الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

الألعاب الإلكترونية.. هوس الأبناء .. والأسرة «مكتوفة الأيدي»

الألعاب الإلكترونية.. هوس الأبناء .. والأسرة «مكتوفة الأيدي»
22 يوليو 2018 20:25
لكبيرة التونسي، أشرف جمعة (أبوظبي) كريم طفل عاشق كرة القدم إلى حدٍ كبير، ناجح في علاقاته من الآخرين، مميز في دراسته محب لأسرته ويبدي اهتماماً كبيراً بإخوانه الصغار، لكن عندما تعرف على ألعاب الفيديو، خاصة لعبة «فورت نايت»، وأصبح يمارسها ساعات طويلة، فانقلبت حياته، ولاحظ أبواه تغيراً كبيراً على سلوكه، حيث أصبح متشنجاً قليل الكلام، يفضل تناول الطعام بمفرده أثناء اللعب الذي يمتد إلى ساعات متأخرة من الليل، ناهيك عن الحديث والصراخ أثناء النوم، بالإضافة إلى رفضه الخروج واللعب مع أصدقائه بشكل حقيقي، مما دفع أبويه إلى إخفاء جهاز التحكم في اللعبة، فكانت النتيجة صادمة، حيث أصيب كريم بنوبة هستيرية من البكاء ونزول في ضربات القلب، ونقل على إثر ذلك إلى المستشفى. كريم واحد من 10 ملايين شخص قاموا بتحميل لعبة «فورت نايت» خلال أسبوعين فقط، والتي تم تسجيل مليوني شخص يلعبونها في الوقت ذاته، حيث يستغرق الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و15 سنة جل أوقاتهم في ممارسة ألعاب الفيديو، مما ينعكس سلباً على سلوك الأطفال وعلى حياتهم الاجتماعية، وقد نتجت بعض الحوادث الناجمة عن إدمان ألعاب الفيديو، خاصة «لعبة الحوت الأزرق، والفورت نايت» اللتين انتشرتا بشكل كبير بين الأطفال والمراهقين، رغم خطورتهما، إلى حد القتل والانتحار والجنون، ناهيك على اتسام سلوك الأطفال بالعدوانية وافتقاد الذكاء العاطفي، والفشل في بناء صداقات حقيقية والتخلف الاجتماعي. وحسب دراسات اجتماعية.. تكتفي بعض الأسر بالشكوى أو تقف «مكتوفة الأيدي» أمام تأثير ألعاب الصغار التي استولت على حياتهم، وجعلت الكثير منهم يفقد بهجة الحياة، ولذة الواقع كونهم يعيشون في عالمهم الافتراضي، وسط ضجيج النيران، وهم يوجهون مدافعهم نحو الهدف وفق معطيات اللعبة، فضلاً عن الحوار الشامت مع المجموعة التي يحارب ضدها، وهو يجتاز مستوى ليصل إلى آخر. وانتقدت إحدى الدراسات صمت الأسرة، ووصفتها بالمسؤولة عن تفاقم الأمر داخل البيت، وتبدل القيم وتحطم المفاهيم، ودعت إلى التفكير في حلول سريعة، حين يجد الأب أو الأم فجأة طفلهما غريباً وسط البيت، يطغى عليه سلوك عدواني، وينتقي كلمات ليس يعنيها فهي مستقاة من مادة الحوار مع أصدقاء اللعبة الذين هم من جنسيات كثيرة، لأن هذا المسلسل المرعب يرخي بظلاله على المجتمع، فكلما زاد إدمان الأطفال على ألعاب مثل Overwatch،Fortnite،Battlefield،Call of Duty، وغيرها زاد عنادهم ورغبتهم في الانعزال والجلوس ساعات طويل يأكلون ويشربون على الطاولة نفسها، ويلعبون دون ملل، فما الحل أو الحيلة التي بإمكانها أن تنهى هذا الدمار الذي يسبح كاللهيب في شجر الطفولة؟ الحكايات التي ترج القلب كثيرة لكن هل باستطاعة الآباء والأمهات أن يواجهوا طوفان الألعاب الإلكترونية المخيفة؟.. تدمير العلاقات الأسرية الدكتورة نسرين السعدوني، استشاري الطب النفسي ميديكلينيك بمستشفى النور، قالت إن عناصر الترفيه التي تحتوي عليها ألعاب الفيديو تجذب الأطفال وتوفر لهم أجواء من المتعة، كما تحتوي على عنصر العنف، وإن هذه الألعاب تعتبر حرباً داخل البيوت لأنها تدمر العلاقات الأسرية، فالعلاقة بين الإخوة تغيرت وأصبحت ضعيفة بفعل هذه الألعاب، حيث افتقد الطفل جانب الاستمتاع بالحياة الطبيعية بما فيها الجانب الاجتماعي، وانتقل من الحياة الواقعية إلى عالم افتراضي وأصدقاء غير حقيقيين، مما جعله يفتقد القدرة على حل المشاكل الحياتية، وأصبح معزولاً تنحصر حياته خلف الشاشة، تنقصه التجارب والثراء النفسي، مما سيخلف طفلاً هشاً، لا يتوفر على مناعة اجتماعية، قليل التركيز، وينعكس ذلك على التحصيل العلمي والبنية الجسمانية، وقد تظهر بعض الأمراض التي ترتبط بالجانب النفسي والتي تؤثر لا محالة على الجانب البدني أيضاً في المستقبل، وعادة ما ينجذب لهذه اللعبة الأطفال الذين ليست لهم القدرة على تكوين صداقات حقيقية، فيلجأ إلى هذا العالم الافتراضي لتكوين أصدقاء آخرين ليس لهم وجود. علامات الإدمان متى يتحول الطفل من ممارس لألعاب الفيديو أثناء وقت الفراغ إلى مدمن عليها؟، هذا ما أجابت عنه الدكتورة سمرا طاهر اختصاصية علاج نفسي للأطفال بالمركز الأميركي النفسي والعصبي: «لا توجد معايير محددة، حيث يختلف تأثير ألعاب الفيديو من طفل إلى آخر، فمثلاً: يمكن أن يلعب لفترة أطول فقط لكي يتفادى الشعور بالملل، إذا لزم الأمر، وإذا توفر له البديل المناسب، فإنه يتحلى بالمرونة اللازمة ليتوقف عن اللعب، وفي المقابل إذا أصبح الطفل لا يبدي اهتماماً بأي شيء عدا ألعاب الفيديو، ولا يرضيه أي شيء سوى الجلوس مطولاً أمام تلك الألعاب، فعلينا أن ندق ناقوس الخطر ونعتبر ذلك من علامات الإدمان، بالإضافة إلى ذلك، يصبح الطفل عصبياً، قلقاً، ومتوتراً عندما لا يستطيع استخدام ألعاب الفيديو، وهناك بعض الإشارات التي يمكن أن نلاحظها على المدمن لهذه الألعاب منها: «تعطل دورة النوم بشكل كبير، تغيير ملحوظ في زيادة أو نقصان الوزن، تقلب المزاج، لا يختلط اجتماعياً، لا يعترف بأنه يقضي وقتاً مطولاً أمام ألعاب الفيديو، شهية غير منتظمة، ضعف الأداء الأكاديمي. ألعاب الموت حازت لعبة باسم «الحوت الأزرق» شعبية واسعة بين أطفال العالم وأدت إلى الكثير من المشاكل.. الدكتورة سمرا طاهر فسرت الجانب النفسي المرتبط بتحدي هذه اللعبة، موضحة أنها محاولة لإيجاد الضحية المناسبة، وخلق رابط عاطفي بينه وبين اللعبة من خلال مجموعة من الخطوات الاستبدادية التي تتطلب من اللاعب أن ينهيها لكي يتقدم في اللعبة، آملة من اللاعب أن يصل إلى الخطوة رقم 50، «اقفز من مبنى عالٍ. خذ حياتك». وقالت: لا أفهم ما الذي سيجنيه مطور هذه اللعبة؟ سوى التلاعب واستغلال الآخرين الذي يخفيه باستعمال المكافآت والإنجازات للتقدم في التصنيف العام للعبة.، فمن وجهة نظري، عندما يقوم اللاعب بتحقيق العديد من الرغبات في الحياة، سيشعر أنه لا داعي من الاستمرار في العيش. الحب والتفاهم أما الدكتور محمد الجارحي استشاري الطب النفسي، فأوضح أن ألعاب الفيديو بشكل عام تعزز العنف، بينما تسبب الإدمان إذا استغرقت ممارستها وقتاً طويلاً على حساب الدراسة والهوايات.. وأشار الجارحي رئيس وحدة معالجة الإدمان بمدينة الشيخ خليفة الطبية إلى أن ألعاب الفيديو والكمبيوتر بشكل عام تكاد تلغي الجانب الاجتماعي في حياة ممارسيها، كما تشغلهم وقتاً طويلاً، وتقلل اهتمامهم بالدراسة والهوايات والألعاب الحركية وعلاقاتهم الاجتماعية بالآخرين، ولفت إلى أن من علامات إدمان الطفل على لعبة ما، شعوره بالقلق والضجر والملل وعدم الاستمتاع بأي شيء آخر عندما يضطر لترك اللعبة فترة معين، كما أنها تؤثر على سلوكه وعلى انتظام نومه، مشيراً إلى أن منظمة الصحة العالمية أكدت أن هناك اضطراباً نفسياً ناتجاً عن إدمان الطفل على الألعاب الإلكترونية، خاصة عندما ينغمس فيها ولا يستطيع التوقف، كما يتسم سلوكه بالعدوانية. وأكد أهمية الحب والتفاهم والحزم في الوقت نفسه دون انتقاد أو التقليل من الشأن ومن دون عنف، والسماح للطفل دون 14 سنة ممارسة اللعبة «ساعتين في اليوم» فقط، مع العلم أنه لا ينصح بإلغاء ألعاب الفيديو بشكل تام، على اعتبار ذلك وسيلة للضغط غير محببة. وقال إنه من الخطأ إدخال ألعاب الفيديو تحت مظلة الثواب والعقاب بالنسبة للأطفال، لأن بذلك تزداد قيمتها عندهم دون قصد، وشدد على ضرورة شغل أوقات الطفل بالرياضة والهويات وتوفير بدائل خاصة في الإجازة الصيفية. صدمة الابن الوحيد لا تخفي ميسون البياضي صدمتها من تصرفات ابنها الوحيد 12 عاماً كونه فور الانتهاء من ممارسة بعض الألعاب الإلكترونية القتالية يحرك جسده بعنف ويتجه نحوها ويمد ذراعيه بطريقة عدوانية وكأنه يمارس «الكاراتيه»، مشيرة إلى أنها تفكر حالياً في تقليص ساعات اللعب لكونه يتحجج بأنه في الإجازة الصيفية وأن من حقه أن يلعب كيفما يشاء، وأنها اهتدت إلى فصل النت عنه بعض الوقت بتعطيل شبكة الاتصال حتى تجد حلاً آخر. ولفتت إلى أنها تدرك أنها وبعض الآباء والأمهات لهم دور كبير في ارتباط الأبناء بالألعاب الإلكترونية التي تسهم في تدمير قيمهم لأنهم يريدون أن يستريحوا من ضجيجهم المنزلي فيطلبون من الأبناء الذهاب إلى ألعابهم هذه، وهم لا يدركون مدى خطورتها عليهم. يدمر أهداف أبيه نعمان خليل «مدرس»، يدرك خطورة العديد من الألعاب الإلكترونية على الأطفال في هذا العصر، خصوصاً أنها متوفرة على مواقع الإنترنت وأن الطفل بإمكانه أن يختار ما يشاء من ألعاب. وأشار إلى أنه بشكل شخصي يمارس ألعاباً إلكترونية، لكنه يلعبها مع الكمبيوتر فقط دون مشاركة أحد وهو ما يخفف من وطأتها عنده وأنه جرب ذات يوم أن ينافس ابنه خالد 11 عاماً في لعبة إلكترونية فاستطاع الطفل تدمير أهداف أبيه بشكل سريع، وهو ما جعله يدرك أن الجيل الجديد من الأطفال وصلوا إلى حد الاحتراف في التعامل مع مثل هذه الألعاب، ويبين أن الخطورة في ممارستها كبيرة، خصوصاً أن طفله أخذ «البطاقة الائتمانية» الخاصة به واشترى خلال أسبوع واحد بنحو 2000 درهم ما يزيد من قدراته القتالية وتدمير من حوله وفق معطيات اللعب وأنه وجد أن سلوكه في تغير، فهو يحتد ولا يعبأ بأية محاذير، موضحاً أنه أصبح يفكر في كيفية تغيير مجرى الأمور بخاصة أنه هو السبب في تعلق طفله بالألعاب التي تحولت مع مرور الأيام إلى كابوس مؤلم. «ذئاب» تتربص بالفريسة حول تأثير الألعاب الإلكترونية على الصغار يقول أحمد الزرعوني خبير تكنولوجيا المعلومات: هناك محاور كثيرة تلخص الواقع الجديد الذي نعيشه مع ألعاب الصغار التي أصبحت جزءاً رئيسياً من طفولتهم وحلقة وصل غير آمنة مفروضة في غالب الأحيان، ومن الضروري وجود طرق للتعامل معها بشكل ما، ومن ضمن هذه المحاور إدمان الأطفال على ممارسة ألعاب مثيرة للشغف تجعل بعضهم يواصل اللعب إلى نحو 9 ساعات متواصلة، والطفل جالس في مكانه يتناول طعامه، وهو في حالة منعزلة عن واقعه الطبيعي وحياته المفترضة، بالإضافة إلى المبالغ المالية نتيجة الشراء عبر الإنترنت من أجل مواصلة اللعب واختيار الأليات التي تفرضها طبيعة المشاركة مع غيره من المنافسين. وأوضح أن التواصل مع أشخاص غرباء من خلال ممارسة الألعاب يشكل خطورة كبيرة عليهم، خصوصاً أن هوية هؤلاء الأشخاص غير معروفة، ومن خلالهم قد يتم استغلال الأطفال وتوجيه أفكارهم بشكل سلبي ضد المجتمع، وهو ما يمثل الوجه الآخر لهذه الألعاب، خصوصاً أن كل الأطفال لديهم حسن نية وليس لديهم القدرة على التمييز بين ما هو الخيال والواقع، لافتاً إلى أن الكثير من الحوادث عبرت عن مأساة حقيقية عانتها الكثير من الأسر الذين وجدوا أطفالهم يرتبكون جرائم ويندفعون نحو العدوان بشكل صارخ. ويبين الزرعوني أنه من الضروري أن يتم التحكم في ذلك، من خلال قواعد معينة، منها ألا تزيد مدة اللعب على ثلاث ساعات ويمكن أن تنحصر في ساعة يومياً، لافتاً إلى أنه يوجد حالياً برامج يمكنها أن تتحكم في وقت اللعب بشكل مباشر، وكذلك تقف حائلاً دون أن يصل الطفل إلى لعبة ما عبر الإنترنت، ويرى أنه أصبح من الصعب منع الأطفال من التعاطي مع الكثير من الألعاب الشهيرة التي لها تأثير سلبي فيهم، لذا فإنه من المفيد أن يكون هناك رقابة واعية، بحيث لا ينزلق الأطفال إلى مستنقع العدوان، ومن ثم التأثير في سلوكياتهم بشكل مضر، فضلاً عن إحداث نوع من التوازن في عمليات الترفيه بحيث يكون لدى الطفل ألعاباً بديلة داخل المنزل. عقاب وحرمان من المصروف عالية إبراهيم التي عانت كثيراً مع أطفالها، أشارت إلى أن ابنها يمارس لعبة Fortnite، ويجلس ساعات طويلة يتفاعل مع اللاعبين الآخرين، وهم من جنسيات مختلفة ويتحدث إليهم بحرارة وينضم إلى إحدى الفرق ضد أخرى حسب اللعبة، وتدور بينهم حرباً لا بد فيها من رابح ومهزوم وأنه عند الانتهاء منها تجده يتلفظ بكلمات عجيبة خارجة عن الذوق العالم والمألوف، فتحاول تهدئته من ثم وتذكيره بأن الذي يصلي لا يقول مثل هذا الكلام حتى وإن تأثر بأصدقائه في اللعب. وأوضحت أنه حين يصلي أي فريضة، فإنه ينهيها في وقت سريع حتى يذهب ليكمل اللعب، وتعترف بأنها فشلت في وضع حد لما وصل إليه من إدمان حقيقي على هذه اللعبة، فضلاً عن أن سلوكه العدواني في تصاعد وأنه لم يعد هناك جدوى من عقابه بأي بطريقة أو حتى حرمانه من المصروف، فكل شيء ليس له أهمية عنده، فالمهم أن يمارس اللعبة التي استحوذت على كل تفكيره.  
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©