لندنستان.. أبناؤها منا فهل تصبح عاصمة إسلامية؟

لندن - سعيد البادي:
بعد تفجيرات يوليو من العام الماضي في محطات قطارات لندن ظهرت على السطح تساؤلات لدى البريطانيين عن المسلمين الذين يعيشون بينهم وقضية تهميشهم وعدم ادماجهم في المجتمع بشكل أكبر، و من أهم تلك التساؤلات هو : لماذا يقوم شبان ولدوا في بريطانيا بعمل ارهابي ضد بلادهم؟ واين يتوجه مثل هؤلاء الشبان بولائهم؟
من ناحية أخرى عاد إلى الظهور مصطلح قديم اطلقه المهاجرون العرب والمسلمون على لندن في الثلث الأخير من القرن الماضي على بريطانيا وهو 'لندنستان'·· ولهذه التسمية ما يبررها، فعند زيارة لندن، لن يشعر الإنسان العربي أو المسلم أنه غريب هناك خصوصا في فصل الصيف ··فالعرب والمسلمون كثر وسياح الخليج يملأون الأسواق والفنادق وكل مكان·· وليس الحاضر هو الذي يجذبهم فقط وإنما الماضي أيضا ، من ذلك أنني حين زرت 'كارديف' عاصمة 'ويلز '، دخلت قلعة قديمة تعود للقرن السابع عشر، عليها نقوش إسلامية·· وقيل لي أن أميرا عربيا كان صديقا لأمير هذه القلعة، وأقام في هذه القلعة زمنا طويلا·
وهكذا وجدت نفسي ابحث عن تاريخ بداية الوجود الاسلامي في بريطانيا، وتذكرت جسر لندن الذي يصل بين ضفتي نهر التايمز حيث وضع تمثال ابيض على هيئة اسد رابض، قيل انه يرمز للملك ريتشارد قلب الاسد، كان رأس ذلك التمثال موجها إلى الشرق·· بعضهم قال انه موجها صوب ألمانيا لكنه قد يكون ايضا موجها صوب الشرق الادنى··
غير أن ذلك لم يجب على اسئلتي عن جذور الوجود الاسلامي في بريطانيا فعدت إلى المتحف البريطاني الذي خصص قسما كاملا للتراث والتاريخ الاسلامي لكن لم يكن بين المعروضات ما يدل على أي وجود للاسلام في بريطانيا فكل ما هو معروض في هذا المتحف كان مقتنيات اثرية مأخوذة من منطقة الشرق الاوسط··
أول مسجد·· وأول مسلم
البحث في جذور التواجد الإسلامي يعود بنا إلى أول مسجد في بريطانيا وهو ذاك الذي بني في ووكينغ وبني عام ،1889 وحينها اعتنق الإسلام عدد كبير من البريطانيين، كان من بينهم اللورد هيدلي (توفي عام 1932)، ووليام كيليام (توفي في عام 1932)، والروائي ومترجم القرآن مارمادوك بيكتول (توفي عام 1936) وربما كان هؤلاء من المشاهير المعروفين· ·أما اول انجليزي مسلم فكان جون نيلسون الذي اعتنق الاسلام في القرن السادس عشر، وكان اول اشارة للعلماء المسلمين وردت في حكايات كانتربري عام ·1386
وفي سرد تاريخي لوجود المسلمين في بريطانيا تقول المدونة البريطانية انه في عام 1641 ظهرت وثيقة تشير إلى 'طائفة المحمديين' التي اكتشف وجودها في لندن، وبعد ثمان سنوات أي في عام 1649 ظهرت أول ترجمة إنجليزية للقرآن الكريم، أعدها أليكسندر روس··أما تاريخ بداية هجرات المسلمين الى بريطانيا فقد وصلت أكبر مجموعة من المسلمين الهنود في عام ،1709 وشكل البحّارة الذين عملوا في شركة الهند الشرقية أول جالية إسلامية في مدن الموانئ البحرية·
وفي عام 1869 شجّع افتتاح قناة السويس موجة جديدة من المهاجرين المسلمين إلى بريطانيا، وجاء اليمنيون والصوماليون للعمل في موانئ كارديف وليفربول وبولوكشيلدز ولندن، ويوجد حاليا ما بين سبعين الفا الى ثمانين الف يمني يمثلون أقدم مجموعة مستقرة من المسلمين هنا·· وفي عام 1887 أسس وليام هنريكليام مسجدا ومعهدا إسلاميا في ليفربول، وكان رئيسا لتحرير مجلة 'العالم الإسلامي والهلال' الأسبوعية·
وفي عام 1914 أسست لورد هيدلي، الجمعية الإسلامية البريطانية، وفي عام 1937 اثارت اقتراحات تقسيم فلسطين المسلمين البريطانيين·· وفي عام 1940 خصّصت الحكومة مئة الف جنيه إسترليني لشراء أرض لبناء مسجد في لندن، وبعده بعام تم شراء ثلاثة أبنية في كوميرشالرود، في استبني، وحولت الى أول مسجد في لندن·
وفي 1944 حضر الملك جورج السادس افتتاح المركز الثقافي الإسلامي في ريجنتس بارك، وفي 1947 أسس ثلاثة عشر سفيرا من الدول الإسلامية صندوق ائتمان لمسجد وسط لندن·
موجات ·· وآيات
وبين 1950-1960 وصل مهاجرون مسلمون جدد، من الهند وباكستان· بعد النقص في الأيدي العاملة في بريطانيا، خصوصا في مجال صناعات الحديد والأقمشة، وقٌدّر عدد المسلمين في عام 1951 بحوالي 23 الف نسمة·
وبين 1960-1970 وصلت موجة اخرى من المهاجرين الذين جاءوا من أفريقيا، أغلبهم من كينيا وأوغندة·· وفي 1961 ارتفع عدد المسلمين إلى 82 الفا، وفي 1966 وصل عدد المساجد الى 18 مسجدا وبحلول عام 1985 كان هناك 338 مسجدا مسجلا، وبحلول عام 1997 ارتفع العدد ليصبح تقريبا الف مسجد·
وفي 1976 افتتحت الملكة اليزابيث احتفالا إسلاميا، وفي العام التالي افتتح مسجد وسط لندن في ريجنتس بارك، كما تأسس المركز الإسلامي في بلفاست، حيث يوجد نحو ثلاثة الاف مسلم في أيرلندة الشمالية·
وفي 1989 ظهر كتاب 'آيات شيطانية' الذي ألفه سلمان رشدي وكان مسيئا للاسلام وتسبب بأكبر انشقاق في تاريخ التعددية الثقافية في بريطانيا·
وفي 1996 تأسس صندوق رونيميد للجنة 'المسلمين البريطانيين وبغض الإسلام'، وقدمت اللجنة تقريرا مفاده أن المسلمين عانوا من العنف الطائفي أكثر من أي مجموعات طائفية أخرى في بريطانيا· وبعد هذا بسنة تأسس المجلس الإسلامي البريطاني، وهو أول جهة منتخبة ديموقراطيا جامعة للهيئات البريطانية تحت مظلتها، واصبح محمد سروار أول عضو مسلم يتم انتخابه للبرلمان ممثلا لحزب العمال·
وفي 1998 عقد أول اجتماع جمعية عمومية لمجلس مسلمي بريطانيا في قاعة برنتتاون، وعين أول أعضاء مسلمين في مجلس اللوردات هما، اللورد نزير أحمد والبارونة بولا الدين·
و الحال اليوم أن مجتمع المسلمين في بريطانيا خليط من عدة جنسيات وأصولهم مختلفة، منهم البريطانيون والأوروبيون، ويقدرعددهم حاليا في المملكة المتحدة بحوالي 1,6 مليون مسلم، من بينهم ما يقارب 50% من مواليد بريطانيا، وأكبر تركيز لهم في لندن ومانشستر وبرمنغهام وبرادفورد، لكنهم ينتشرون في جميع أنحاء بريطانيا·