الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

أسعار السلع تحلق باتجاه المجهول

20 ابريل 2006

إعداد: محمد عبدالرحيم
لأول مرة منذ العام 1980 تتخطى أسعار الذهب حاجز 623 دولارا للأونصة بعد أن بلغت مستوى أكثر من ضعفها في خمس سنوات ، وترتفع أسعار النفط الخام إلى أكثر من 6 أمثالها منذ العام ،1999 أما أسعار النحاس التي عادة ما تحظى بالقليل من الاهتمام فقد كسرت أرقامها القياسية، وتضاعف إلى ثلاثة أمثالها منذ العام ،2000 بينما تمكنت شركة بيكمو أكبر مدير في العالم لسندات الدخل الثابت من رؤية صندوقها الخاص بالسلع وهو يشهد ارتفاعاً بنسبة 50 في المائة في عامين من نهاية العام 2003 إلى نهاية العام ،2005 وهنالك دول لا نسمع عنها إلا لماماً مثل نيجيريا وبيرو تمكنت مؤخراً من احتلال صدارة العناوين الرئيسية في الصحف والمجالات المتخصصة·
ما الذي يحدث في حقيقة الأمر؟ هذا هو التساؤل الذي حملته صحيفة 'الفاينانشيال تايمز' في التحليل الذي أوردته على لسان كاتبها بيتر بيرنستين، فالاتجاهات الاقتصادية التي تتسم بهذه الطبيعة عادة ما تستأثر بالاهتمام وتصبح مثاراً للشائعات والمخاوف في كثير من الأحيان، ويظل جزء من التفسير لهذا الارتفاع ذات السلع واضح ومفهوم إلا أن جزءا آخر مازال يكتنفه الغموض، أما النتائج المتمخضة فسوف تظل الجانب الأكثر إثارة في الحكاية، ولكن الإثارة الحالية لا تتعلق بالسلع بشكل عام ولكنها تختص بالمواد الخام مثل النفط والنحاس والنيكل والذهب، فهذه المواد يتعين استردادها وجلبها من باطن الأرض عبر عمليات الحفر مما يعني أن توسعة التموين ليست بالأمر السهل، فعندما تعمل المناجم أو آبار النفط بكامل سعتها أو تشهد النضوب، فإن إيجاد موارد جديدة يعتبر عملية غير مؤكدة تستغرق المزيد من الوقت وتتضمن الكثير من المخاطر وبخاصة من الناحيتين البيئية والسياسية، ولقد علمنا قانون الطلب والعرض أن الأسعار تمضي إلى ارتفاع بمجرد أن ينمو الطلب بشكل أسرع من العرض، وعندما يرى رجال الأعمال والمضاربون نمواً في الطلب سرعان ما يبدأون في الشراء حتى بأكثر من حاجتهم أو يشدون في هذا الشهر لأنهم يتوقعون أن الأسعار سوف ترتفع إلى أعلى من ذلك في الشهر القادم، وبذلك تبدأ الفجوة بين الطلب والعرض في الاتساع الى مستويات أكبر وبشكل يؤدي مباشرة إلى ضغوط تصاعدية في الأسعار·
وفي بعض الأوقات تؤدي الأسعار المرتفعة الى التشجيع والحث للبحث عن عرض أو تموينات اضافية بحيث أن العرض في يوم ما سوف يتمكن من تجاوز الطلب وتبدأ الأسعار في الانخفاض· وهذا هو المسلسل الذي حدث بالضبط إبان فترة التضخم العظيم الذي شهدته حقبة السبعينيات عندما اندفع الجميع في حمى لشراء السلع وبخاصة النفط·
إلا أن الأمر استغرق سنوات قبل أن يلحق العرض بالطلب بسبب الأسعار المتضخمة والتي بدأت في التراجع بمجرد أن تمكن العرض من مقابلة الطلب وعلى سبيل المثال، فبمجرد أن توفر مورد جديد للنفط في بحر الشمال سرعان ما بدأت الأسعار في الانخفاض، ففي عام 1986 وحده تراجعت أسعار النفط بأكثر من معدل 50 في المائة·
واستمر ضعف الأسعار وتزايد المعروض في جميع السلع حتى في فترة كبيرة من حقبة التسعينيات، وكنتيجة لذلك تراجعت أنشطة تطوير موارد جديدة للمواد الخام أثناء فترة التضخم الكبير إلى أن تم التوقف كلياً عن عمليات الاستكشافات الأساسية والضرورية، ومع ذلك استمر الطلب في النمو الطبيعي بمرور الوقت، وبذلك فقد تم إعداد المسرح لكي نشهد الظروف التي تم بنا الآن وبشكل يخلو من التعقيدات أو الغموض، فمنذ نهاية العام 2001 أخذت معظم أنحاء العالم تشهد موجة من النمو المتسارع في الولايات المتحدة حيث قفز إجمالي الناتج المحلي بأكثر من 25 في المائة، بينما بدأت اليابان الآن بعد فترة من التراجع تنضم إلى بقية أنحاء العالم لكي تشهد الانتعاش الاقتصادي·
ولكن أكثر المظاهر دراماتيكية في هذه الفترة تمثل في النمو المتسارع الوتيرة أيضاً في الاقتصاديات النامية وبخاصة في الصين والهند، وبالإضافة لذلك فقد مضت الأحوال المعيشية في تحسن كبير في معظم أنحاء القارة الآسيوية بخطوات دراماتيكية مما أدى إلى تزايد أعداد السيارات والشاحنات في الطرقات بمعدلات غير مسبوقة وكذلك إلى نحو هائل في الطلب على النفط، بل إن الذهب أيضا أصبح جزءاً من هذه الحكاية، وعلى الرغم من أنه لا يعتبر سلعة صناعية إلا أن المواطنين في الهند، ظلوا لسنوات عديدة يمثلون المستهلك الأكبر في العالم للذهب وخاصة في شكل مجوهرات حيث تسهم الدولة حاليا بمقدار 23 في المائة من الاستهلاك العالمي للذهب، وقد أدى الازدهار المتنامي في الهند ليرفع طلبها إلى مستويات عالية جديدة حيث بلغت مبيعات المجوهرات في العام الماضي مستوى يزيد بنسبة 25 في المائة، عما كانت عليه في العام ،2004 إلا أن الأمر مازال لا يخلو من نوع من الغموض حيث إن سعر الذهب قد تضاعف منذ أوائل العام 2002 عندما كانت البنوك المركزية سعيدة ببيع كميات هائلة من مخزوناتها في السوق المفتوح لذا فإن الأحداث التي شهدتها الهند مؤخراً ليس بوسعها أن تفسر معدل النمو السنوي الذي بلغ 20 في المائة في أسعار الذهب·
وما لم ينزلق الاقتصاد العالمي في هوة عميقة من الركود وهو الأمر الذي يمكن حدوثه في أي وقت ــ فإن أسعار السلع من المرجح أن تستمر الى ارتفاع كنتيجة لانكماش العرض ولفترة لا تقل عن ثلاثة أو أربعة أعوام قادمة وربما أكثر من ذلك، ومن الممكن أيضا أن نشهد فترات من التقلبات إلا أن اتجاه الأسعار بشكل عام سيظل إلى ارتفاع، وطالما استمر الطلب في النمو أو التوقف لفترات موجزة فإن زيادة المعروض تبقى العامل الوحيد الذي يمكن أن يؤدي إلى التراجع في الاتجاه المتصاعد لحركة الأسعار· ولكن عمليات الاستكشاف أو تطوير موارد جديدة للعرض مازالت تتسم بالبطء والمخاطر وغلاء التكلفة في أغلب الأحيان، واذا ما استمر الحال على ما عليه فلا بد من حدوث تحولات ضرورية هامة، وكما كانت امدادات المواد الخام بما فيها النفط تشهد ندرة متزايدة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وأن هذه المصادر الرئيسية تتواجد في أميركا اللاتينية وافريقيا وروسيا بالإضافة إلى منطقة الشرق الأوسط فإن العديد من الدول التي كنا بالكاد نسمع عنها أو تهتم بها في الماضي أصبحت مرشحة لأن تكتسب الكثير من الألق والتوهج·· شئنا ذلك أم أبينا!
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©