الخميس 2 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

المنافقون يأمرون الناس بالبر ولا يفعلونه

26 يوليو 2018 21:34
أحمد محمد (القاهرة) كان الرجل من يهود أهل المدينة، يقول لصهره ولذوي قرابته ولمن بينهم وبينه رضاع من المسلمين، أثبت على الدين الذي أنت عليه، وما يأمرك به هذا الرجل، يعنون النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أمره حق، فكانوا يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه، فأنزل الله تعالى قوله: «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون»، «البقرة: 144». قال القرطبي، هذا استفهام التوبيخ، والمراد في قول أهل التأويل، علماء اليهود، قال ابن عباس، كان الأحبار يأمرون مقلديهم وأتباعهم باتباع التوراة، وكانوا يخالفونها في جحدهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وكان الأحبار يحضون على طاعة الله، وكانوا هم يواقعون المعاصي، وقالت فرقة كانوا يحضون على الصدقة ويبخلون. قال ابن كثير، يقول تعالى: كيف يليق بكم، يا معشر أهل الكتاب، وأنتم تأمرون الناس بالبر، وهو جماع الخير، أن تنسوا أنفسكم، فلا تأتمروا بما تأمرون الناس به، وأنتم مع ذلك تتلون الكتاب، وتعلمون ما فيه على من قصر في أوامر الله. وقال ابن جريج: أهل الكتاب والمنافقون كانوا يأمرون الناس بالصوم والصلاة، ويدعون العمل بما يأمرون به الناس، فعيرهم الله بذلك، فمن أمر بخير فليكن أشد الناس فيه مسارعة. والغرض أن الله تعالى ذمهم على هذا الصنيع ونبههم على خطئهم في حق أنفسهم، حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له، بل على تركهم له، فإن الأمر بالمعروف واجب على العالم، ولكن الواجب والأولى بالعالم أن يفعله مع أمرهم به، ولا يتخلف عنهم، فكل من الأمر بالمعروف وفعله واجب، لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قول العلماء من السلف والخلف، وعن أنس بن مالك، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مررت ليلة أسري بي على قوم شفاههم تقرض بمقاريض من نار، قلت: من هؤلاء؟ قالوا: خطباء من أهل الدنيا ممن كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون»، وعن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من دعا الناس إلى قول أو عمل ولم يعمل هو به لم يزل في ظل سخط الله حتى يكف أو يعمل ما قال أو دعا إليه». وقال محمد رشيد رضا في «المنار»، الكلام موجه إلى بني إسرائيل وقد ذكّرهم الله بنعمته، وأمرهم بالوفاء بعهده، وأن يرهبوه ويتقوه وحده، وأن يؤمنوا بالقرآن، ونهاهم أن يكونوا أول كافر به، وأن يشتروا بآياته ثمنا قليلا، وأن يلبسوا الحق بالباطل ويكتموه عمدا. وكانت اليهود في عهد بعثته عليه الصلاة والسلام قد وصلوا في البعد عن جوهر الدين إلى هذا الحد، يتلون الكتاب تلاوة يفهمون بها معاني الألفاظ، ويجلون أوراقه وجلده، ولكنهم ما كانوا يتلونه حق تلاوته، وما كانوا يبينون من الحق إلا ما يوافق أهواءهم وتقاليدهم، ولا يعملون بما فيه من الأحكام، إلا إذا لم يعارض حظوظهم وشهواتهم. ووبخ الله هؤلاء القوم على أنهم كانوا يأمرون الناس بالبر كالأخذ بالحق ومعرفته لأهله، وعمل الخير والوعد عليه بالسعادة مع الغفلة عن أنفسهم وعدم تذكيرها بذلك، وما أجمل التعبير عن هذه الحالة بنسيان الأنفس، فإن من شأن الإنسان ألا ينسى نفسه من الخير ولا يحب أن يسبقه أحد إلى السعادة، ألا يوجد فيكم عقل يحبسكم عن هذا السفه؟.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©