الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هويّة من ذهب ولؤلؤ

هويّة من ذهب ولؤلؤ
4 يوليو 2018 20:18
تُعدُّ الحليّ الخليجيّة عنواناً صادقاً لما يتمتع به الإنسان الخليجيّ من موروث ضارب، وثقافة تراكميّة صبغت هذا الإنسان ببلاده، وجعلته مُعبّراً حقيقياً عنها، لدرجة أنّ طبيعتها باتت جزءاً من تكوينه وشخصيّته الاجتماعيّة على الدوام. والناظر إلى مسمّيات هذه الحلي في منطقة الخليج سيجد أنّها تحمل بيئتها، وتؤكّد ارتباط إنسانها بما نشأ عليه من تعاليم إنسانيّة وثقافيّة ودينيّة جبلت شخصيّته، ولكنّ هذه الحلي التي أخذت دوراً وظيفياً وثقافيّاً احتاجت أيضاً إلى أن تتمتع بجانب جمالي جعل الأيدي الماهرة تحترف في إضفاء صبغة الجمال عليها لتؤدّي الوظيفتين معاً، فكان الذهب والفضّة كمعدنين نفيسين دخلا وبقوّة في هذا المجال. ولاستكشاف معنى الأصالة والتراث في الحلي الخليجيّة، يمكن أن نتمثّل ذلك في «الخاتم» وما يحمله من طقوس تدخل فيها المعتقدات والثقافة، علاوةً على الجمال أيضاً، والنقوش التي تشير إلى جلب الحظّ أو «البركة» أو الوقاية من الحسد. والتي تشكّل بمجملها فهماً جمالياً للباحثين عن معاني الجمال ومتعلقاته. ولأنّ «الموضة» لا تنتهي، فإنّ وسائل التزيين تتطوّر هي الأخرى ولكن على نحو مدروس. وللدلالة على ما تشتمل عليه الحلى من مرجعيّة دينيّة أو ثقافيّة شعبيّة أو ما تحتكم إليه من عرف عام، يكفي القول إنّ هذه الحلى تتوزّع بين الرجل والمرأة، فـ «الخاتم» المصنوع من الذهب كحلية يحرّم على الرجل المسلم أن يلبسه، استناداً إلى مرجعيّة دينية؛ إذ أنّ من يلبس من الرجال خاتماً مصنوعاً من ذهب، فإنّما هو يلبس قطعةً من النار، في حين أنّه مُحللٌ للمرأة، وهكذا، فإنّ تقسيماتٍ وتصنيفات تنسحب كذلك على الأشكال الهندسيّة للحلي في نعومتها وأحجامها وألوانها وما شابه، لنصل في النهاية إلى ما يؤكّد التصنيف الشعبي المتوارث وراء كلّ ذلك. إنّ مما يؤكّد حضور الحلي اليوم لدينا هو أن نعمل على تأكيد أسمائها وجعلها حاضرةً لدى الشباب، فلا يستحيون منها أو يتنصلون منها لغرابتها، ويكون ذلك بإفراد مساقات ذكيّة في هذا الموضوع في المدارس والجامعات، وفي بيوت التراث، خصوصاً وأنّ منها ما يؤكّد صراحةً مسميات ألفها الأجداد واستأنسوا بها وعبّرت عن معتقدهم وثقافتهم العربية الإسلاميّة، ولنأخذ على سبيل المثال «الهلال» الذي تُزيّن به رؤوس الفتيات والنساء كحلية جاذبة ويجدّل في الرأس عند قمّة الشعر، إذ يأخذنا الهلال إلى المحمول الديني والفلكي، وهكذا تتعدد التسميات في حلي الثياب والأنف والرأس واليد والعنق والصدر، وكلّ ذلك لم يأت اعتباطاً وإنّما دخل وعن جدارة مختبر الرؤية الشعبيّة فاجتازه بنجاح. وكان مشهوراً جداً بل أخذ أسماء المتداول في تلك الحياة، واقتبس من تفاصيل الناس الكثير، فحريٌّ بنا اليوم أن نعيد الألق لهذه الوجوه التراثيّة الأصيلة التي عبّرت عن أوطاننا، وحملت عاداتنا وتقاليدنا وأفراحنا وأتراحنا في فترات معيّنة من الزمن. إنّ وجود بيوت ومتاحف التراث في الدولة، لهو دليل على عناية الدولة بترسيخ القيم النبيلة والتعاليم الأصيلة التي يحملها التراث وتكتنز في مفرداته الحلي والأزياء وبقية مفردات التراث من المصنوعات اليدوية والحرفيّة. وانتبهت الدول إلى ذلك، استناداً إلى أنّ شعباً لا يستند إلى ماضيه هو بالتأكيد يندثر، ويظلّ يبحث له عن ماضٍ ينطلق منه نحو هذا العالم الذي بات سوقاً مُتحفيّة موشّاة بالتراث الإنساني، فنشأت لذلك منظمات بحجم اليونسكو التي أقرت الاحتفال باليوم العالمي للتراث، ودعت إلى الحفاوة بالمنتج الأصيل الذي عبّر عن كلّ ذلك العبق الإنساني، بل إنّ اليونسكو تطلب من كل الدول أن تُبقي على طزاجة التراث. وكملمح أدبي، يمكن أن نسوق أشعاراً قيلت في الحلي بل وقايست بين المرأة وحليّها في نوع من المقارنة اللطيفة غير الثقيلة، إذ غنّى فنان العرب محمد عبده فقال «أحلى من العقد لبّاسه»، كما ورد في المأثور الأدبي العربي في وصف المرأة الجميلة أنّها «بعيدة مهوى القرط» أي ذات عنق طويل، وهكذا فإنّنا نحن أمّة العرب لدينا تراثنا وموروثنا الذي لم يأت في يوم وليلة بل كان وليداً لظروف وطقوس عاشها الأوائل، وها نحن نهتدي بها، وهي تحمل رائحتهم وتوصيفاتهم وأمثالهم وأقوالهم ونوادرهم، فلا أقلّ من أن نفتخر بهذا ونباهي بإنساننا الذي عاش الحياة وتعايش مع قسوتها، ولكنّه ومع كلّ ذلك ظلّت نفسه شغوفةً بالجمال وطموحةً إليه، فكان أن امتشقت ظلال الأهداب سيوفاً من السحر والجمال، وكان أنّ عين هذا الإنسان العربيّ الخليجيّ عرفت ومنذ فترةٍ طويلةٍ جداً مواطن الجمال واستدلت عليه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©