الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حتى خارج الملعب

27 يونيو 2014 21:55
(1) الكرة الأرضية تحوَّلت إلى كرة قدم هذه الأيام، معظم أحاديثنا وسهراتنا تدور حول هذه الكرة المستديرة. أجلس أحياناً مع صديقي الذي كان ينشط قبل ربع قرن في نادي الجزيرة الأردني، ويحدثني بالكثير من الطرائف الرياضية الممتعة، وأكتبها هنا، على سبيل تحويل تراثنا الشفوي إلى نص .. مجرد نص ... من حكاياته اخترت لكم اليوم: كان أحد لاعبي الخصم المهاجمين في لعبة كرة القدم خطيراً جداً، لذلك فقد قرر المدرب وكابتن الفريق المنافس تعيين لاعب الدفاع الشرس والخشن (خلف) لاعبا مرافقا ولصيقا له طوال المباراة، حتى يعرقل جهوده في التهديف والتسجيل في ملعب فريق (خلف)، وقالوا له إن لا يترك لاعب الهجوم، مهما حصل. فرح خلف بالمهمة، فهي تريحه من مغبة التفكير والتخطيط وتوزيع الجهود. بدأت المباراة، وظل خلف لصيقاً للاعب هجوم الخصم وعرقل جميع جهوده في التهديف. ظل خلف يطاوشه ويحارشه ويقارشه، حتى تمكن من اصطياده وضربه على ربلة قدمه... فسقط لاعب الهجوم أرضاً. جاء الإسعاف الرياضي، وحاول إنعاش لاعب الهجوم داخل لملعب فلم يستطع، فتم توقيف اللعبة لدقائق ونقل لاعب الهجوم على نقالة إلى خارج الملعب، فتبعه خلف. تم استئناف اللعب بعد قليل، لكن خلف بقي لصيقا بلاعب الهجوم المصاب.. ورفض العودة إلى الملعب، ناداه الكابتن، دعاه الحكم، ترجاه المدرب، لكنه رفض وقال لهم: - «انتوا قلتوا لي أظل معه دايماً .. ومش تاركه لو ايش ما صار ايصير»!!. المهم: نقلوا لاعب الهجوم إلى المستشفى، وبقي خلف مرافقا لصيقا له في المستشفى. انتهت اللعبة ولم يعد خلف، وظل لصيقا للاعب الهجوم. وليس للحديث بقية.. وظفوا هذه القصة كما تشاؤون، لكنها في الواقع حادثة حقيقية تماماً. (2) أكثر ما يغيظني من الأصدقاء الذين يعلقون على مقالاتي أو مقالات غيري، هو ذلك البيت الشعري، الذي يكتفي أكثرهم بذكر نصفه- على اعتبار أنه بيت شعر معروف- ويقول: لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي مع احترامي للأعزاء، إلا أن هذا التعليق هو أسوأ مديح أتلقاه بشكل دائم، إذ رغم طريقته المتواطئة مع الكاتب، والذي يشي بأنني أقول كلاماً سليماً وجميلاً ومهماً، لكن الناس موتى ولا يستحقون أن يكتب لهم ذلك، فانت تنادي على أموات.... هذا تقول العبارة، وليس أنا طبعاً. بالرغم من الدور المتواضع للكتابة، إلا أننا لا نكتب لموتى، بل نكتب لأحياء يعانون ويقاسون من اللصوص والفاسدين وسادة السحر الأسود والأحمر، وهم يبحثون عن وسيلة للخروج من دوائر التعب والقهر التي يعانون منها، وينتظرون من الكاتب أن يشخص لهم الحالة، لعلهم يجدون الحل. لا أحد يكتب لموتى، بل عن الموتى، ولو أن المصلحين والكتاب صدقوا هذه الهذرمة اللغوية وانكفأوا على أنفسهم لما تقدمات البشرية، ولما بقي من سلالتهم ومن سلالة أصحاب (لا حياة لمن تنادي) سوى الفراغ. دور الكاتب أن يكتب، ودوره أيضاً أن يكتب شيئاً يصل إلى الناس ويمس حياتهم العملية وتطلعاتهم، ويمنحهم إضافة إلى ذلك قيمة معرفية وأخرى فنية، تجعل من الكتابة الناجحة قبلة حياة ودافعا للقتال من أجل غد افضل. يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©