السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

«عملية البحر الأحمر» إبداع صيني يحبس الأنفاس

«عملية البحر الأحمر» إبداع صيني يحبس الأنفاس
22 يوليو 2018 23:11
إبراهيم الملا (الشارقة) في أحد حوارات الفيلم الصيني، «عملية البحر الأحمر»، المثير في ابتكاراته البصرية وبنيته الإخراجية، والمؤثر في محتواه الإنساني وبعده العاطفي، يقول أحد المجندين لصديقه قبيل اقتحام أرض المعركة: «هناك ما هو أهم من الحياة»، مؤكداً بذلك على أن التضحية هي سبيل ضروري أحياناً لامتلاك حياة مضاعفة، لأن التضحية تختزن معاني سامية عند تخليص الآخرين من محنتهم العصيبة، وعند إنقاذ الأبرياء المحاصرين وسط صراعات وحروب لا علاقة لهم بها. عرض الفيلم ضمن برنامج الأفلام في الأسبوع الإماراتي الصيني، وتصدّر عند عرضه في الصين شباك التذاكر، وسط منافسة قوية مع عروض صينية أخرى لافتة، باتت تفصح عن التطور الكبير للنتاجات السينمائية الصينية مؤخراً، ما يشير لقفزة نوعية ملحوظة ومتميزة مقارنة بأفلام الحركة والإثارة في السينما الأميركية المهيمنة على صالات العرض حول العالم. نحن هنا مع فيلم متفرد بمقاييسه الإنتاجية وقدرته التنافسية، فيلم يثبت أن السينما الصينية مقبلة على ازدهار غير مسبوق سواء فيما يتعلّق بضخامة الإنتاج، أو بجودة التقنية في مجالات التصوير والمؤثرات السمعية والبصرية وقوة الأداء التمثيلي وتماسك السيناريو والرونق الإخراجي الملم بأدق التفاصيل الفنية وأكثرها تعقيداً وإبهاراً أيضاً. سواحل الصومال يبدأ فيلم «عملية البحر الأحمر» بمشهد اقتحام قراصنة بحريين لسفينة تجارية صينية قبالة السواحل الصومالية، والتي سرعان ما يتم إنقاذ طاقمها من قبل سلاح البحرية الصينية بعد مواجهة شرسة مع المعتدين داخل السفينة ووسط الأمواج، تنتهي المواجهة بالقضاء على القراصنة الصوماليين، وخسارة البحرية لأحد جنودها المميزين والذي يتم إخفاء خبر موته عن الجنود حتى لا تؤثر الحادثة على معنوياتهم، خصوصاً أنهم مقبلون على مواجهة أكبر ضد إرهابيين أكثر تنظيماً وتمرّساً على الشاطئ المقابل، وتحديداً في اليمن التي تعمها الفوضى بعد الثورة ودخول عناصر إرهابية إلى مدينة عدن في العام 2015، حيث تقوم هذه العناصر بمحاصرة الجاليات الأجنبية المقيمة هناك، ومن ضمنها مئات الأفراد العاملين في السفارة الصينية وفي المكاتب التجارية التابعة لثلاثين شركة صينية. طاقة انتقام تتسلل وحدة (جياولونغ) من قوات النخبة التابعة للبحرية الصينية إلى الأراضي اليمنية قرب ميناء عدن، وترافقهم الصحفية الصينية: سيا نان (الممثلة هاي كينغ) والتي تخنزن طاقة انتقام عميقة في دواخلها بعد أن ذهب زوجها وابنها الوحيد ضحية لعملية تفجير إرهابية في العاصمة البريطانية لندن، وبعد تعرضها هي شخصياً لمحاولة اغتيال بعد نشرها لتحقيقات حول زعماء الحركات الإرهابية وحول نواياهم السوداء لامتلاك تقنية إنتاج صواريخ فتّاكة وقنابل قذرة، ومن خلال مشاهد بانورامية وأخرى تفصيلية وجزئية يبدأ مخرج الفيلم (دانتي لام) في صياغة حالة محتدمة لسيناريو الكرّ والفرّ في مناطق محفوفة بالخطر، وبمعارك ضارية بين الجنود الصينيين وبين الإرهابيين الساعين لاختطاف أحد السفراء الأجانب الذي يمتلك أسرار صناعة القنبلة الصفراء، حيث يرمز اسم القنبلة لتقنية خطيرة تتعلق بإنتاج أسلحة ذات قدرة تدميرية فائقة. يشرع الفيلم وبإيقاع لاهث في تعقّب هؤلاء الإرهابيين المتوحشين، وتصوير المشاهد المؤلمة للضحايا والأسرى الذين تحتفظ بهم هذه الجماعات الدموية كدروع بشرية وكرهائن يمكن التفاوض حولهم لاحقاً. حرب شوارع يزخر الفيلم بمشاهد تحبس الأنفاس، خصوصاً عند اندلاع حرب الشوارع التي تضع جميع المقاتلين من الطرفين في حيّز خانق تتداخل فيه الصدامات المروعة مع التفجيرات الانتحارية وطلقات القنّاصة غير المرئيين، وسط إصرار كبير من قائد الجنود الصينيين على تحرير الرهائن مهما كلف الأمر، ما يقودهم لملاحقة الإرهابيين بعد ذلك في الصحراء المفتوحة وعلى المرتفعات الجبلية، وصولاً للقرى التي يسكنونها والمخابئ التي يحتفظون فيها بالرهائن، ورغم سقوط ضحايا كثر في هذه المواجهات، ورغم الخسارات المؤلمة، فإن الفرقة الصينية العسكرية تنجح في النهاية في تخليص عدد كبير من الرهائن وفي محاصرة الإرهابيين والعثور على الشيفرة السرية للقنابل القذرة، وأبان الفيلم عن قيمة الشعار الذي تبنّاه الجنود الصينيون وهو: «القويّ لا يقهر» حيث لم تستطع كل الظروف المعاكسة أن تضعف من عزيمة هؤلاء الجنود ورغبتهم في إثبات بسالتهم ومقاومتهم الداخلية والاعتزاز بوطنيتهم، كقيمة راسخة لا يمكن التنازل عنها أو التفريط بها. العيار الثقيل فيلم «عملية البحر الأحمر» هو فيلم من العيار الثقيل، ويتجاوز ما قدمه المخرج في فيلمه السابق الذي قدمه قبل عامين بعنوان: «عملية ميكونغ»، حيث استطاع في عمله الجديد أن يعرض مشاهد ملحمية ويصمم تفاصيل أرض المعركة بدقة عالية، ولم يهمل أية تفصيلة تتعلق ببيئة الحرب في مستوياتها الضارية والمرعبة، وقد يكون المأخذ الوحيد على الفيلم هو عدم إتاحته الفرصة للمونولوج الداخلي والحوارات الشارحة لمعاناة الجنود والأسرى كي تضيف بعداً إنسانياً أعمق وأوضح لما يدور خلف غبار الحرب، ويبدو أن الإيقاع السريع جداً للمعارك وتنوع البيئة التي احتضنت الأحداث المهولة أمام عين الكاميرا، وضعت المخرج أمام تحدٍ شخصي للذهاب بعيداً باتجاه الصورة اللصيقة بمأساة الحروب وكوارثها، صورة ستظل ماثلة كتذكار محطّم فوق خرائب الحرب وأطلالها، عندما تنعكس المعادلة ويتحول الإنسان في أقصى حالاته تطرفاً إلى نسخة شيطانية لا يمكن التعامل معها إلا بلغة الرصاص، وبالحوار الدامي، تمهيداً لفهم جديد للعلاقات البشرية، وعودة افتراضية ربما إلى ذلك الفردوس المفقود للأبد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©