السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

الروس قلوبهم حمراء

8 يوليو 2018 20:59
بأي مغزل يا ترى أعيدت حياكة هذا المنتخب الروسي، ليظهر في صورة الفريق الذي يتطاول كثيراً على ممكناته الفنية، وهو الذي كان قبل أسابيع من بداية كأس العالم، مشروع كارثة كروية لا قبل للتاريخ الروسي بها؟ وأي ريح يا ترى هبت على هذا المنتخب، فرفعت هامات السنابل، وأيقظت ضمير البواسل، وأخرجت من سباتها العميق، الإليادات الروسية المحفورة في ذاكرة التاريخ؟ كنا في كل مرة يظهر فيها المنتخب الروسي على مسرح الأحداث، نقول إن السماء تتغمم لتقذف بسيول تجرف هذا المنتخب إلى أودية الإقصاء، وفي كل مرة كان هذا المنتخب الروسي يقول لنا إنه عصي على السيول والأعاصير، ولم نكن نحن الغرباء على المنتخب الروسي، وحدنا من يقول ذلك، بل إن الصحافة الروسية أمعنت في تصدير خطابات اليأس، وفي صد الروس عن مطاردة الوهم، عندما كانت تعنون مع كل سقطة للمنتخب الروسي في ودية من ودياته، «إنه أسوأ منتخب مر على تاريخ كرة القدم الروسية»، ولم تكن الصحافة الروسية على براجماتيتها، لا مغالية ولا متجنية على منتخبها، إنما مر عليها كما مر علينا أن هذا المنتخب الروسي الذي يبدو لنا بقامة تكتيكية متواضعة وبخامات فنية جداً محدودة، يستطيع أن يغوص في أعماق نفسه، ليأتي بقدرة رهيبة لتليين الحديد وقهر المستحيل. حدث ذلك والمنتخب الروسي يعبر الدور الأول، وقد أمن تأهله بشكل مبكر بعد الفوزين العريضين على السعودية ومصر، ثم نجح في دور الستة عشر في إسقاط جبل كبير اسمه «الماتادور»، وكان هذا المنتخب الروسي على بعد «ومضة حظ»، من أن يضرب بصواعقه الدبابة الكرواتية، لولا أنه أخطأ بقليل الهدف، فما الذي نفخ في هذا «الكوماندو» ليتحول بالفعل إلى بالون سحري يملأ المونديال بضوئه الجميل، وليصبح في رمشة عين، معبود الجماهير وقد كان بالأمس القريب عنوانا للهزيمة المبرمجة؟ كلمة السر الوحيدة في هذا التحول الأنطولوجي، هو مدرب المنتخب الروسي ستانيسلاف تشيرتشيسوف، هذا الرجل الغامض الذي لا يعرف طعماً للكارثة ولا مذاقاً للنشوة، لقد استمعت إليه يقول قبل مباراة كرواتيا: لن أفشي لكم أسراري، ولكنني سأذهب لأقدم درساً نظرياً لأبنائي يمسكون فيه بمفاتيح المباراة، وغير المفاتيح التكتيكية التي تفتح ما يوصد من أبواب تكتيكية وتحل ما استعصى من إشكالات، هناك مفاتيح الكنز النفسي الذي ينعم على اللاعبين بقوة الإرادة وبالعزيمة لكبح جماح المستحيل. انتهت قصة الملحمة الروسية عند دور الثمانية، وبين الشكل السيئ الذي بدأت به الرواية والشكل الجميل الذي انتهت به، هناك خيط رفيع وناظم، هو أن للاعبي روسيا قلوباً حمراء مثل ساحتهم العاشقة للفن والجمال.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©