الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وسائل الإعلام تساهم في تشكيل الذائقة الإنسانية وجريان لغة الضاد على الألسنة

وسائل الإعلام تساهم في تشكيل الذائقة الإنسانية وجريان لغة الضاد على الألسنة
11 يونيو 2013 20:31
منذ أن عرف الإنسان العربي عصر الصورة، واكتشف حلاوة الإعلام المسموع، وتوحد مع الكلمة المقروءة في الصحف، وهو يستشف جماليات اللغة العربية عبر هذه المواقع الثلاثة التي حفظت لغتنا من الضياع، خاصة على ألسنة الناس، فالإعلام بوسائله المتعددة، ومصادره المتنوعة، لعب دوراً رئيسياً في الحفاظ عليها، وأثر في الناس تأثيراً مبهراً، وشكل وجدانهم عبر خطابه الذي استرق السمع، وطرح أسئلته للمستقبل الموعود. “الاتحاد” في حلقتها الثالثة عن اللغة العربية تستحضر هذا الإعلام ليكون شاهداً على حركة اللغة ومعاصرتها وجريانها على ألسنة الناس، في ظل مبادرات اللغة العربية بدولة الإمارات العربية المتحدة، التي تستشرف الغد الموعود بآمال وطموحات تسع المدى. أشرف جمعة (أبوظبي) - ربما أسئلة كثيرة تحيط بإعلامنا المرئي والمسموع والمقروء وتضعه في بؤرة، تتصدرها سيناريوهات متعددة للاحتفاظ بحيوية اللغة العربية وتدفقها، وضخها في دماء الأجيال المتتابعة التي تستيقظ في الصباح الباكر على أصداء نشرات الأخبار، وتنصت للبرامج الإذاعية اللاهبة التي تستحضر لغتنا بشفافية مطلقة، فضلاً عن الصحف التي تتناثر هنا وهناك، والتي تتناغم عناوينها وموضوعاتها مع سلاسة اللغة العربية وطلاوتها وطراوتها في آن، لينهل الإنسان العربي من معينها الذي لا ينفد، فهي لغة محفوظة من السماء بالآيات القرآنية التي تزداد بريقاً ولمعاناً مع مرور الأيام وتعاقب السنين. الكلمة الفصيحة عبر سنوات عمره التي قضاها في محراب الكلمة يزود عنها، ويطلقها في صراحة ووضوح، يقول رئيس جمعية الصحفيين بالإمارات الإعلامي محمد يوسف: التزم الإعلام المقروء منذ البداية هذه اللغة المعبرة وشكلها بطريقة معاصرة تتواءم مع الظروف والمتغيرات، فلم يحمِّلها ما لا تطيق، ولم يستخدم مفرداتها الضخمة الفخمة عبر الصحف التي تلتحم بالإنسان العربي منذ فجر المطابع التي سهلت حركة النشر، وجعلت الكلمة المكتوبة سهلة مقروءة، وفي متناول الجميع، إلى أن وصلنا إلى العصر الرقمي الذي نقلها بطبيعة الحال عبر العالم في أسرع من البرق، وكان خطابها الشائق عبر موجات الأثير في الإذاعات مضمخاً بعطرها الذي غمر المستمع العربي من الخليج إلى المحيط، وحمل لواء الحفاظ عليها، وشكل معالمها وحرك ماءها الراكد في وجدان الناس، وإن كنت نبهت من قبل ولا أزال أنبه إلى ضرورة أن تسود الكلمة الفصيحة الإعلام المرئي لأنها الأقرب للناس. وتحظى بالمشاهدة اليومية وتتفاعل مع مستويات مختلفة من الثقافات والأعمار، وما من شك في أن الإعلام بكل وسائله يقوم بدور مهم في تشكيل الذائقة الإنسانية، لذا فهو مناط بمسؤوليات ضخمة من أجل أن تعتمد وسائله كافة مفردات اللغة العربية بحيويتها وبساطتها حتى يشب الأطفال على لغتهم المعبرة عن قوميتهم ووطنيتهم، والتي تربطهم بالهوية وترسخها في نفوسهم، وتعتاد فئات المجتمع كافة على التعبير بهذه اللغة، وهو حلم يتمناه كل غيور على لغة خالدة عميقة الجذور، تتمتع بمقومات حضارية وإنسانية ودينية عريقة، لذا فالمسؤولية مشتركة، والمهمة تحتاج إلى بذل الجهد. مرونة خاصة ومن جهته، يعد عضو اللجنة الاستشارية للإشراف على عمليات إعداد وتأليف مقررات اللغة العربية الإعلامي والشاعر فاروق شوشة، الإعلام هو المسؤول عن تطوير اللغة العربية أو ما يسمى باللغة العصرية والمعاصرة، ويذكر أنه منذ قرنين من الزمان كان السائد بين الناس اللغة العربية التي تحاكي كتابات الجاحظ والتوحيدي وابن العميد، وكانت آخر صورة من هذا النسق في الكتابة موجود في مؤلفات مصطفى لطفي المنفلوطي، وعندما نشأت الصحافة طرأت على المجتمعات العربية بعض المتغيرات، ومن ضمنها تغير الأنماط اللغوية وفقاً لطبيعة العصر، وفي اللحظة نفسها بدأت اللغة العربية على ألسنة الناس تتجدد، وبخاصة في لغة الصحافة التي تتعدد فيها المستويات والمحتويات والأقسام. والطريف أن لكل قسم معني بمتابعة أحداث ما لغته الخاصة ومصطلحات مرتبطة به، فلغة الخبر الصحفي لها نسقها الذي يميزها عن الأسلوب اللغوي المتبع في التحقيق والتحليلات السياسية والتراجم والموضوعات الاجتماعية والثقافية، وكذلك قسم المنوعات الذي يعتمد على مكونات لغوية أخرى، ومن هنا تعددت الأنساق والأنماط في لغة الصحافة وفقاً للمتغيرات التي تجري على أرض الواقع، كما أن الإذاعة والفضائيات أوجدت أيضاً لغة عصرية ومعاصرة تتفاعل مع الناس وتقترب منهم وتحاورهم وترتبط بهمومهم، هذه اللغة اكتسبت مرونة خاصة، واكتست في الوقت نفسه طبيعة سهلة لينة تجاري العصر. اعتراف بالفضل وحول الأخطاء التي يأخذها البعض على وسائل الإعلام، والتي يقع فيها بعض مقدمي البرامج ومقدمي النشرات الإخبارية أيضاً، والمرتبطة بالمفردات اللفظية والتراكيب البنائية، يقول الإعلامي فاروق شوشة: يجب أن نعترف للعاملين في وسائل الإعلام العربية المختلفة بالفضل، وبما يبذلونه من جهد جبار سواء في عملية التعريب أو الترجمة السريعة للأخبار الدولية التي يتناقلونها من وسائل إعلام في مختلف دول العالم، وهم في هذه الحال يحتاجون إلى عدد وفير من المجامع العلمية حتى يدققوا لهم الأخبار ويصوبوا لهم الأخطاء، وهذا في حد ذاته يحتاج إلى شهور، لذا يتخذون قرارات سريعة من أجل اللحاق بركب المستجدات التي تحدث على الساحة العالمية، وأكاد أقول إن وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة هي القاطرة التي تجر عربة المجامع اللغوية العربية للأمام. وما من شك في أن الإذاعات بما تبثه من نشرات الأخبار، وبما تحمل من تعليقات ومداخلات باللغة العربية الصحيحة تثري وجدان المستمع، وكذلك قنوات إخبارية مثل سكاي نيوز عربية التي تبث من دولة الإمارات والجزيرة القطرية، وغيرهما من القنوات التي تعتمد اللغة العربية في كل البرامج، بما يشجع الناس على التحاور مع مقدمي البرامج الإخبارية باللغة نفسها، وهو في حد ذاته اعتراف آخر للإعلام بأنه يتحمل عبء الحفاظ على لغتنا الجميلة. عصر التحولات وبالنسبة لقدرة وسائل الإعلام المختلفة على جعل الناس في حالة ارتباط مستمر باللغة العربية، يبين مقدم برنامج “احسبها صح”، على قناة أبوظبي الإمارات علي الشامسي، أن الإعلام بوسائله كافة يقوم بدور حيوي في تشغيل مفردات اللغة العربية في أذهان الناس، فهو من وجهة نظري المحرك لهذه اللغة، وهو شاهد على عصر تحولاتها، والجميل في لغتنا العربية الخالدة أن لديها قدرة عارمة على التجدد ومجاراة العصر، فهي تتفاعل مع المتغيرات، وتقبل الآخر، والقرآن الكريم الذي يحفظها من الضياع باعتباره أرقى تشكيلاتها على الإطلاق وردت فيه أسماء غير عربية ومفردات أيضاً مثل كلمة سكين، وهي باللغة العربية “مُدية”، كما هو معروف، وهذه الغزارة اللفظية التي غطت جوانب لغتنا جعلتها تتسق مع كل العصور، وتتناغم بشكل سريع مع الناس وظروفهم الطارئة، ومن الأشياء المحزنة التي أوجعتني ذات يوم أنني حين التقيت مدير الجامعة البريطانية في دبي، قال لي جملة لم تزل أصداؤها في ذهني حتى الآن، حيث لامست جرحاً عميقاً في فؤادي، وهي “تفوقنا عليكم بالعلم بسبب لغتنا وتأخرتم بسبب تعلقكم بلغتنا”. فالرجل حين دخل الدولة كان يعتقد أنه سيتلقى عدداً من الدورات التدريبية من أجل اكتساب لغتنا، لكنه وجدنا نكتسب لغتهم. ويضيف الشامسي: الإعلام بطبيعته مُوجِه وليس موجَهاً، وحين تصبح اللغة العربية هي المسيطرة على وسائل الإعلام كافة ستنتعش في محيطنا الخليجي والعربي بصورة أكبر، وإن كنت أرى أن الإعلام المقروء والمسموع والمرئي يقوم بدوره ويوجه الناس ويحتفظ بديناميكية اللغة العربية وتحررها، فهي لغة لا تعرف الموت، وكتب لها البقاء، وهذا ما يجعلها دائماً تأسر القلوب. الإنجليزية تتصدر فعاليات عربية من ضمن الصحفيين الذين عانوا كثيراً في أثناء المتابعات الإعلامية، السيد إبراهيم، حيث كان يضطر في تغطية بعض الأفلام الأجنبية الوثائقية التي تتبناها إحدى المؤسسات إلى الاعتماد على الصورة من أجل فهم مجريات الفيلم، لعدم وجود ترجمة أو حتى ملخص باللغة العربية عن محتوى الفيلم، ويشير إلى أنه على قدر معقول من اللغة الإنجليزية، لكنه لا يجيدها بالمستوى الذي تتطلبه الفعاليات التي تتعلق بموضوعات عربية، وتدار بهذه اللغة، ويجد صعوبة هو والكثير من زملائه في ترجمة المصطلحات الضخمة، والتي تحتاج إلى تخصص. ويلفت إلى ضرورة أن تتماهى طبيعة هذه الفعاليات مع محتواها، إذ إنها تقام للإعلان عن حدث عربي، وفي مكان يتكلم أهله العربية، لكنها تحمّل الإعلام فوق طاقته، باعتمادها على اللغة الإنجليزية. الصحافة.. حاضنة اللغة مدير بيت الشعر بالشارقة، محمد عبد الله البريكي، الذي عمل في مجال الصحافة سنوات طويلة سواء في صياغة التحقيق الثقافي والاجتماعي أو من خلال وجوده سكرتير تحرير ملحق “شعر وفن” بصحيفة الاتحاد، إلى أن عمل مدير تحرير مجلة “وجود”، يرى أن الصحافي يجب أن يتمتع أولاً بمقدرة خاصة على الصياغة اللغوية، بحيث ينقل ما يكتب إلى القراء بأسلوب جذاب خالٍ من السطحية والركاكة، ويقول: الصحافة هي حاضنة اللغة، وأحد أهم أشكال التعبير بها، وعلى طول الخط وهي تحتفي بها، ومن الطبيعي أن يكون لها دور فاعل في الحفاظ عليها، وأكسبها صفة الديمومة والانتشار، في وقت تراجع فيه المستوى اللغوي لدى الناطقين بالعربية، لكن الشعر، وبما يحمل من مقومات إبداعية، دائماً يجدد محيطها الواسع، والصحف أيضاً تحتضن الكتابات الشعرية وتنشر القصائد للمبدعين، وهو ما يربط القارئ أيضاً بالصحافة الثقافية التي تمنح العربية وهجاً خاصاً. تسهيل المهام الصحفية حول بعض ما يعانيه ممثلو وسائل الإعلام من حضور بعض اللغات بقوة في أثناء وجودهم في الفعاليات يذكر المنسق الإعلامي بجامعة خليفة مؤمن خيتي، أن العديد من الصحفيين يتابعون فعاليات تسيطر فيها اللغة الإنجليزية، وتصبح هي لغة الحوار الأساسية، وعلى الرغم من ذلك فإنني من واقع تجربتي مع السادة الإعلاميين فإنني ألتمس لهم العذر، لكن معظم الجامعات تدرّس المواد باللغة الإنجليزية، وترجمة مواد الفعاليات يحتاج إلى مجهود كبير من قبل منسقي الإعلام بهذه الجامعات، وعن نفسي أحاول قدر المستطاع التعاون مع زملائي الإعلاميين عن طريق توفير مترجم أو من خلال حضور متحدث عربي، ضمن الحضور لتسهيل مهمة الصحافة. برامج نوعية حول تدفق لغة الإذاعة ووصولها إلى الناس كافة على اختلاف مستوياتهم الفكرية وأعمارهم، توضح مقدمة برنامج “الأثير” بإذاعة الشارقة الإعلامية عائشة الرويمة، أن الإعلام المسموع لم يخفت بريقه ولم يزل يتصدر المشهد لدى المستمع في الإمارات، بفضل البرامج النوعية التي تتبناها القطاعات الإذاعية، والتي تجذبنا سواء بصفتنا الإعلامية أو كمستمعين لهذه البرامج، وتذكر أنه من اللافت أن إذاعة الشارقة تهتم بمستوى العاملين به من ناحية اللغة العربية، ما أوجد نوعاً من الحماس، فالمقدم الذي يمتلك لغة سليمة ينجح إلى حد بعيد، إذ إنها أحد المكونات الثقافية التي من خلالها يستطيع أن يوصل رسالة برنامجه للناس، وتلفت إلى أن محتويات البرامج الإذاعية التي تبث بصفة مستمرة بهذه اللغة المعبرة تعكس شغف الجمهور بها، وتحفزه على تعلمها، وأن تكون ضمن سياق حديث، وقد لا حظ المستمع في الدولة مدى قدرة العديد من البرامج الإذاعية على جذب الناس إلى التحاور عبر المداخلات بأسلوب عربي سلس لا غموض فيه، وهذا ما يميز طبيعة اللغة العربية التي يظن البعض بأنها صعبة، وتحتاج إلى مجهود فوق العادة لإتقانها. ويقول الإعلامي سمير رجب رئيس مجلس إدارة صحيفة الجمهورية المصرية سابقاً، إن الصحافة هي الأساس في الحفاظ على اللغة العربية وتفاعلها مع الناس، ولذلك لما تتمتع به لغة الضاد من ميزات خطابية عالية، فهي لغة المواقف والعلاقات المشتركة بين الناس، وهي مشاع للعامة والخاصة في البلدان العربية والإسلامية. ويشير إلى أن مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، جاءت في وقتها تماماً، خصوصاً وأن اللغة العربية هي الوعاء الذي يحتضن القومية ويرسخ لمفهوم الهوية، وهي بالفعل لغة حياة تصلح لكل زمان ومكان، ولهذا فإن اللغة الصحافية تلعب دوراً مهماً في تنشيط مفردات لغتنا على ألسنة القراء، خاصة الأجيال الجديدة التي هي في حاجة مستمرة إلى اكتساب مهارات اللغة، والتي لا تأتي إلا بكثرة القراءة والاطلاع، ويشير الإعلامي سمير رجب إلى أن الصحافة منذ نشأتها وهي تحتضن مقالات كبار الكتاب، وهذه المقالات تعد وجبة عربية متكاملة وغنية بكل ألياف اللغة الطبيعية، وما من شك في أن المقال الصحفي السياسي والثقافي والرياضي والعلمي والاجتماعي أياً كان محتواه هو إضافة للغة ولمتابعيها عبر الصحف، ويبين أن الصحافة اعتمدت دائماً على كتيبة من المدققين اللغويين، وما يعرف بالديسك والمراجعين، وهو ما أكسبها ميزة خاصة، وبها ظلت الصحافة تتوهج باللغة العربية المشعة، وتتفاعل مع القراء، وتؤثر فيهم بصورة كبيرة جداً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©