السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«بوكو حرام»: تحدٍّ محلي أم إقليمي؟

16 يناير 2012
ضربت نيجيريا مؤخراً موجة من الهجمات الوحشية نفذتها جماعة "بوكو حرام"، وهي مجموعة إرهابية محلية تدعي أنها تدين بالولاء لـ"القاعدة"، وقد لفتت تلك الهجمات الانتباه مجدداً إلى منطقة غرب أفريقيا باعتبارها ساحة للمعركة الإقليمية المقبلة ضد الأصولية العنيفة. ولكن الكلمة المفتاح هنا هي أن الجماعة المذكورة "محلية" وليست "إقليمية"، على رغم وجود مثل تلك المخاوف من توسع نشاطها في أجزاء أخرى من أفريقيا والغرب. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، تقاسم أمين عام الأمم المتحدة "بان كي مون" مع وزير خارجية نيجيريا، تقريراً يكشف عن "قلق متزايد في المنطقة" من إمكانية وجود علاقة بين "بوكو حرام"، التي يتركز نشاطها في شمال نيجيريا المسلم، وتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". والواقع أن المسؤولين الأميركيين قلقون أيضاً بشأن احتمال وجود علاقة فعلية بين الجانبين، وكذلك احتمال وجود روابط مع تنظيم "الشباب" في الصومال. وفي ما بدا خطوة للتحقق من هذه المخاوف، عمدت نيجيريا إلى إغلاق حدودها منعاً لدخول مقاتلين إسلاميين أجانب. والحال أن الأصولية المتطرفة في نيجيريا، كما هو الحال في باكستان، كثيراً ما تخفي وراءها صراعات اقتصادية وقبلية محلية، وهذا التجذر في سياقات سياسية وطموحات اقتصادية محلية للغاية، يعيق في الواقع جهود الإرهابيين لنشر العنف الأصولي عبر القارة الأفريقية كلها. والواقع أن "بوكو حرام" هي أكثر مجموعة أصولية حضوراً وعنفاً في نيجيريا، ولكنها ليست المجموعة الوحيدة أيضاً. ففي الجنوب الغني بالنفط تنشط كذلك "حركة تحرير دلتا النيجر" المسيحي العنيفة. كما أن "بوكو حرام" (التي يعني اسمها "التعليم الغربي حرام) ليست هي المجموعة المتطرفة الإسلامية الوحيدة في البلاد، فهناك أيضاً "حسبة"، وهي مجموعة إسلامية أخرى، تنشط في الشمال كذلك. وتقوم كلتا المجموعتين باستغلال عقود من العنف القبلي بين سكان نيجيريا، وكثيراً ما تخضع المجموعتان للتلاعب من قبل السياسيين من أجل تحقيق مكاسب وأرباح سياسية. وتظلمات المجموعتين تقدم عادة على أنها دينية. وبالفعل، فإن استهدافهما يتركز ضد المسيحيين في المقام الأول. وفي 1999، تبنى الشمال الشريعة الإسلامية، غير أن ذلك لم ينهِ التعبئة الأصولية هناك، مثلما لم يعالج أسباب الاستياء العميق من الظروف السوسيو-اقتصادية وسوء الحكامة. فصخب الإيديولوجيا الدينية كثيراً ما يحجب العنف الذي تحركه في المقام الأول أسباب اقتصادية. وعلى سبيل المثال، فإن الصراع بين مجموعتي "الهوسا" و "الفولاني" الإثنيتين المسلمتين ومجموعة "اليوروبا" غير المسلمة في أغلبيتها، على الأرض في شمال نيجيريا كثيراً ما يفضي إلى حروب ونزاعات عنيفة بين الجانبين، غير أن حقيقة أن "اليوروبا" مسيحيون في معظمهم و"الهوسا" و"الفولاني" مسلمون لا تهم هنا إلا بشكل ثانوي. هذا في وقت تؤجج فيه "بوكو حرام" الصراع الديني وتدفع به كعنصر تفجير آخر يضاف إلى خليط قديم أوسع من التظلمات بشأن توزيع الثروة والطاقة والفساد والظلم. وفي هذه الأثناء، ترد الحكومة النيجيرية بشكل سيئ، ليس على التوترات المحلية القائمة فحسب وإنما أيضاً على حالة "بوكو حرام” والتحدي الذي تطرحه خاصة. ذلك أن الحكومة كثيراً ما تجاهلت التوترات العرقية والطائفية أو حرضت عليها في الوقت الذي تبالغ فيه في الرد على "بوكو حرام" بشكل عنيف وأحياناً بدون تمييز. وعلى رغم أن الشرطة النيجيرية أكبر وأقوى من معظم مثيلاتها في منطقة غرب أفريقيا، إلا أنها تفتقر بشكل كبير إلى الكفاءة الاستخبارية والقدرة على إحباط هجمات قبل وقوعها أو تعقب المذنبين الفعليين الذين يكونون مرتبطين أحياناً بسياسيين محليين. وكما في معظم غرب أفريقيا، تتسم الحكامة في نيجيريا منذ عقود بجشع النخب الحاكمة والتطور المؤسساتي غير المكتمل الذي يبتلى به كل شيء في البلاد، من ضعف حكم القانون إلى الخدمات الاجتماعية. كما أن التنافس السياسي كثيراً ما يتركز على الوصول إلى السلطة من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية مثل النفط، بينما تقوم الحكامة في البلاد على رهانات القبيلة والعشيرة والولاءات. وبعد أكثر من 10 سنوات على نهاية ديكتاتورية الجنرال "ساني أباشا"، فإن الفكرة المتمثلة في أن المناصب الحكومية هي وسيلة للاغتناء وإغناء المقربين والأصدقاء بدلاً من خدمة كل المجتمع النيجيري لم تتغير إلا قليلاً. والواقع أن المصالح والولاءات الضيقة تهيمن أيضاً على التعاون بين الجماعات المتطرفة عبر المنطقة. فمع أن متطرفي "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وتنظيم "الشباب"، و"بوكو حرام" قد يتواصلون في ما بينهم على نفس الصفحات المتطرفة على الإنترنت، وينقلون أساليب بعضهم إلى بعض، إلا أن مواقفهم كثيراً ما تتعارض مع مصالحهم وضرورياتهم المحلية. وتأسيساً على ما تقدم، يتعين على نيجيريا أن تنتقل من الاستعمال الفج للقوة المميتة عبر تحسين عمليات جمع المعلومات الاستخبارية وبناء علاقات مدنية- عسكرية سليمة وأكثر صحية، ذلك أن إرسال الدبابات إلى الشوارع وإعلان حالة طوارئ، مثلما فعل الرئيس "جوناثان جودلاك" قبل بضعة أيام، قد يهدئ غضب الرأي العام، ولكنه لا يمثل سياسة فعالة لمحاربة الإرهاب. كما يتعين على الولايات المتحدة أن تحث الحكومة النيجيرية على معالجة المشكلات والتظلمات السياسية والاقتصادية والدينية التي تغذي إيديولوجيا "بوكو حرام". وأخيراً، يتعين على الحكومة النيجيرية أن تعمل على تمكين وحماية الزعماء الإسلاميين المعتدلين الكثر في الشمال، الذين تجرؤوا على الوقوف في وجه "بوكو حرام" حتى في الوقت الذي كانوا فيه يواجهون خطر الاغتيال. ذلك أن الحلول الحقيقية للتهديد الذي تشكله "بوكو حرام" يجب أن تكون في نهاية المطاف حلولاً محلية. فاندا فيلباب براون - زميل مؤسسة بروكينجز في واشنطن جيمس فوريست - أستاذ بجامعة ماساتشوسيتس ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©