الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

صوت نفسك

17 يناير 2012
أخرج من بيتنا في العين إلى حيث أعمل في أبوظبي، في مشوار يومي يستغرق الثلاث ساعات ذهاباً وإياباً، أحاول التهرب من الإحساس بهذه “الأزمة الوجودية”عبر الاستماع لإذاعات الراديو المختلفة ونشرات الأخبار والأسطوانات الموسيقية. لكن مؤخراً احتجت الاستماع لصوت بعينه، لم أعرف لمن هو، فرحتُ أقضي شطراً من الوقت أتصل بصديق هنا أو صديقة هناك بحثاً عنه، ولكن ازداد منسوب التوتر داخل رأسي كمن يتمشى في العراء والسماء تمطر حُبيبات بَرَد. ذلك الصوت الذي أشتاق سماعه، تراه لمن يكون؟ هل وقعت في هوىً لم أدرك هويّته؟! أبحلق في الإسفلت الممتد أمامي، في الصحراء على جانبي الطريق، في الشجيرات المتناثرة هنا وهناك، في تلك الكثبان الرملية وأتساءل هل توجد حشرات تحتها وكيف تتنفس، ثم أتساءل لمن أريد أن أستمع الآن؟ أغلق الراديو وأضع الهاتف جانبا، يعمّ الصمت المكان سوى من صوت العجلات تنحت على الإسفلت. فإذا بأصوات متداخلة تنبع من داخلي، أصوات مألوفة لناس في العمل والبيت والسوق وناس في الهاتف وناس في التلفزيون، أصوات ناس كثيرون ناس آخرون تراكمت على مدى الزمن، تراكمت بداخلي أنا.. من أنا؟ ويتعمق السؤال، فيُخرس الضجة، ليخرج الصوت الذي بحثت عنه طويلاً دون أن أعرف لمن يكون. إنه صوتي! أدركت أني منذ زمن لم أنصت لنفسي، في غمرة الانشغال بالإنصات للآخرين نسيت أن لي صوتا أيضاً، وأنه يريد أن أسمعه. تخرج من بيتك كل صباح لتبدأ يوم جديد، وتتذكر أن ثوبك نظيف مكوي وأن عليك أن تنجز المهمة الفلانية وتخلّص المعاملة العلاّنية، ولكن لا تتذكر شيئاً غير ذلك عن نفسك. تستمع لمشاكل هنا وحكايات هناك، وحين يحين الليل تخلد إلى النوم، ورغم انشغال السرير بجانبك–ربما- لكنك تشعر أنك وحدك. فمعمعة الأصوات التي تموج فيها صنعت طبقة صلدة عازلة حولك، حتى ما عاد بإمكان أحد أن يصل إليك بدرجة كافية لتشعر بدفء وجوده، ولا أنت قادر أن تصل لأحد رغم انغماسك في كل أحد؛ فرأسك ممتلئ بكل الآخرين إلا بك، وصوتك غاب، ونفسك تشتاق الحديث إليك وأنت لا صوت لك. نفسك تريد أن تحدثك عن نفسك، عن سبب ضيقك، تلك الأشياء التي تزعجك، ولماذا لم تعد تبتسم كثيرا. تريد أن تُذكرك بالأشياء التي تحبها، وما الذي يجعلك تفرح، تريد أن تخبرك ما الذي فاتك الانتباه له وما من شأنه تغيير حياتك وتطويرها وجعلك إنساناً أسعد، نفسك تريد أن تذكّرك بأحلامك حين كنت طفلا صغيرا ينتظر عودة أبيه مساء ويقول حين أكبر سأكون. نفسك تريد أن تقول لك إنك كبرت، وإن لم تكن قد “كنت” بعد فبإمكانك أخذ المنعطف القادم لاستدراك الأمر والبدء من جديد. فلا تخنق الصوت الذي يحولك من مخلوق أوتوماتيكي، إلى إنسانٍ متألق بإشراقة البدايات الجديدة. Mariam_alsaedi@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©