشيطنة).. زمان كنّا نردد الآية الكريمة وما زلنا نرددها: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا...) .. ولكننا نواجه إشكالية كبيرة وهي أن الطائفتين ليستا من المؤمنين وأن الطائفة التي تصلح بينهما أو تقاتل التي تبغي ليست مؤمنة.. ليس بيننا الآن مؤمنون!. والمعارك والمفاوضات والخلافات والاتفاقات بين منافقين.. الطرفان منافقان والوسيط منافق.. وهناك معايير يقاس بها المؤمن ويحكم من خلالها على إيمانه.. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه... وقال صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما... ولا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع.. قس ذلك على نفسك وأقيسه على نفسي.. وأنا بهذه المعايير لا أرى نفسي مؤمناً كامل الإيمان.. ولا أدري عنك شيئاً.. نحن لا يحركنا الحب.. ولكن الكراهية هي وقود حركتنا في الحياة.. فأنا لا يسعدني نجاحي بقدر ما يسعدني فشلك.. وأنا لا أفرح بفوز فريقي قدر فرحتي بهزيمة الفريق المنافس.. وأنا لا أعارض حباً في الإصلاح، ولكني أعارض لأني أكرهك.. وأنا لا أثور حبّاً في الوطن، ولكني أثور كراهية للسلطة أو النظام أو حتى للوطن.. وأنا لا أتحرَّك في الحياة لأحصل على حقي.. ولكني أتحرَّك لأسرق حقك. والنفاق كراهية -والمنافق ليس الذي يطريك بما ليس فيك- فذلك أقل النفاق ضرراً، ولكن المنافق إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر.. وهذا ما نفعله الآن.. وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جباناً؟ قال: نعم.. أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: نعم.. أيكون المؤمن كذاباً؟ قال: لا.. ونحن نكذب كما نتنفس فأين نحن من الإيمان؟.. لا تكاد ترى حقيقة واحدة بيننا.. وفجور الخصومة الذي نراه الآن هو قاع النفاق -وقد قيل إن التفريط معصية.. لكن الإفراط والغلو والتطرف نفاق.. وإذا كنّا نحن عصاة بالتفريط، فإن كل الجماعات والتنظيمات المتطرفة منافقة.. والكافر والعاصي أخف ضرراً على الأمة من المنافق -لأن الكافر واضح ويمكنني أن أتجنبه أما المنافق، فإنه يرفع راية الدين وهو يريد الباطل -وآفة هذه الأمة المنافقون وهم الأخسرون أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. وكل أقوام الأنبياء كانوا صنفين.. صنف المؤمنين وصنف الكفار.. لكن الإسلام ابتُلِيَ بصنف ثالث هو الأخطر ألا وهو صنف المنافقين.. لم يكن بين أقوام الأنبياء منافقون -المنافقون آفة ابتلينا بها نحن فقط.. وقد تكفل الله عز وجل وحده بفضح المنافقين من خلال آيات القرآن الكريم -أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بقتال الكفار، لكنه لم يأمره بقتال المنافقين -بل تولى الله عز وجل أمر فضحهم وكشفهم وبيان علاماتهم.. فإن يقولوا نسمع جميعاً لقولهم.. وتعجبنا أجسامهم.. ونعرفهم في لحن القول.. ولحن القول هو طلاوته أو إمالته عن مقصده.. وهم الذين خرجوا فينا فزادونا خبالاً وبلبلة وتشويشاً -وفينا ومنا كثيرون سماعون لهم- المنافقون هم الذين يشقون الصف ويقرأون الكف وأهلكونا بالدوران واللف -وأوضعوا خلالنا- هم الذين فجروا مواسير الفتوى بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.. وعندما شاع النفاق انتشر الشقاق وسادت العزَّة بالإثم.. والمنافقون أكثر الناس عزة بالإثم إذا قلت لهم: اتقوا الله -والتحاور مع المنافق عبث ورفث وفسوق وعصيان- فالمنافقون في زماننا أقوى حجة وأعلى صوتاً وأكثر نفيراً.. والمنافق ليس هو الموافق.. بل إن المنافق المعارض هو الأخطر وهو الذي خرج من نسل ذي الخويصرة التميمي.. كل الذين يتقاتلون في هذه الأمة الآن منافقون -كلهم فرق هالكة- لا توجد فئة مؤمنة وأخرى كافرة.. كل الفئات منافقة.. وذلك هو مربط الفرس وبيت القصيد في استمرار أنهار الدم والقتل المجاني.. وعندما يرفع مدعو التدين المذهبية والطائفية والفئوية شعاراً فاعلم أنهم جميعاً منافقون وليس للدين نصيب في حروبهم وقتالهم -وعندما يشيع النفاق فإنك لا تجد بصيص نور في نهاية النفق.. وترانا جميعاً ندور في حلقة مفرغة ولا نجد من سبيل إلا الوفاق والاتفاق على النفاق.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©