الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

نينغشيا تجربة صينية في «صنع المستحيل»

نينغشيا تجربة صينية في «صنع المستحيل»
22 يوليو 2018 23:14
عمر الأحمد (نينغشيا) تعيش الدول تجارب عديدة في مواجهة تحدياتها وصعوباتها، بعض حكوماتها تقف عاجزة لا تستطيع تغيير الواقع، أو حل هذه المعضلات، وبعضها تقف بشجاعة باحثة عن حل لمواجهة التحديات مهما كان التحدي صعباً، أو يكاد يكون مستحيلاً، كما أن تغيير الواقع أصعب تلك التحديات. ولإقليم «نينغشيا» الصيني تجربة في صنع المستحيل، ومواجهة التحدي وتجاوز الصعوبات، وانتشال الشعب من دوائر العجز والفقر إلى بحبوحة الحياة الحديثة والرغيدة، وتغيير الواقع المحتم بالإرادة والعزيمة والإصرار والرغبة الحقيقة في خدمة البشرية، وتغيير مسار الحياة إلى حاضر بهي ومستقبل مشرق ومتفائل. «الاتحاد» زارت الإقليم الصيني، وتعرفت عن كثب إلى تجارب مقارعة صعوبات الحياة الطبيعية، وصنع واقع أجمل يخدم المجتمع، وشاهدت طرق مواجهة الصعوبات، وتحويل الصحراء إلى واحات خضراء، كما زارت أهالي الإقليم، واستمعت إلى شرحهم المفصل عن التغييرات التي انتشلتهم من حياة معدمة وسط الجبال إلى مدن حديثة ببنىً تحتية متطورة، كما تعرفت إلى تجارب مكافحة الفقر، والتي يعد فيها الإقليم إحدى النماذج الرائدة، وزارت معلماً تاريخياً دينياً بعمر الـ 500 عام، وصرحاً شاهداً على التسامح والتعايش اللذين تعيشهما جمهورية الصين الشعبية بمختلف أديانها وأعراقها. وتعرفنا من خلال الزيارة إلى أبرز المقومات التي جعلت إقليم «نينغشيا» إحدى البوابات الرئيسة لمشروع «الحزام والطريق». حقائق يقع إقليم نينغشيا غرب الصين، ويعد أحد الأقاليم ذاتية الحكم الـ 5، قومية «هوي» المسلمة، الأكبر في الإقليم الذي شهد تحولاً كبيراً في المجال الاقتصادي، لتنفتح على العالم في مجال الزراعة والصناعة والاستيراد والتصدير، خاصة مع دولة الإمارات، حيث أكدت باي يوزين نائب مدير إدارة الشؤون الخارجية لمقاطعة نينغشيا، أن الإمارات تعتبر السوق الأكبر بالنسبة لـ «نينغشيا» في تصدير البضائع، خاصة الإطارات والمجوهرات والأقمشة، مشيرة إلى أنها نتيجة لسياسة الانفتاح في السنوات الأخيرة نحو دول الشرق الأوسط، والتي شهدت تطوراً كبيراً وملحوظاً على مستوى العلاقات والشراكات الاستراتيجية بين الإمارات والصين. وأضافت أن المقاطعة تستورد بالمقابل من الإمارات عدة بضائع أهمها التمور والمكسرات، كما أشارت إلى أن إدارة المنطقة أقامت علاقات مع الإمارات والسعودية ومصر عام 2017، وبلغت قيمة الاستيراد والتصدير بين الطرفين مليار ين صيني. وقالت يوزين: «شراكتنا مع الإمارات تشعبت في عدة مجالات منها شركة ياوتا للكيماويات، وإنشاء حديقة صناعية للمأكولات، والتي سترى النور قريبا، بالإضافة إلى مجالات السياحة والمطاعم والفنادق، والشراكات الاستثمارية والثقافية». وفي مجال النقل الجوي، عززت «طيران الإمارات» عام 2016 التزامها نحو جمهورية الصين الشعبية بإطلاق خدمة جديدة إلى ينشوان «مطار إقليم نينغشيا» وجيانجو، اللتين تعدان من أسرع المدن نمواً في منطقة الغرب الأوسط في جمهورية الصين الشعبية، وبذلك يرتفع عدد محطات طيران الإمارات في البر الصيني إلى خمس مدن، بما في ذلك العاصمة بكين وشنغهاي وجوانزو. تجربة فريدة وقفت «الاتحاد» وسط صحراء تسمى «بايجيان» التي تشبه كثيراً الصحارى العربية، وذلك بعد مضي ما يقارب الساعة في الطريق المؤدي إليها، حيث تعد تلك الصحراء من أكبر الصحارى المتحركة في الصين وتبلغ مساحتها نحو 40 ألف كيلومتر مربع، لتشاهد مساحة خضراء في قلب الصحراء كأنها لوحة فنية رسمت بشكل هندسي، ليعرج رئيس مصلحة منظمة الغابات في حكومة المقاطعة، وانغ شيني دونغ من المركبة التي كانت تتقدم الحافلة، وبدأ حديثه باللغة الصينية واقفاً على قمة تل رملي موجهاً إصبعه على المساحة خضراء خلفه، لتبدو علامات الاستفهام واضحة على أوجه الوفد الإعلامي. نطق المترجم مبتدئاً حديثه بالتحديات التي تواجه حكومة المقاطعة في مواجهة بعض الحوادث الطبيعية التي تهدد سير الحياة لدى الشعب، منها التصحر وتحرك الصحراء تجاه المناطق المأهولة بالسكان، وتهديدها للبيئة الزراعية حول «النهر الأصفر»، والذي يعد أبرز المعالم الطبيعية للإقليم وللصين بأكملها، كما أن ندرة مياه الأمطار بسبب جفاف الصحراء إحدى المشاكل التي تواجه هذه الصحراء والمناطق المحيطة به، وقال:«هاي هي الحكومة المحلية بدأت بزراعة هذه المساحات منذ 4 سنوات لمحاربة التصحر ووقف زحف الرمال نحو المناطق الزراعية، حيث إنها تبعد عنها بنحو 20 كيلومتراً، وحماية البيئة المحيطة بالنهر الأصفر، بالإضافة إلى توفير فرص عمل ودعم موارد الدولة عن طريق هذه المزروعات ومحاولة لاستعادة الحياة الأصلية للمنطقة الصحراوية، والتي كانت خضراء ومفعمة بالحيوية منذ 1500 عام، لتضرب الحكومة المحلية بذلك عدة عصافير بحجرٍ واحد. وأشار إلى أن صحراء بايجيان يتم زراعتها يدوياً عن 3000 فلاح بشكل يومي يعيشون في مناطق قريبة، بتكلفة 2000 ين لكل كيلومتر مربع، لافتاً إلى عدم استخدامهم للأجهزة المتطورة، نظراً لصعوبة وصولها إلى هذه المناطق، كما أن استخدام الطائرات يعوقه تقلبات الأحوال الجوية. ورداً على سؤال أحد الإعلاميين حول نقل التجربة للدول العربية. ذكر رئيس مصلحة منظمة الغابات في حكومة المقاطعة، أن الحكومة الصينية أنشأت أنشأت الأكاديمية الصينية في العام 1953 مركزاً للتحكم ومكافحة التصحر في بايجيتان. وأضاف أن الدول العربية وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة تسعى لنقل هذه التجربة إليها، بالإضافة إلى توافد طلبة من دول عربية أخرى سنوياً لدراسة هذا المشروع ونقله إلى دولهم. وانتقل الوفد الإعلامي من هذه المنطقة إلى في وسط الصحراء، حيث ذكر وانغ شيني دونغ أن المناطق الصحراوية التي تتم زراعتها حالياً ستكون شبيهة بهذا المنتجع بعد انتهاء المشروع. مكافحة الفقر في مجال مكافحة الفقر، تعتبر مقاطعة «نينغشيا» نموذجاً رائداً في هذا المجال نظراً لمساعيها الحثيثة في تنمية الموارد البشرية وتوفير فرص العمل وتعزيز دخل الفرد، حيث ذكر المسؤول المختص في هذا الملف، أن إحصائية تشير إلى بلوغ عدد الفقراء عام 1983، 3 ملايين و300 ألف، إلا أن الحكومة المحلية خفضت من خلال مبادراتها وخططها، عدد الفقراء إلى 230 ألف نهاية العام الماضي، مشيراً إلى أن الخطة تمتد إلى عام 2020 ليتم التخلص من الفقر تماما، استنادا على عدة آليات منها توفير فرص عمل وتشجيع الصناعات المحلية وتطوير الأنشطة الاقتصادية وتحفيز المؤسسات عن طريق رصد جوائز قيمة للمؤسسة المساهمة بشكل فعال في مكافحة الفقر. شهادات على التحول من خلال جولتها في أرجاء مناطق مقاطعة نينغشيا، زارت «الاتحاد» أهالي قرية «منين،» والتي تم استحداثها لنقل أهالي القرى الجبلية في المقاطعة إليها وتزويدهم ببيوت جديدة، وذلك ضمن مبادرات الرئيس الصيني شي جي بينغ، لحماية الأهالي من الكوارث الطبيعية التي كانت تحيط بالقرية الجبلية، وليتمكنوا من الحصول على الخدمات المتطورة للكهرباء والمياه والصرف الصحي والإنترنت، وغيرها من الخدمات الحديثة التي يحتاجها الأهالي الذين يبلغ عددهم 10 آلاف و500 فرد، يعمل غالبيتهم في الفلاحة، وذكر «هاو كو باو» (62 عاما)، أن الخدمات الحديثة سهلت من طريقة معيشتهم، وذلك من خلال توافر الخدمات الحديثة لهم. وأضاف أن دخله تضاعف 3 مرات مقارنة بالدخل الذي كان يجنيه في قريته الجبلية السابقة، مشيراً إلى تعدد دخله الذي يجنيه حالياً من الزراعة ووظيفته التي يجني بها من خلال عمله في شركة لتوليد الكهرباء. وقال: «نحن أسرة مكونة من 7 أفراد، نعيش في بيتنا الجديد الذي سكناه منذ ما يقارب 6 سنوات، حيث كنا نعيش في القرية القديمة التي كنا نعاني فيها من ويلات كوارث الطبيعية». كما زارت «الاتحاد» منزل «ما شي لا باشا» (57 عاما) والذي يعيش من 4 من أفراد أسرته، حيث ذكر أن الحياة السابقة في القرية الجبلية كانت صعبة للغاية تتخلها الكثير من التحديات منها مواجهة الكوارث الطبيعية، والتي لا يمكن حلها إلا بالتحرك تجاه قرى جديدة. محاربة «البيروقراطية» زرنا خلال الجولة مجمعاً لحكومة المقاطعة، يضم بين جدرانه مركزاً للتحكم في المدينة يعالج الازدحامات البشرية والمرورية، ويقيس نسبة التلوث في الجو بالإضافة إلى درجات الحرارة والرطوبة، كما يقوم بتفحص جميع الأشخاص الداخلين للمركز عن طريق كاميرا مراقبة خارجية، ويقوم بعملية مسح لهم للتعرف إليهم، وإلى سجلاتهم لحظة دخولهم المبنى. كما يضم المبنى مركزاً للخدمات الحكومية الذكية، حيث يقدم 140 خدمة حكومية ذكية منها الخدمات التي تقدم للمستثمرين بطريقة مبسطة كـ «الختم الذكي»، والذي يستخدمه المستثمرون لتسهيل إتمام معاملاتهم، بالإضافة إلى خدمات أخرى كالضمان الصحي، وتجديد بعض الوثائق الحكومية. وذكرت إحدى المشرفات التي كانت تشرف على الجولة في المركز، أن الحكومة تخلصت بفضل هذه الخدمات الحكومية الذكية من الأختام، وتم تقليصها إلى 60 ختما، بعد أن كانت تحتاج إلى 600 ختم لإتمام المعاملة، لتتفادى بذلك «البيروقراطية» وروتينية المعاملات، والتي تعطل مصالح الأفراد والشركات. إرث وتعايش تعد الصين إحدى النماذج الآسيوية الريادية في تعدد الأعراق والديانات في رقعة يسودها التسامح والتعايش والتناغم بين أطياف الشعب الصيني، حيث زارت «الاتحاد» مسجداً في بلدة يونغ نينغ التابعة للمقاطعة يصل عمره إلى 5 قرون، بُني على الطراز الصيني التقليدي، يتسع لـ 1000 مصلٍ، ويضم غرفة اجتماعات ومكتباً، و«بيت الاعتكاف» و108 أعمدة، بالإضافة إلى معرض للصور. وذكر إمام المسجد يوسف علي أن المسجد يستقبل ما يقارب 500 مصلٍ يومياً، وأشار إلى أن الحكومة المحلية من خلال إدارة مصلحة الأديان تقدم الدعم الكامل للقائمين على المسجد عن طريق صرف رواتب ومخصصات لهم وللعناية بالمسجد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©