السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بناء الوعي المستنير

بناء الوعي المستنير
10 يونيو 2015 21:32
إن مناهج التعليم، هي المدخل لبناء الإنسان، معرفياً ووجدانياً واجتماعياً وبدنياً وقيمياً ومهارات، فالمدرسة ليست مجرد ساحة لاكتساب المعلومات، إنما هي مؤسسة لتنمية المعايير الأخلاقية، والقيم الإيجابية، ومكارم الأخلاق والفضائل الإنسانية، ولتنمية أخلاقيات ومفاهيم المواطنة، وقيم الحق والعدل والعمل والحوار والإبداع والتفكير العقلاني والعلمي والنقدي والتعاون والتسامح، ونبذ التعصب والغلو. وتشكل منظومة القيم، مكوناً أساسياً في ثقافة المجتمع، وتشتمل هذه المنظومة على مجموعة من القيم المترابطة، والممتدة على مساحة المناهج الدراسية، والتي يسعى التعليم لغرسها في المتعلم، لتحكم سلوكه وقراراته وأحكامه، واختياره لبديل من البدائل المطروحة أمامه، وتنظم علاقته بنفسه وبالآخر، وبالواقع نظماً ومؤسسات، وتحدد رؤيته للكون والبيئة من حوله. ولا تتحقق هذه المنظومة، من خلال التلقين والوعظ اللفظي، وحفظ المعلومات وتخزينها واسترجاعها مفرغة من كل قيمة حافزة، وإنما تترسخ عن طريق النشاط الجمعي، وتنمية العقلية النقدية الباحثة دوماً عن الحكمة، والتدرب على فعل الإنجاز والحوار والمشاركة، وتمثُّلٍ، قولاً وفعلاً، لقيم الصدق والمثابرة واحترام الآخر المغاير، وتنمية ما يسمى «بالضمير المهني والضمير الأخلاقي». وهذا هو المعيار الحقيقي لعملية التعليم، وليس الامتحان «وشهادة التخرج». إن ناتج التعليم الحقيقي، هو كل ما يتبقى في ذهن المتعلم، بعد أن ينسى كل ما تم «تلقينه في المدرسة، أي أن الذي يبقى هو منظومة القيم، قيم التفكر والتدبر ومنهج التفكير النقدي والعقلي، في الواقع المتغير للحياة. شروط إن من أهم الشروط التي يتوجب على النظام التعليمي، أن يلتزم بها في أهدافه وعملياته التعليمية، بمدخلاتها ومخرجاتها، هو بناء الإنسان الكلي والمتكامل، في حاجاته البيولوجية والبدنية والمعنوية والثقافية والاجتماعية، والاهتمام بعمليات التفكير العلمي والنقدي والحواري والإبداعي والعقلاني، وتنمية قيم العمل والمسؤولية واكتساب ثقافة العقل والروح والوعي والإبداع، وتوسيع فرص المناقشة والتساؤل والتعاون والتعلم الذاتي، وتركيز العملية التعليمية على عنصري الدهشة والاستمتاع، في كل ما يتعرض له المتعلم من مراحل التعليم المختلفة من محتوى ونشاط. ولعل مناهج التربية الإسلامية، وبخاصة في هذه المرحلة المليئة بالمتغيرات والتحولات، هي من بين أهم مناهج التعليم المدرسي، التي تحتاج إلى اهتمام أكبر وأعمق، من الدولة والمجتمع، تجديداً وتطويراً واهتماماً. ويعول على هذه المناهج الكثير من الآمال، من حيث بناء شخصية مسلمة متوازنة وسوية، ذات بناء قيمي ومعرفي، وتفكير منهجي، تستشعر المسؤولية، وتعي مقومات هويتها، وتستبصر الكون، وفاعلة حضارياً، ومشاركة اجتماعياً وبشكل إيجابي، تسعى لالتماس الحقيقة والحكمة من أي وعاء جاءت، مرنة ومعتدلة، تنبذ الغلو والتطرف العنيف، تحترم التنوع والاختلاف، وتتمتع بذائقة جمالية، وتعيش واقعها، وتسخر طاقاتها في إعمار الأرض، محركها عقل رشيد، وضابطها منظومة قيم الإسلام وغاياته وآدابه. إن أي منهج للتربية الإسلامية، لابد أن يقوم على أساس المحافظة على صحيح الإسلام وثوابته وقيمه، وأن تستخدم في تعليم هذا المنهج أحدث ما وصلت إليه علوم التربية الحديثة، وأفضل المعايير العلمية والمهارات والأدوات المعرفية والتقانة الحديثة. نعم.. صحيح أن الإسلام وعلومه بحر واسع، لكن المهم في المنهاج أن يقدم للتلاميذ مفاتيح للمعرفة الإسلامية، وليس مجرد معلومات للحفظ، وإنما أيضاً كمصدر للقيم والأفكار، ورؤية للإنسان والكون والحياة، تحقق العبادة لله وحده، والحياة الطيبة في الدنيا والسعادة في الآخرة، وتؤمن بأن التنوع والتعدد هما سنة من سنن الله في الكون، وتتعامل مع العصر وروح العصر بمنهجية عقلية، وبما يبني الهوية ويعزز الانتماء ويحترم كرامة الإنسان، ويصقل ويعمق منظومة القيم الإسلامية، ويوفر للمتعلم البناء النفسي. دواعي التجديد الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني، وتطوير منهج التربية الإسلامية، ليست جديدة.. ودواعيها السياسية معروفة، وكذلك المجتمعية.. وقد ارتفع منسوب هذه الدعوة والمطالبة بالتجديد في العقد والنصف الأخير. إن تجديد الفكر، هو عملية مصاحبة لتطور حياة الإنسان، ولتحولات الواقع، وبالتالي، نحتاج بين فترة وأخرى، إعادة النظر في مناهج التعليم، وفي طرائق تقديمها وتوصيلها، والتماهي مع تطور الفكر التربوي، في غاياته وأساليبه ومصادره، إضافة إلى التطور التقني ووسائله، والثورة المعلوماتية، وانعكاسات ذلك على النظام التعليمي، وبخاصة مع انتشار العولمة، والانفتاح الثقافي والقيم المعولمة، وتغير وسائل التشويق والجذب في التعلم، وكذلك تغير اهتمامات المتعلم وميوله، وتعدد منافذ التعلم أمامه خارج المدرسة، وهنا أشير إلى أن - المؤسسات التقليدية - التي تعيد إنتاج الشخصية الوطنية، والهوية الوطنية ومنظومة القيم، وعلى رأس هذه المؤسسات، تقف الأسرة والمدرسة، لها تأثيرات متفاوتة على قيم الناس، ولعبت أدواراً حساسة في تشكيل الشخصية الوطنية، في سياق زمني وظروف مغايرة، كانت الأسرة أكثر تماسكاً، وممتدة ومتضامنة ومتلاحمة، وكانت الفضائل والحكمة، تتناقل بيسر بين الأجيال، وكانت الرعاية المباشرة للأبناء كثيفة، و»كاد المعلم أن يكون رسولاً»، ومقدراً ومبجلاً، وكانت قيم الكد والجد والصبر متألقة، وكانت الدنيا غير الدنيا، وفضاء وحدود الوطن والثقافة مغلقة نسبياً. أما اليوم، فإن هذه المؤسسات التقليدية (الأسرة / المدرسة) لم تعد وحدها في الميدان، حتى أن بعضها تعطَّل، ودخلت معها في حلبة المنافسة، مصادر أخرى أفعل وأفتك، وبالتالي تضاءلت فرص إعادة إنتاج منظومة القيم للتلاميذ، بالوتائر نفسها والمؤثرات نفسها التي كانت قبل حقبة العولمة والثورة المعلوماتية والاتصالية والفضائية، والتحولات الجذرية الجارية. إضافة إلى ذلك، فإن من دواعي التجديد والتجويد في المناهج والوسائل التعليمية، أيضاً ظهور مشكلات وظواهر (التطرف الديني العنيف) والتي تستدعي الوقاية منها ومعالجتها، واستثمار ما يتمتع به صحيح الفكر الإسلامي من مرونة وقيم إنسانية تحمي كرامة الإنسان، وهي قيم أسبق من كل انتماء أو هوية، وهي حصانة أولية للإنسان ثابتة له بوصفه إنساناً، كرمه خالقه وجعله خليفة له في أرضه. وفي المحصلة، فإن التجدد مصدر للحيوية والانطلاق، وعلاج للتخلص من مظاهر سلبية أو مرضية، ومصدر وقاية، حينما يضطرب السياق المجتمعي بتحديات وتحولات سياسية واجتماعية واقتصادية، وحدوث خلل في التوازن النسبي للقيم. ومن المؤكد، أن تجديد المنهج وحده لا يكفي، لكن من الضروري أن يصاحبه تجديد في نظام التعليم ككل، مبانٍ واحتياجات وتجهيزات، وتكوين المعلم مهنياً وثقافياً وعلمياً، وتهيئة المناخ الملائم لتعظيم ناتج العملية التربوية. المنهج القديم أتيحت لي فرصة الاطلاع والبحث في عدد من مناهج التربية الوطنية والاجتماعية والدينية خلال العقدين الماضيين، وشاركت في إحدى لجان إعداد منهج التربية الوطنية في تسعينات القرن الماضي، كما عكفت على إنجاز ثلاث دراسات نظرية وميدانية، إحداها بحث في منظومة القيم بين تلاميذ المرحلة الثانوية من أبناء الإمارات (نشرته ندوة الثقافة والعلوم بدبي عام 2004)، وبحثان آخران أولاهما رؤية المرأة في المناهج الدراسية (بالتعاون ودعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي)، وثانيهما القضية الفلسطينية في المناهج الدراسية. ومازلت أحمل في أوراقي وذاكرتي قراءتي لمنهج التربية الإسلامية القديم، والذي ظل معمولاً به حتى عام 2002 تقريباً. فمن حيث المنهج، فقد قُدم الإسلام فيه، المتمثل أساساً في القرآن الكريم والسنة النبوية والفقه والسيرة وبعض المباحث الإسلامية، بشكل تقليدي، ولم يشمل موضوعات ذات صلة بمنظومة القيم والهوية والانتماء والعقلية الإيمانية. ولا بنماذج القدوة، أو علاقة المتعلم بالآخر والكون.. إلخ. ومن حيث المحتوى، فقد قُدمت المعلومات التاريخية في الفقه أو السيرة النبوية كما هي موجودة في كتب التراث، وغالباً ما شملت غزوات، وتخويف ووعيد وأحاديث عن أهوال يوم القيامة، ولم تؤخذ بالاعتبار الطبيعة النفسية للفئات العمرية للمتعلمين، كما تجاهل المنهج إلى حد كبير قضايا المرأة ودورها، وغاب عنه الواقع المعاصر، بحيث قدم الإسلام كظاهرة تاريخية حدثت وانتهت وليس لها امتداد في العصر الحديث. كما وجدت في المنهج غياباً لقيم التفكير النقدي، وخدمة المجتمع وثقافة الحوار وقيم التسامح والعمل الجماعي والاعتدال، كما خلا المنهج من أية موضوعات تربط بين التربية الإسلامية والعلم والعلوم الطبيعية والفنون، كما تجاهل المنهج أيضاً قضايا التعامل مع غير المسلمين. وبشكل عام، فقد اعتمد المنهج القديم طريقة الوعظ والتلقين، والأنشطة المنزلية لاسترجاع ما تم حفظه، واتسم بالارتجال والعشوائية، وضم أنماطاً متعاكسة من القيم المتناقضة، والتي تسهم في تنشئة إنسان مضطرب أو محايد قابل للاستخدام في أي اتجاه – عنفاً أو انحرافاً أخلاقياً -. وفي المحصلة، بدا لي أن هذا المنهج، غير صالح لتنشئة تلميذ مسلم متوازن يستشعر المسؤولية، ويمتلك التفكير المنهجي، والقيم الجوهرية في الإسلام. المنهج المطَّور الراهن ويبدو أنه كان هناك استشعار جارف، بضرورة تعديل هذا المنهج، وفق رؤية مستنيرة، وفلسفة تربوية تستهدف تنشئة متعلم مدرك لصحيح الإسلام وقيمه وغاياته وأحكامه وآدابه، وتدعم قدرات المتعلم على اكتساب التفكير المنهجي، وقيم التسامح والمسؤولية، وتحقيق التكامل في بناء شخصية المتعلم، معرفياً ومهارياً ووجدانياً وبدنياً، واجتماعياً، وترسيخ قيمة العبادة، بمعناها الشامل، كهدف أساسي في المنهج، وربط هذه القيمة، بمنظومة متكاملة من القيم الفردية والجماعية (مثل قيم الصدق والتعاون والعدل واحترام رأي الآخر ومعتقده، والمسؤولية والاستقامة والرحمة والعمل ونبذ الغلو والتعصب، والتطوع والشورى والديمقراطية... إلخ. وبدأت عجلة التطوير بالدوران بدءاً من عام 2002، وشكلت لجان لتأليف المنهج، حسب المراحل المختلفة، وتمت مراجعة المناهج القديمة، والتفكير في كيفية تجاوز السلبيات فيها، بما في ذلك أساليب التلقين والوعظ المباشر وضعف الانسجام بين مكوناتها، وتم تطبيق المناهج المطورة للصفوف الثلاثة الأولى الابتدائية في مدارس الدولة بدءاً من عام 2004، وبعد ذلك تمت مراجعة الكتب المطورة، وجمعت ملاحظات الميدان، وحذفت بعض التطبيقات، وصححت أخطاء، وعُدِّلت نصوص حتى عام 2009. والآن.. لدينا منهاج للتربية الإسلامية، يضم 24 كتاباً والتي أتيحت لي فرصة مراجعتها مؤخراً، ومناقشة بعض المعنيين بهذا الأمر، في أهداف هذا المنهج المطور، وأسس بنائه ومرتكزات التطوير، والمصادر المعرفية والقيمية لمكونات هذا المنهج. ولعل من أبرز ملامح التطوير، هو تدريب المتعلم على كيفية تمثل منظومة القيم.. وليس مجرد توصيل كم معين من المعلومات عنها، فضلاً عن تحفيز المتعلم على الاستزادة منها من خلال التعلم الذاتي والتعاوني. كما تميزت هذه المناهج المطورة باستخدام الأسلوب القصصي في عرض القيم مثل قيمة التسامح، وكذلك أسلوب الحوار والمناقشة والربط بالواقع، وأسلوب حل المشكلات من خلال تقسيم المتعلمين إلى مجموعات، واستخدام وسائل الاتصال الحديثة، واستعراض نماذج للتسامح الفكري والمذهبي، واستخدام استراتيجية العصف الذهني لتنمية قدرات المتعلم وتنمية ثقته بنفسه، وإضفاء روح الإثارة والتحدي على جو الدرس. وتشير الوثيقة الوطنية لمنهج التربية الإسلامية إلى أسس بناء هذا المنهج، والتي من أهمها، تقديم الإسلام برؤية متوازنة معتدلة لقضايا التعامل مع الآخر ومع المرأة، والسعي إلى تنشئة إنسان يحمل قيماً إيجابية، ويسلك سلوكاً حضارياً، ورؤية واعية مستنيرة للكون والإنسان والحياة، وقبل ذلك، بناء إنسان يعبد الله، وترسيخ قيم العبادة بمعناها الشامل في عقل ووجدان وسلوك المتعلم، وتعزيز قيم الانتماء والهوية ومفاهيم الإحسان والاستقامة والرحمة، والكسب الحلال وطلب العلم ونشره، وبناء أسرة متحابة ورعايتها، وباعتبار أن هذه القيم هي بمثابة عبادة. كما تؤكد الوثيقة الوطنية على أهمية توثيق صلة المتعلم بالقرآن الكريم والحديث الشريف والمعرفة بالشريعة، وتعميق صلة المتعلم باللغة العربية وثقافتها، باعتبارها من أهم مرتكزات بناء الهوية. ومن بين الأهداف العامة لهذا المنهج المطور، بناء عقلية ونفسية مشاركة ومؤثرة في مجتمعها، وتنشئة متعلم قادر على إدراك التنوع البشري والعرقي والديني والمذهبي، وعلى ضرورة هذا التنوع، كسنة من سنن الله في الكون، والتعامل مع المختلف بحسن التعامل. كما يهدف هذا المنهج المطور، إلى تنمية العقلية النقدية الباحثة دوماً عن الحقيقة والحكمة، والمدركة لتجربة الإنسان المسلم في الزمان والمكان. محاور وتشمل محاور منهج التربية الإسلامية، ما يلي: المحور الأول: قيم الإسلام وغاياته، ويشمل العبادة والقيم. المحور الثاني: أحكام الإسلام وآدابه: ويشمل الشريعة والتهذيب والمحبة وغيرها. المحور الثالث: الوحي الإلهي: ويشمل القرآن والسنة النبوية. المحور الرابع: العقلية الإيمانية: ويشمل الإيمان والرحمة والعقلية المنهجية. المحور الخامس: السيرة والشخصيات: ويشمل نماذج الاقتداء والأسوة الحسنة. المحور السادس: الهوية والانتماء: ويشمل اللغة والثقافة ودوائر الانتماء. المحور السابع: الإنسان والكون: ويشمل قضايا الكرامة البشرية والتسامح والبيئة. مخرجات تم توزيع مفردات منظومة القيم في منهج التربية الإسلامية وفق ترتيب وتتابع من الصف الأول حتى الصف الثاني عشر، وبما يتناسب مع عمر المتعلم واستيعابه: في الصف الأول: من التعليم الأساسي يتوقع المنهج ان يكون التلميذ قد تعلم قيم الصدق والرحمة واحترام الكبير وفهم معنىً مبسطاً للتسامح على شكل قبول «مشاركة اخرين في ألعابه». ومسامحة من يسيء إليه ومفهوم الاعتذار. وفي الصف الثاني: يتعرف التلميذ على قيم المحبة والألفة والشكر والقول الحسن والأمانة والتعامل مع الجيران ومحبة الخير للآخر وتجنب العنف معه والثقة بالنفس وبعض آداب الإسلام. وفي الصف الثالث: يتوقع المنهج أن يكون التلميذ قد تعلم قيم بر الوالدين والتعاون ورعاية الفقير والضعيف (قيم التراحم وصلة الرحم) وقيم التسامح بمعنى «العفو عمن يخطئ في حقه» والرفق وحسن الخلق وحقوق الجار... إلخ. وفي الصف الرابع: جرى تطوير في الفكر وفي مساحة الكلمة وزيادتها على مساحة الصورة وتركيز أكثر على مسألة القيم وأن الدين المعاملة. وقيم طلب العلم (عبادة) وكذلك معاملة الناس بالطيب (عبادة) والوفاء بالوعد. وعدم الغش وقيم الصدق مع النفس والمحافظة على المرافق العامة وساحة المدرسة وقدمت الهوية هنا على أساس أنها تعني حب الوالدين وطاعتهما، واحترام المعلم والدعوة إلى قيم الصبر والنظر والتساؤل ونفع الناس والعدل معهم. وفي الصف الخامس: قدمت قيم الرحمة والانتصار للحق والتكافل والتعاون والكرم وشكر النعم وعدم الإسراف... إلخ. وفي الصف السادس: قدمت للتلميذ مجموعة من القصص القرآنية التي تحث على الصبر وحقوق المسلم وواجباته وإشارة إلى المؤمن القوي من خلال ممارسة الألعاب الرياضية. وفي الصف السابع: توقع المنهج أن يكون التلميذ قد تعلم قيم العمل والتواضع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتدبر والتفكر والشجاعة والدفاع عن الفقراء وقيم تذوق جماليات الخط العربي والانتماء للامة الإسلامية والتعاون والاعتدال في استخدام الماء. وفي الصف الثامن: توقع المنهج أن يكون التلميذ قد تعلم قيم الإخلاص في العمل والقول وطلب العلم ومجالسة العلماء وأعمال العقل وعدم المجاهرة بالذنب والاعتزاز باللغة العربية والغيرة على الإسلام والمحافظة على البيئة النباتية. وفي الصف التاسع: طرحت قيم العمل اليدوي وكراهية النفاق وتقدير جهود الإمارات في معالجة مشكلة الفقر في العالم الإسلامي (الهوية والانتماء) وقيم احترام حرية الاعتقاد والمحافظة على البيئة الطبيعية. وفي الصف العاشر: وهي المرحلة التمهيدية لدخول الجامعة، والتي يدخل فيها التلميذ مرحلة انتقالية تمهد لحياة اجتماعية مختلفة، ويركز فيها المنهج على مهارات فكرية وعقلية، تراعي ارتقاء خبراته، وتمكنه من تعزيز مواصلة تعلمه الذاتي، وفي هذه المرحلة يفترض ان يكون الطالب قد استوعب قيم الإسلام، وأدرك جماليات الكون، واستشعر أهمية المحافظة عليه، وتعلم الكثير من مجالات العبادة والأخلاق والأحكام وبخاصة مفاهيم الجهاد المتعددة (وبخاصة الجهاد في عمارة الأرض وطلب العلم وجهاد النفس والهوى)، وقيم اجتناب الرذائل والقبائح، وحقوق أهل الكتاب ومحاربة الإسراف والتبذير والفساد الاستهلاكي، وتمثَّل قيم الوسطية في الإسلام، واحترام الكرامة الإنسانية لكل إنسان دون النظر إلى عقيدته أو عرقه أو لونه، وقيم الحقوق الإنسانية بشمولية وعالمية إضافة إلى قيم التسامح. وفي الصف الحادي عشر: قدمت القيم كجزء من عناصر الشخصية الإيمانية مثل: الشورى الأسرية والاجتماعية، وقيم آداب الحوار والنقد في حياة الفرد والجماعة، وقضايا المساءلة والشفافية وحرية الرأي، وآداب التعامل مع غير المسلمين في السلم والحرب والتعاون في خير الإنسانية. وقيم التسامح والإنصاف والعدل في القول والفعل عند وقوع الاختلاف والتعامل مع الآخرين. وفي الصف الثاني عشر: قدم المنهج قيم المسؤولية الفردية والجماعية وارتباطها بقيم الحرية والأسرة كأساس للمجتمع وقيم العدل والمساواة والوفاء بالعهود، وقيم طلب العلم وآدابه وتقدير قيمة العقل في قضايا الإيمان والعقلية الاجتهادية والتسامح الديني. ملاحظات هناك عدد من الملاحظات على المنهج المطور للتربية الإسلامية، أولها: تطرق المنهج إلى المذاهب السنية الأربعة فقط، رُغم أن مجمع الفقه الإسلامي أقر بوجود ثمانية مذاهب، والأربعة الأخرى هي (الجعفرية والظاهرية والأباضية والزيدية) واعتبر أن أتباعها هم مسلمون، وقد علمت أنه تم شطب هذه المذاهب الأربعة الأخيرة، من المنهج بعد طباعته، وكانت قد قُدمت للمتعلم في إطار من التعريف بها، مع الإشارة إلى أن أتباعها «لا يعترفون إلا بالأحاديث المروية عن رُواتهم». أما الملاحظة الثانية فتخص (محور الهوية والانتماء)، إذ كان حديث المنهج عن الوحدة الإسلامية والأمة الإسلامية ومقوماتها طاغ تماماً، ولم أجد موضعاً يتحدث عن الأمة العربية والوحدة العربية ومقوماتها، رغم الإشارة إلى أهمية الاعتزاز باللغة العربية. وأما الملاحظة الثالثة فتتمثل في غياب أية سيرة في (محور نماذج الاقتداء)، عن أي من علماء المسلمين المبدعين في مجالات العلم والفلك والرياضيات والكيمياء والفلسفة.. إلخ، مثل الرازي وابن سينا والفارابي وابن رشد والإدريسي وجابر بن حيان وابن الهيثم والخوارزمي وغيرهم، إن غياب هؤلاء عن نماذج الاقتداء قد يعطي الانطباع لدى المتعلم، أن الإسلام والعلم لا يلتقيان. وثمة ملاحظة رابعة (في محور الثقافة واللغة) وهي: حضر في المنهج الخط العربي وشيء من العمارة الإسلامية ورسوم المصحف الشريف، وغابت عنه قيم أخرى مهمة، لتنمية الذائقة الجمالية للتلميذ، كالفنون الجميلة والتذوق الموسيقي والفنون التشكيلية، والتي تشكل أداة لحفظ الحقيقة العلمية والتاريخية، وقد اعتبرها الإمام محمد عبده «فن راق وضروري للارتقاء بذوق الإنسان وتهذيب النفس». وحينما نطيل النظر في جمال الأرض والكون والخلق، نسبح بحمدالله على بديع صنعته. ويبدو أن هذه المسألة لم تخطر على بال لجان تأليف المنهج، لأنه كما قيل لي، «كان المناخ السلفي في ذلك الوقت طاغياً». وتتعلق الملاحظة الخامسة باقتصار الحديث عن إسهامات الإمارات لنصرة قضايا المسلمين، ومساعدة الفقراء المسلمين.. وكان من المفيد والواقعي في آن، أن يذكر المنهج، أن المساعدات الإماراتية، كانت أيضاً إنسانية، وقُدمت لغير المسلمين في إفريقيا وآسيا وغيرها. والملاحظة السادسة والأخيرة هي وجود خطأ في رواية قيام اتحاد الإمارات، وفي الحديث عن «تسوية خلافات داخلية بين أبوظبي ودبي وقطر»، هذا الخطأ بحاجة إلى تصحيح عاجل، ومن المستحسن الاكتفاء بنبذة قصيرة عن قيام الاتحاد، باعتبار أن منهج التربية الوطنية يغطي هذه المسألة. أخيراً... من حقنا كمواطنين ومسؤولين وآباء وأمهات، أن نقيِّم مناهج التعليم، ونتساءل دوماً، هل اعتنت ببناء شخصية التلميذ، ونمَّت وجوده الذاتي، واهتمت ببنائه الفكري والنفسي والوجداني والعقلي؟ هل عملت على إنتاج متعلم فطن، قادر على التمييز، وحل المشكلات وممارسة المواطنة الصالحة، واكتساب مهاراتها ومعارفها وحقوقها وواجباتها؟ هل حضرت في هذه المناهج فكرة تمكين المتعلم من التعلم الذاتي؟ وهل نمَّت قدرات التلميذ ومعارفه وجسده وثقته بنفسه؟ هل شجعته على تذوق الفنون والموسيقى، والتساؤل والتفكير النقدي والتحليلي والحوار واحترام الخلاف؟ *** هذه تساؤلات مشروعة.. حتى لا ننسى بناء منظومة قيم الإنسان، ونتذكر قصة «سور الصين العظيم». تنمية العقلية النقدية الباحثة والتدرب على فعل الإنجاز والحوار والمشاركة هي المعيار الحقيقي لعملية التعلم ...................... تنمية الضمير المهني والأخلاقي هو المعيار الحقيقي لعملية التعليم وليس الامتحان «وشهادة التخرج» ..................... مناهج التربية الإسلامية تحتاج إلى اهتمام أكبر وأعمق من الدولة والمجتمع تجديداً وتطويراً ملاحظات على المنهج المطور الاقتصار على المذاهب السنية الأربعة فقط، والتركيز على الوحدة الإسلامية والأمة الإسلامية ومقوماتها وإغفال الحديث عن الأمة العربية والوحدة العربية ومقوماتها، غياب سير العلماء عن حوار نماذج الاقتداء، حضور الخط العربي والعمارة وغياب الفنون الجميلة والتذوق الموسيقي والفنون التشكيلية، وحصر إسهامات الإمارات في نصرة قضايا المسلمين ومساعدة الفقراء المسلمين.. رغم أنها تساعد غير المسلمين أيضاً، وجود خطأ في رواية قيام اتحاد الإمارات ينبغي تصحيحه بشكل عاجل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©