السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من أناشيد الرعاة إلى رياح الحداثة

من أناشيد الرعاة إلى رياح الحداثة
18 يوليو 2018 19:58
بعد مسيرة حافلة للشعر الصيني التقليدي خلال قرون عدة، جاء عام 1917 ليمثل منعطفاً جديداً، وليفصل بين عالم قديم وآخر جديد. وإذا تجاوزنا تلك الفترة المبكرة من الحداثة الشعرية، فإننا سنصل إلى العقدين الماضيين، حيث حاول الشعراء في الصين، بعد سنوات طويلة من سطوة وتأثير الشعر الغربي عليهم، ما يمكن أن نسميه «العودة» إلى أجواء التقاليد الأدبية القديمة. ومع ذلك، فإن النهضة الشعرية الجديدة لا تعني الكتابة بالطريقة التي كُتب بها الشعر الصيني في الماضي البعيد، بل إعادة استكشاف تراث الأدب الصيني واستلهام «روح» كلاسيكية في النص الحديث. وما يجعل الأمر أكثر تعقيداً، هو عديد العصور والأنماط التي يمكن للشعراء المعاصرين العودة إليها. ويرى البعض أمثلة مناسبة في حقبة «تانغ» أو حقبة «سونغ»، في حين يُعجب البعض الآخر ببساطة اللغة والأوزان الخفيفة والحية في كتاب (الأناشيد أو الأغاني)، وهو أقدم مجموعة شعرية ضمت أناشيد الرعاة وقصائد الحرب، عُرفت في الصين من القرن الحادي عشر إلى القرن السادس قبل الميلاد. على مدى سنوات العقد الماضي، كانت هناك نقاشات طويلة في الأوساط الأدبية الصينية للتعرف على ما يُعد «مائة عام من الشعر الصيني الجديد»، وقد أثيرت أسئلة عديدة منها: «إلى أين يتجه الشعر الصيني؟»، «هل يتحسن شعرنا أم يسوء؟»، و«هل حققنا إنجازات كبرى، مثل شعراء سلالة تانغ؟». في الوقت ذاته، أكد بعض المتابعين الغربيين أن شعراء الصين المعاصرين لم يستخدموا أفضل تقاليدهم الشعرية الخاصة بهم، لذا نرى التقارب الواضح بين شعر الصين الجديد وشعر الحداثة الأدبية في أوروبا وأميركا الشمالية. حين بدأ شعراء مثل عزرا باوند وإليوت، والذين مثلوا نزعة شعرية شابة وحرة في أميركا، كان شعراء الجيل الأول من الشعر الجديد في الصين يستخدمون «الخطاب الاعتيادي» (أو اللغة العامية، محاولين القضاء على لغة كتّاب سلالة «تشينغ» (1644-1912) وسلالة «مينغ» (1368-1644). ولادة شعر الحداثة الصيني شهد عام 1912 الإطاحة بآخر السلالات القديمة الحاكمة وظهرت جمهورية الصين، وفي عام 1915 حين نشر عزرا باوند كتابه «كاثي» الذي عرض فيه بعض النماذج من القصائد الصينية الكلاسيكية، كان المفكرون الصينيون يروجون بكل فخر للفلسفات الغربية. في عام 1917، عندما نشر ت. إس إليوت «بروفروك وملاحظات أخرى» في لندن، عاد «Hu Shi - هو شي» (1891–1962) إلى الصين، بعد الانتهاء من دراساته العليا في الولايات المتحدة، ونشر ثماني قصائد من «الشعر الحر» راغباً في الترويج لأفكار جديدة ولغة مغايرة. مثَّل ذلك بداية الشعر الجديد في الصين. ومع هذا، فإن الأدب التقليدي والفلسفة الصينية الكلاسيكية لم تتخل أبداً عن المؤثرات الكونفوشية والتاوية. مدرسة «القمر الجديد» يُعد «هو شي» واحداً من أوائل شعراء الحداثة في الصين، على الرغم من أنه ليس أفضل شاعر في عصره، ويعتبر أول كتاب شعري له، الصادر عام 1920، أقدم مجموعة من الشعر الحر نُشرت في الصين. وخلال العقود التالية ظهر العديد من الشعراء الجدد. فقد درس «Xu Zhimo - زو زيمو» (1897-1931) في الولايات المتحدة وإنجلترا قبل أن يعود إلى الصين عام 1922، ويبدأ بتحرير مجلة «المراجعات الحديثة» الأسبوعية مع «هو شي». وفي عام 1927 أسس مدرسة «القمر الجديد» للشعر. قدم «زيمو» مختارات متنوعة من الشعر الإنجليزي إلى قراء اللغة الصينية، بما في ذلك شعر توماس هاردي، بالإضافة إلى مجموعة من شعراء الحركة الرومانسية الإنجليزية. أما الشاعر «Wen Yiduo - ون ييدو» (1899-1946) فقد ذهب إلى جامعة شيكاغو لدراسة الفنون، ثم عاد إلى الصين في عام 1925، وأصبح عضواً مهماً في مدرسة «القمر الجديد» للشعر. كذلك هناك الشاعر «Li Jinfa - لي جينفا» (1900-1976) الذي درس في فرنسا، وقام بتعريف الصينيين بالحركة الرمزية الفرنسية حين نشر أول كتاب شعري له في عام 1925. تطورت حركة الحداثة الشعرية الصينية من مدرسة «القمر الجديد» ومن المدرسة الرمزية ونضجت في عام 1935، مع شعراء بارزين مثل «Dai Wangshu - داي وانغشو» (1905-1950) و«Bian Zhilin - بيين زيلين» (1910-2000). كما برز شعراء آخرون مثل «Mu Dan - مو دان» (1918-1977) و«Zheng Min - زينغ من» (1920–1920). كذلك ذهب «Feng Zhi - فنغ زي» (1905-1993) للدراسة في ألمانيا عام 1930، وبعد عودته إلى الصين قام بترجمة شعر ريلكه. كان معظم شعراء جيل الحداثة الأول من الشعراء المترجمين، وهم لم يأتوا بالأدب الغربي إلى الصين فحسب، بل قدموا مساهمات كبيرة لتطوير الشعر الصيني نفسه. بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، أغلقت الأبواب على أدب الغرب، وساد ما عُرف بالشعر الرسمي المعتمد على «خدمة الشعب» مدة عشرين سنة، في هذا الوقت ظهر عدة شعراء بين أعوام 1950 و1960 ومنهم «Luo Fu - لوه فو» المولود عام (1928) و«Ya Xuan - يا زوان»، ولد في (1932)، وقدم أساليب حداثية في الكتابة في تايوان (وفي وقت لاحق، ذهب إلى كندا)، وواصل «Ji Xian - جي شيان» (1913–2013) الكتابة كشاعر حداثي صيني بعد انتقاله إلى الولايات المتحدة. الشعر «الضبابي» في عام 1976، بدأت حقبة أخرى في الشعر الصيني، ممثلة في أعمال: «Bei Dao - بيي داو»، و«Jiang He - جيانغ هي»، و«Shu Ting - شو تينغ»، و«Gu Cheng - غو تشينغ»، و«Yang Lian - يانغ ليان»، والذين احتذوا، مرة أخرى، بالشعر المعاصر في الغرب. تم تمييز هؤلاء الشعراء بمصطلح شعراء الشعر «الضبابي» من قِبل النقاد في الثمانينيات. إلا أن الشعراء أنفسهم فضّلوا أن يطلق عليهم اسم «مجموعة اليوم»، معترفين بدور جريدة «اليوم» (التي تأسست عام 1978 على يد «بيي داو» و«Mang Ke - مانغ كي). في منتصف الثمانينات، ظهر «الجيل الثالث» من بين شعراء ما بعد حقبة الشعر «الضبابي»، مثل»Yu Jian - يو جيان»(1954) و»Han Dong - هان دونج» (1961)، اللذين انتقدا وسخرا من النبرة المتعالية والغموض الشعري للشعر»الضبابي»، وبدآ باستخدام «اللغة المحكية» بمقابل اللغة «الضبابية». في نفس هذه المرحلة تقريباً أصبح الشعر «النسوي» شائعاً، مردداً صدى الشعر النسوي الأميركي، والذي وصل إلى الصين من خلال الترجمة. وعلى الرغم من موقفهم المعارض، فإن كل من شعراء اللغة المحكية والشعر النسوي قدموا شعراً يشابه كثيرا الشعر «الضبابي»، وخاصة في استمراره معارضة «المجتمع الأبوي». إلا أن هذا الاحتجاج لم يدم طويلاً. وباستثناء قلة من الذين استمروا في كتابة القصائد، فإن معظم الشعراء «الضبابيين» وما بعد «الضبابيين» توقفوا عن كتابة الشعر أو لم ينتجوا قصائد ذات أهمية تُذكر منذ أواخر التسعينيات. بدخول التسعينيات حدثت، وبهدوء، تغيرات حقيقية. حدث ذلك عندما بدأ شعراء مثل «Zhang Shuguang - زانغ شوغوانغ»، و»Sun Wenbo - سن ونبو»، و»Xiao Kaiyu - زياو كايو»، يروجون لأساليب سرديّة وقصصية في الشعر. وقد دافع «Zang Di - زانج دي» عن التوجه المعادي للنزعة العاطفية، منتقداً الطريقة التي كانت تُستخدم في تأليف الشعر الصيني. وبدلاً من مهاجمة الاتجاهات الحديثة، تجاهل المحدثون في التسعينيات الشعر «الضبابي». حينها قاموا بإعادة اكتشاف شعراء من حقبة الأربعينيات (كما كان ت. إس إليوت قد أعاد اكتشاف الشعراء الميتافيزيقيين). لم يكن هناك أي اسم لحركتهم المضادة هذه، ولكن في عام 1999، تم اتهامهم وغيرهم من الشعراء، بما في ذلك «شي تشوان» و«وانغ جياكسين»، من قبل مجموعة شعراء «اللغة المحكية» بأنهم «شعراء الكتابة الفكرية»، وهي تهمة كانت لسنوات عديدة مهينة بحق الكاتب. ونتيجة لذلك تم استبعاد هؤلاء. الثلج يسقط على أرض الصين مصادفة شعر: «زو زيمو» (1897-1931) أنا غيمة في السماء، ظلالٌ عبرت مصادفة على موجة قلبك. لا تتفاجأي، أو تبتهجي كثيراً. ففي لحظة سوف اختفي دون ترك أي أثر. نلتقي بقرب بحر الليل المظلم، أنتِ في طريقكِ، وأنا في طريقي. تذكري إن شئت، أو، من الأفضل أن ننسى الضوء الذي تبادلناه في هذا اللقاء. ربما شعر: «ون ييدو» (1899-1946) ربما كنت بكيتَ وبكيت، ولا يمكنك البكاء أكثر. ربما… ربما يجب أن تنام قليلاً لا تدع السعال الليلي، والضفادع، أو الخفافيش تطير. لا تدع ضوء الشمس يفتح الستارة على عينيك. لا تدع نسيماً بارداً يفرك حاجبيك. آه، لن يستطيع أحد أن يجعلك مستيقظاً: سأفتح مظلة من أشجار الصنوبر الداكنة لإيواء نومك. ربما ستسمع ديدان الأرض وهي تحفر في الوحل، أو تستمع إلى شعر جذور الأعشاب الصغيرة التي تمتص الماء. ربما هذه الموسيقى التي تستمع إليها هي أروع من أصوات سباب وشتائم الرجال. ثم أسدل جفنيك، وأغلقهما بإحكام. لسوف أدعك تنام، سأدعك تنام. سأغطيك بخفة، وبأرض صفراء. وببطء، ببطء سأدع رماد ورقة المال يطير. بأطراف أصابعي شعر: «لي جينفا» (1900–1976) بأطراف أصابعي أشعر بدفء جسدكِ؛ لقد فقد الظبي الصغير طريقه في الغابة؛ لا توجد سوى تنهدات الأوراق الميتة للأشجار. صوتكِ الضعيف المنخفض يصرخ في قلبي القاحل، وأنا، المنتصر على الجميع، كسرت رمحي ودرعي. نظرتكِ الحانية مثل تحذير جزار من الذبح. شفتاكِ؟ لا داعي لذكرهما! أنا أفضّل الثقة بذراعيك. أؤمن بالحكايات الخرافية، ولكن ليس في حب المرأة. لست معتاداً على المقارنات، لكنك تشبهين راعية في رواية. لقد استنفذتُ جميع الألحان الموسيقية، لكن أخفقتُ في إمتاع أذنيك؛ استخدمت كل الألوان، لكن لا شيء يمكنه الإحاطة بجمالك. الثلج يسقط على أرض الصين شعر: آي كوينغ (*) الثلج يسقط على أرض الصين البرد يُحاصر الصين ... لقد أضعتُ أكثر الأيام الثمينة من شبابي في التجوال وفي السجون حياتي مثل حياتكِ شاحبة. يسقط الثلج على أرض الصين. البرد يحاصر الصين … على نهر هذه الليلة الثلجية، ينجرفُ ببطء مصباحُ زيتٍ صغير في قاربٍ متهالك مع مظلَّة سوداء. من يجلس هناك في ضوء المصباح، حانياً رأسه؟ - آه، إنه أنتِ، امرأة شابة بوجه متسخٍ وشعر ناعم. ألم يكن ذلك منزلكِ - عشٌّ دافئ وسعيد! لقد أُحرق وسُويَ بالأرض بيد عدو وحشي؟ ألم تكُن ليلة كهذه حين حُرِمت من حماية رجلٍ كان هذا، في رعب الموت، حين عُذِّبتِ وطُعنتِ بحراب العدو؟ في ليالٍ باردة كهذه الليلة، أمهاتنا المُسنّات اللواتي لا يمكن إحصاءهن يتكدَّسن في منازل ليست لهُن كالغريبات لا يعرفن إلى أين ستأخذهن عجلة الغد. وطرق الصين وعرة جداً وموحلة. يسقط الثلج على أرض الصين. البردُ يحاصر الصين … مر فوق المروج في هذه الليلة الثلجية، فوق مناطق بكر التهمتها مشاعل الحرب، فُقدت المحاريث التي لا تحصى للأرض العذراء فقدت الحيوانات التي رعتها: وحقولهم الخصبة. إنهم يتزاحمون في بؤس حياة بلا أمل: على أرض المجاعة، محدقين في السماء الحالكة، يحاولون الوصول، مرتجفين، وهم يتسوّلون العون. آهٍ، الألم والبؤس في الصين، طويلٌ وشاسعٌ كهذه الليلة الثلجية! يسقط الثلج على أرض الصين. البردُ يحاصر الصين. الصين، القصيدة الضعيفة التي أكتبها في هذه الليلة التي بلا مصباح أيمكن أن تجلب لكِ القليل من الدفء؟ ................................................ (*) يُعد الشاعر «آي كوينغ» أحد أفضل الأصوات في الشعر الصيني الحديث. في قصيدته الشهيرة «الثلج يسقط على أرض الصين» «التي نترجم جزءاً منها هنا»، يظهر بوضوح تأثره بأسلوب وايتمان. إنه يتحدث عن شعب الصين ويتناول بلغة مؤثرة حياتهم البائسة تحت نير القمع الشيوعي في النصف الأول من القرن العشرين. تعرض للسجن بسبب «أفكاره المثيرة»، كما ورد في لائحة اتهامه. أطلق سراحه عام 1935. وفي 1958 واجه مرة أخرى المشاكل مع السلطة، ونُفي إلى منشوريا. لم يتمكن من نشر أشعاره إلا بعد عامين من وفاة ماو تسي تونغ.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©