الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الربيع السوري... وتحولات الموقف التركي

الربيع السوري... وتحولات الموقف التركي
11 يونيو 2011 23:53
ديفيد شينكر محلل سياسي أميركي اتسمت العلاقات التركية- السورية خلال الجزء الأكبر من القرن الماضي بالتوتر بسبب الخلاف الحدودي المستعصي بين البلدين الذي كاد يتطور في بعض الأحيان إلى حرب. ولم تتحسن العلاقات بين البلدين على نحو جذري إلا بعد أن تولى بشار الأسد حكم سوريا خلفاً لوالده عام 2000، وصعود حكومة حزب العدالة والتنمية ذات التوجهات الإسلامية إلى سدة الحكم في تركيا عام 2002. ولكن المفارقة هنا هي أنه في حين كان التحول السياسي هو العامل الذي مهد الطريق لتحقيق التقارب بين البلدين منذ عقد من الزمن، فإن احتمالات التغيير الحالية في سوريا هي التي تهدد في الوقت الراهن بتقويض أسس لعلاقات التي كانت قد تطورت إلى تحالف خلال السنوات الأخيرة. والموقف الحالي على الحدود التركية- السورية يبرز العلاقات الآخذة في التدهور بين البلدين، وذلك بعد أن تدفق المئات من المدنيين السوريين إلى داخل الأراضي التركية، بسبب ما يقولون إنه الخوف من مذبحة أخرى قد ترتكبها القوات الحكومية ضدهم. وهذا التطور الذي يزيد من توتر العلاقات، يدفع أنقرة لاتخاذ موقف أكثر حزماً مع دمشق، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة عزلة نظام الأسد. ومن المفترض أن يزود التحول الأخير في الموقف التركي، واشنطن والغرب بالفرصة -إن لم يكن بالحافز- لتبني موقف أكثر صرامة بشأن سوريا. وكانت السرعة التي تطورت بها العلاقات بين تركيا وسوريا خلال السنوات الأخيرة لافتة للنظر، بكل المقاييس. فخلال الفترة من 2002 إلى 2009 وقع البلدان على ما يقارب 50 اتفاقية تعاون، وأعلنا عن تأسيس"مجلس تعاون استراتيجي أعلى"، وأجريا أول تمارين عسكرية مشتركة في تاريخهما. وفي فترة أقرب، وتحديداً عام 2011، وقعت تركيا وسوريا اتفاقية تاريخية لمكافحة الإرهاب، وأتبعتاها، منذ شهرين فقط، بمعاهدة لمكافحة التمرد. وبحلول عام 2011 كانت تركيا قد أصبحت أكبر شريك تجاري لسوريا. وبسرعة أصبحت العلاقات بين البلدين واعدة بمستقبل زاهر، وهو ما دفع وزير الخارجية التركي"أحمد داود أوغلو" إلى إعلان أن الدولتين "تتشاركان في مصير واحد، وتاريخ مشترك ومستقبل مأمول". ولكن عندما وصل الربيع العربي إلى سوريا، تدهورت العلاقات بين البلدين بنفس السرعة التي كانت قد تحسنت بها. فعندما ارتفعت أعداد الضحايا من المدنيين في سوريا، وجدت تركيا نفسها مضطرة لإنهاء صمتها عما يجري خلف حدودها الجنوبية. ففي شهر مارس أعلن "أردوغان" أنه: "من المستحيل السكوت أمام الأحداث التي تجري في سوريا" كما قال إنه قد تحدث مع الأسد مرتين بشأن الأحداث، وإنه كان يأمل في أن "يتبنى الأسد موقفاً إصلاحيّاً إيجابيّاً حتى يتجنب أحداثاً شبيهة بما يحدث في ليبيا". وفي إبريل، أرسل "أردوغان"، وزير خارجيته "أوغلو" لمقابلة الأسد في دمشق، حيث عرض عليه "كل مساعدة ممكنة" لتمكينه من تنفيذ الإصلاحات التي كان قد وعد بها، وللمساعدة على استقرار الوضع في سوريا وتأمين النظام. ولكن كل ذلك لم يُجدِ نفعاً. وفي شهر مايو، ومع التصاعد السريع للأحداث وتزايد الفظائع التي يرتكبها النظام ضد شعبه، وتجاوز أعداد الضحايا الألف، أعلن أردوغان صراحة أن تركيا تقف مع المتظاهرين الذين وصفهم بأنهم منخرطون في "نضال من أجل الحرية" وحذر من أن تركيا "لا ترغب في رؤية مذبحة حماة أخرى". وفي الوقت الذي أثنى فيه المعارضون على موقف تركيا، وصفت صحافة الحكومة السورية موقف أنقرة بـ"النفاق" وبأنه "متسرع ومرتجل". وليس واضحاً حتى الآن سبب هذه النزعة الأخلاقية المفاجئة في السياسة الخارجية التركية. ومن الممكن أن يكون موقف "أردوغان" غير المسبوق تجاه سوريا، قد تأثر بالاعتبارات الانتخابية. فاليوم الأحد، 12 يونيو، سيذهب الشعب التركي لصناديق الاقتراع للإدلاء بأصواته في الانتخابات البرلمانية.. ومن المؤكد أن حزب العدالة والتنمية قد أدرك أن أعمال العنف في سوريا ستكون موضوعاً محركاً لمشاعر الناخبين، وأنها تصلح بالتالي لأن تكون مادة للاستغلال السياسي من جانب الحزب في تلك الانتخابات. ولكنّ هناك تفسيراً آخر، وهو أن المذابح التي تحدث في سوريا ربما تكون قد تجاوزت حدود المقبولية بالنسبة لحزب العدالة والتنمية. فقيام نظام يمسك بزمام الحكم فيه أفراد من طائفة شيعية، بقتل الآلاف من السُّنة أمر غير مقبول بالتأكيد بالنسبة لدولة سُنية كبيرة مثل تركيا. وبصرف النظر عن السبب الذي دعا أنقرة إلى تغيير لهجتها في التعامل مع النظام السوري، فإن ذلك التغير يعد تطوراً مرحباً به في ذاته. فالنظام اليوم بات أقل تمنعاً أمام الضغوط الخارجية، وأكثر قابلية للتعرض لتلك الضغوط، كما بات أقل إحساساً بالأمن. وتركيا لا تبتعد اليوم عن النظام السوري فحسب، ولكنها تتطلع للمساعدة في تنظيم أمر التغيير. ففي الأسبوع الماضي على سبيل المثال، وفي خطوة جسورة، وتقدمية، استضافت تركيا مؤتمراً للمعارضة السورية على أراضيها، وهو ما كان بمثابة إعلان واضح وصريح بأن حزب العدالة والتنمية التركي قد قدر أن النظام بات غير قابل للإصلاح. والمأمول الآن، بقليل من الحظ، أن تحذو واشنطن حذو أنقرة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة"كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©