الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الرواية السياسيّة تقود المعارضة

الرواية السياسيّة تقود المعارضة
27 يناير 2010 21:08
هل هناك صنف أدبي يمكن أن نسمّيه: الرواية السياسيّة؟ وهل يمكن للروائي السياسي ـ إن وجد ـ أن يكون مؤرّخاً لعصره من خلال كتبه؟ وهل بإمكان الروائي ـ حتى وإن أراد ـ أن يساهم في إصلاح مجتمعه وتغيير آراء قرائه نحو ما يراه هو الأفضل والأحسن؟ هذه هي الأسئلة التي يجيب عنها الروائي الإنجليزي جونثان كو من خلال تجربته الأدبية. يقول جونثان كو: "فعلاً إنّي أستعمل السّياسة بشكل مختلف في رواياتي وأطمح أن أقدّم وصفاً دقيقاً ووفيّاً للعالم كما هو، وقد حاولت في روايتي: "وصيّة على الطّريقة الإنجليزية" أن أجلب القارئ ليتبنّى وجهة نظري، ولكنّي اليوم تخلّيت على هذا الأسلوب ليقيني بأنّه أمر ليس ممكناً، وقد أصبحت على يقين بأنه ليس محبّذاً أن تكون الرّواية سبيلاً لتغيير مواقف القرّاء أو دفعهم لتبنّي وجهة نظر المؤلّف، فهناك مقاومة، فالقارئ يصمد دائماً أمام محاولات تغييّر قناعاته". وكأنه بذلك يعطي للرواية السياسية الحق في قيادة المعارضة ضد النظام. ويضيف قائلاً في حديث له لمجلة أدبية فرنسية: "رواياتي تتضمن بعداً تاريخيّاً، ولكني أتردّد في القول إنه يمكن اعتباري مؤرّخاً، فإذا تم اعتماد الرواية كوثيقة تاريخية فماذا سيبقى للمؤرخين؟"، وهو يرى أن العالم الذي نعيش به اليوم تتزايد فيه علامات الفوضى وانعدام المعنى والعبثية، ويجزم بأنّ الكتّاب يحاولون ابتكار عالم أجمل يعوّض العالم الحقيقي، وهم يهدون القراء واقعاً آخر له معنى. وتتضمن رواية جونثان كو: "الوصيّة على الطّريقة الإنجليزيّة" نقداً وسخريّة لاذعة من بريطانيا في عهد مارغريت تاتشر، وله أيضاً: "مرحباً بك في النّادي"، و"الدّائرة المغلقة" (2004)، كما نشر رواية "امرأة المصادفة" (1987)، و"ياله من اقتسام" (1994)، و"المطر قبل أن يسقط" (2009). وكل ّرواية من روايات جونثان تؤرخ لحقبة من تاريخ بريطانيا، وهو يعترف بأن رواياته شاهدة على واقع بريطانيا في فترة زمنية محددة، بل إنه يؤكد أن رواياته شاهدة على حقيقة على ما يسمى بـ"الغرب" جازماً: "أعتقد أن الغرب مجتمع لا يقول الحقيقة". غياب المعنى وإن برع جونثان كو وبرز في تأليف الرّواية السّياسيّة، فإنّه كتب أيضاً الرّواية البوليسيّة على غرار "أقزام الموت"، و"العاصفة"، أمّا روايته الأخيرة "المطر قبل أن يسقط" فيبدو فيها كاتباً متشائماً، وقد لفّ الأشخاص برداء أسود، فهو من خلال أبطال رواياته يرى أنّ المجتمعات الغربيّة اليوم تنعم برغد العيش، ولكن مقابل ذلك هناك غياب لما يسميه "المعنى" والقيم الرّوحيّة والفكريّة. يقول جونثان كو: "إنّ الموضوع الحقيقيّ الّذي يجب على كلّ روائيّ تناوله هو الطّبيعة البشريّة وما يهمّني هو الحاضر، رغم صعوبة تناوله اعتباراً لغياب البعد الزّمني الّذي يحول دون النّظر بأكثر وضوح وموضوعيّة، وروايتي "الدّائرة المغلقة" تدور أحداثها عام 2003 قبل بداية الحرب على العراق." مضيفاً: "إنّ الغرب مجتمع لا يظهر الحقيقة عن طبعه، وإذا كان للكاتب واجب سياسيّ، فعليه أن يقول الحقيقة ويبرزها، وهو ما أسعى إليه في بعض رواياتي"، مؤكداً أنّ النظام السّياسيّ والاقتصاديّ المطبّق منذ ثلاثين عاماً في إنجلترا والّذي يرى الكثيرون بأنّه الأفضل والأحسن، كشف هذه الأيّام عن مظاهر خطيرة فيه والأزمة الحاليّة في الغرب هي كصفّارة إنذار. ويبرز الروائي الخطر الّذي يهدّد مجتمعه بسبب إعطاء الأولويّة للثّراء الفاحش وتقديم المصالح الخاصّة على المصالح العامة. ولتفادي ذلك وعلاج الخلل لا بدّ، في نظره، من تغيير جذري لأولويات المجتمع، وهو التّغيير الّذي يقول عنه إنه لا يمكن حاليّاً تحقيقه بسبب النّظام السّياسيّ البريطاني الّذي يحكم فيه حزبان، فالحزبان البريطانيان (العمّال والمحافظون) لا يقدران على تحقيق هذا التّغيير، وحاليّاً فإنّ الأنظار كلّها متّجهة نحو الولايات المتّحدة الأميركيّة. فالرّئيس الأميركي الجديد يمثّل ـ من وجهة نظر الكاتب الإنجليزي ـ أملاً لأنّ سياسته الخارجيّة والاقتصاديّة ربّما تتناقض مع سياسة الرّئيس بوش، ولكن جونثان كوييه ينتابه بعض الشّكّ في حدوث تغيير، ولكن ومهما يكن فإنّ انتخاب باراك هو حدث تاريخيّ في نظره. لا مستقبل للرواية يعترف الكاتب جونثان كو (48 عاماً) بأنه تأثّر عند تحرير الحوارات في رواياته بالتلفزيون الإنجليزي من خلال ما كان يبثّه في السّبعينات، وقد كان التلفزيون يتعامل في تلك الفترة مع كتّاب كبار يكتبون المسلسلات والرّوايات والتّمثيليّات على غرار هارولد بنتر Hordd Pinter. وهو يعترف بأنّ القرّاء اليوم أصبحوا أكثر اهتماماً بحياة الكتاب أكثر من اهتمامهم بكتبهم، ويجزم بأن الرّواية لا مستقبل كبير لها، فالقراء ولأسباب كثيرة لم تعد تجذبهم أحداث من صنع الخيال، ولا يرغبون في إضاعة وقتهم ومطالعة قصّة خياليّة، فهناك تغيّرات كبيرة أثّرت على تصرّف النّاس إزاء الكتاب وإزاء التّلفزيون أيضاً، ففي السّبعينات كانت التّمثيليّات التّلفزيونيّة، تشدّ انتباه المشاهدين، ولكن اليوم تغيّر الأمر وأصبحت برامج الواقع هي الأنجح، والحقيقة أنّ هذه البرامج لا علاقة لها بالواقع، إذ إنّه يتمّ إعدادها مسبّقاً، ولكنّ المشاهد تعوّد على مثل هذه البرامج، وهذا الاتّجاه له انعكاسات على الكتب والرّوايات الّتي سجّلت تراجعاً في مبيعاتها. طقوس الكتابة يقول الروائي الإنجليزي واصفاً طقوسه عند الكتابة: "أحضر كل يوم إلى مكتبي من العاشرة صباحاً حتى الخامسة بعد الظهر، ولا أقضي كامل الوقت في العمل، ففي أحيان كثيرة أكتفي بالجلوس أتأمل الناس في الشارع من نافذتي وأنا أستمع إلى الموسيقى، ولكني لا أشاهد أبداً التلفزيون. إنني أحرر ببطء شديد ولا أسرع في الكتابة إلا إذا بلغت الفصول الأخيرة من الرواية. إذاك تأخذ وتيرة التحرير في الارتفاع، وإني قبل الشروع في تأليف رواية أضع مخططاً دقيقاً ولا أترك فراغات وبياضاً إلا لبعض الأحداث لأتيح لخيالي حق تصورها عند الوصول إليها، وهو ما يحدث عندي مفاجأة لم أكن أفكر فيها مسبقاً، ولكن العقدة الأصلية للرواية تكون منذ البداية واضحة في ذهني منذ تحريري للأسطر الأولى للرواية". وهو يعترف بكل صراحة بأنه ليس لديه أفكار جديدة لرواياته، وكل أفكاره اختزنها بداخله منذ أن كان في العشرين من عمره وبقيت تلك الأفكار محفورة بداخله وساكنة في وجدانه، وهي التي تثري اليوم رواياته وليس هذا بإرادة ورغبة منه، ولكن عندما يشرع في تأليف رواية فإن أشخاصها وأحداثها وحبكتها تعود إليه من مخزونه القابع بداخله منذ أن كان شاباً، ففي روايته "المطر قبل أن ينزل" فإن الفتاة العمياء عادت له شخصيتها من ذكريات شبابه عندما كان في العشرين من عمره وكذلك بقية أحداث الرواية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©