السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ما الناس إلا كما الخيال

ما الناس إلا كما الخيال
8 سبتمبر 2010 21:45
اختمرت ثقافة الأندلسيين في بوتقة الفكر الإنساني في منابعه الأولى وامتداداته الإنسانية اللاحقة. وفي هذا الموشح العجيب يوظف الششتري أعرق صور الفلسفة الإغريقية عن طبيعة الخلق وكنه الحياة، كما نجدها عند أفلاطون في أمثولة الكهف، مسبغا عليها روحا إسلامية صوفية رائقة، وظرفا تمثيليا لا يتأتى سوى لأولاد الطريق، فيقول: عد عن الوهم والخيال واستعمل الفكر والنظر ما الناس إلا كما الخيال فانظر إلى ماسك الصور من يعتبر يجد اعتباره ويشهد الحق في الشهود مثل هديت الوجود ستارة وانظر عن أطلع الوجود يدا له قبل أن أدراه وأول السعد في الصعود من يرقى من سافل لعالي يعاين العين في الأثر ما الناس إلا كما الخيال فانظر إلى ماسك الصور فنظرية الكهف عند أفلاطون، كانت ترمي إلى إثبات الحقائق العليا التي تتراءى أشباحها في الدنيا، مثل الظلال التي تنشأ على جدران كهف سلطت عليه أضواء الشموع من الخارج، أما القطب الصوفي المسلم في القرن السابع الهجري فهو يؤول هذه الصور ويجعلها دعوة لإعمال الفكر والنظر، على اعتبار أن الناس والمخلوقات ليست إلا مجرد أخيلة وظيفتها الأساسية هي لفت النظر إلى “ماسك الصور” وهو الخالق جل وعلا. ثم يمضى فى هذا الشعر الفكرى الطريف ليحثنا على أن نعتبر بما نراه، واعتبار الوجود كله مثل الستارة، وهي التى كانت تحجب المغنية عن رؤية الحضور فلا يسمعون إلا صوتها، وأحسب أن هذه الصورة التمثيلية كانت إيذانا بنشأة فن خيال الظل في المشرق العربي. ومع أن المتكلمين وعلماء التوحيد، ومن قبلهم الحكماء، قد ألحوا في براهينهم على وجود الخالق على فكرة النظر إلى آثاره في المخلوقات فإن الصوفية كما نرى يتجاوزون ذلك إلى مبدأ آخر هو التماهي بين العين والأثر. والشاعر يتتبع نموذجه وهو يرقى من الطفولة إلى الكهولة فيقول: أول ما يبصر الضعيف كالطفل شكلا ممثلا كثايفا أصلها كثيف لكنها تقبل الجلا لذاتها فعلها يضيف والقول مهما تأملا إذا التماثيل للمثال يظهرن في عالم البصر ما الناس كما الخيال فانظر إلى ماسك الصور حتى إذا أشرق النهار واكتهل الطفل واهتدى رأى الذوات التي تدار تبدو مواتا وجلمدا بها لمن صاغها واستنار خفي بها إذ بها بدا شرابها لاح كالزلال قد فاته الرس وانحصر ما الناس إلا كما الخيال فانظر إلى ماسك الصور وقد أسفر تكرار الأزمة “ما الناس إلا كما الخيال” عن اختمار فكرة أصلية في المجتمع الأندلسي لم تلبث أن وجدت تعبيرا مسرحيا لها في العصر الذهبي للأدب الإسباني، في رائعة كالديرون دي لاباركا التي ترجمتها فى السبعينيات إلى العربية “الحياة حلم” وأشرت إلى أنها تشربت روح الثقافة الإسلامية قبل أن أطالع هذا النص الصوفي الجميل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©