لا أحد ينسى الطيب

في أحد الأيام كنت متضايقة من إرهاق العمل، ومن ضغوط المنزل، فاستيقظت وكعادتي في الصباح الباكر، وانتهيت من ترتيباتي لأتوجه إلى سيارتي، عندما خرجت من بيتي رأيت ملامح فتى ليس بالغريب علي، ولكنني لم أدقق فيه لاستعجالي على دوامي، ركبت سيارتي وانتظرت السائق الذي كان يحادث الفتى، ثم دق علي السيارة ليقول لي: هذا الفتى يريد أن يحادثك ويسلم عليك! استغربت كثيراً، فلا أحد يأتي ليسلم علي في الصباح الباكر، المهم فتحت نافذة سيارتي وأطللت على الفتى، نعم لقد تذكرته، إنه فتى من أصحاب الهمم.. من ذوي الاحتياجات الخاصة، إعاقته: تخلف عقلي بسيط، كان تلميذاً وطالباً عزيزاً علي، هذا الفتى وبعد سنين من تخرجه في مركز ذوي الإعاقة لم ينس المعاملة الطيبة مني ومن معلماته، فجاء اليوم ليلقي التحية ويسأل عن أحوالي وأموري الحياتية، حتى تكررت زياراته لعملي والسؤال عني وعن معلماته. تأثرت كثيراً من زيارته، وتبدل حزني الذي كان يلوح في وجهي إلى ابتسامة أمل مشرقة، تخبرني بأن الدنيا بخير، وما زال هناك من يذكرنا ويشكر لنا، الحمد لله. إن سؤاله عني أغلى علي من الدنيا كلها، لأن قدومه في صباح ذلك اليوم وفي الجو الحار برهن لي على أن ذوي الاحتياجات الخاصة أبناء تفخر بهم الجبين مهما كانت إعاقتهم، لأنهم تغلبوا على كثير من الأسوياء في كثير من الأمور، أهمها شكر الناس ولو بالشيء البسيط، فالحمد لله على أن هناك أناساً طيبون يثنون على الآخرين. تيقنوا وتأكدوا أنه على الرغم من جحود العديدين في هذه الدنيا، يبقى هناك أناس طيبون يحمدون صنيعك، ولا ينسون الطيب أبداً.