الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الغش.. نقيصة أخلاقية وثقافة أسرية

الغش.. نقيصة أخلاقية وثقافة أسرية
29 أغسطس 2017 09:49
خورشيد حرفوش (القاهرة) يرتبط غش الصغار كنقيصة أخلاقية وتربوية بأساليب التنشئة الاجتماعية التي يترعرع فيها الطفل، ويكتسب من خلالها قيما وسلوكات وخبرات إيجابية وسلبية. وعادة ما يرتبط سلوك الغش عند الصغار بالكذب أو التحايل أو السرقات البسيطة لحب التملك أو الاستحواذ، من أجل إشباع حاجات نفسية أو بيولوجية، أو سعيا سلبيا لتحقيق إنجاز ما وبطريقة خاطئة أوملتوية أوغير مقبولة. وكثيرا ما يرتبط  بأنماط اللعب، أو النشاط الدراسي، وقد يتطور في الكبر ويصبح سمة شخصية تنحى منحى انحرافيا كبيرا إن لم يتم تداركه وعلاجه مبكرا. ورغم أن دراسات تربوية عالمية تشير إلى أن أكثر من 30% من الطلاب مارسوا الغش ولو لمرة واحدة في حياتهم، إلا أن أكثر من 92% ممن اعتمدوا على الغش واجهوا صعوبات أكاديمية كبيرة خلال مسيرتهم التعليمية. وبعيدا عن الغش الدراسي، فإن الأطفال عند ممارستهم بعض الألعاب، وخاصة الجماعية منها، التي تحكمها قوانين وتعليمات وضوابط معينة، فإن البعض منهم يجد صعوبة في ضرورة الالتزام التام بتلك القوانين، ويجد صعوبة أيضا في تقبل الهزيمة أو الفشل، وقد يضطر أن يلجأ إلى الغش من أجل تحقيق الإنجاز. لكنه يفتقد ذاتيا الإحساس الحقيقي بالنجاح. وعادة يرفض الطفل اتهامه بالغش أو الكذب، ويتصرف كأنه تعرض للإساءة، بل يسعى إلى اتهام من يصفه بنفس الصفة، بل يتمادى في ممارسة الإنكار والاعتراف بما ارتكبه من أخطاء. إلى ذلك، يقول الكاتب والخبير التربوي إبراهيم ربيع، إن الميل المزمن للغش له علاقة وطيدة بخصائص وسمات الشخصيات «الميكافيللية»، والذين يتصفون بأنهم بارعون في التحايل والتلاعب، وفي الوقت الذي يرفضون فيه الغش إن كان يحقق مصلحة للآخرين، إلا أنهم يقومون هم أنفسهم به إذا كان مفيدا لهم. وإذا تم اكتشافهم يرفضون الاعتراف بذلك بشدة، مشيرا إلى أن هناك عوامل اجتماعية وأسرية تسهم في تكوين وترسيخ مثل هذه السلوكات السلبية من أهمها وجود النموذج الأبوي أو الثقافة الأسرية التي تشجع على الغش أو الكذب أو السرقة، أو أولئك الآباء والأمهات الذين يعتبرون تحقيق الإنجاز «أيا كان نوعه» نوعا من الشطارة أو الفهلوة. كما أن لأساليب التخويف والترهيب التي يمارسها الوالدان على الطفل دورا فقد يبالغ الأبوان في ممارسة الضغوط على الطفل لتحقيق غاية ما من دون الاستناد إلى قدراته الفعلية الواقعية. فقد يضغطان عليه ليكون من المتفوقين دراسيا، في الوقت الذي يفتقد الطفل فيه مقومات التفوق، أو يبالغان في توقع الإنجاز في لعبة معينة - ولو على سبيل التسلية - فيضطر الطفل إلى أن يتحايل بالغش على قوانين اللعبة لإرضاء الأب أو الأم من دون الاهتمام بالأسلوب والطريقة التي انتهجها لتحقيق ما أنجزه. ويقول «تلعب الضغوط النفسية للطفل في سعيه لإرضاء حاجاته دورا مهما في محاولاته إثبات ذاته بأي طريقة، فمن سمات الطفل دون سن السابعة أنه يتمركز حول ذاته، ويرى نفسه وكأنه محور اهتمام كل من حوله، لذا فهو يطمح في أن يكون في المقدمة، لكن إمكاناته قد تعوقه، ومن ثم يلجأ إلى تعويض ذلك بالتحايل أو الغش. وفي الوقت نفسه إن كان الطفل يشعر بعدم الكفاءة ويتوقع الفشل في أداء مهمة ما، فهذا من شأنه أن يبحث عن طريقة تسهل له ما يريد، ولا يجد سوى الغش، كما يحدث في مشاركاته أقرانه ألعابهم الجماعية التي تحتاج بعض المهارات، أو في امتحاناته المدرسية.، ولا سيما إن شعر بأنه في مأمن من اكتشاف أمره. ويرى أن أهم ما يحصن الطفل لعدم اكتساب صفة الغش وجود القدوة في الأسرة، ونبذ الأسرة لكل القيم السلبية مهما بدت مشجعة في البداية، وعدم تشجيع أو تعزيز أي سلوكات تستند إلى الغش والخداع أو غيرها من مسميات سلبية شائعة. وعلى الآباء عدم المبالغة في حجم التوقعات المستقبلية للطفل، وعدم الضغط عليه بما يفوق قدراته الخاصة. وترسيخ مفاهيم الصدق الذاتي مع النفس، والأمانة، وعدم مشروعية الاستمتاع بحقوق الغير منذ الصغر، فضلا عن فتح آفاق الحوار مع الأبناء منذ الصغر، والاستماع إليهم، ومعرفة إمكاناتهم وقدراتهم عن كثب، مؤكدا أنه من الأهمية أن يدرك الطفل أن عدم الأمانة يفقده ثقة الآخرين به، وأن قيمته في المجتمع لا تتحقق بما ينجزه بالتحايل والغش وإنما تقاس بسمعته الطيبة وأخلاقه الحسنة، وصدقه مع نفسه والآخرين. ومن الضرورة أن يتعلم الطفل في بيته ومدرسته كيف يتحدث إلى نفسه، وكيف يحاسب نفسه، فمراجعة النفس أهم ضوابط الرقابة الذاتية، ومن خلالها يستطيع الطفل أن يدرك ما هو الخطأ وما هو الصواب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©