الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الذكرى

8 أكتوبر 2016 22:28
الذكريات قارورة نملأها بشذى يفوح أريجاً من اللحظات الجميلة التي نعايشها للحظة ويبقى رذاذ عبيرها يعطر أجواء حياتنا، ويتخلل تفاصيل الزمان من أعمارنا، وما إن تهبُّ علينا نسمات تداعب خصلات الحياة لموقف عابر، أو تحركه التفاتة حدث جميل، حتى نجد أنفسنا قد تغيّبنا في نشوة عن الحاضر وحضرنا في ماضي الغياب الغابر، فالذكرى وحدها هي الكفيلة بتغييب جميع من حضر، وتسجيل حضور من غابوا فكأننا وُجِدنا في زمنٍ غائب، بحضور غائب! قد تكون الذكرى مفجعة وأليمة تفجر براكين الصمت في النفس فتتطاير الحمم الحزينة لتعصف بحرارة لحظة الموقف برهة صغيرة من الزمن، لكنها ما تلبث أن تكون كالصخرة الصماء في برودتها. وقد تكون الذكرى طيفاً من الفرح السعيد يتقاسم الأدوار فيه كل من الخيال والشيء المثير من اللحظة، سواء كان عطراً يلثم أنوفنا، أو مكاناً نستعرض صوره بأعيننا، أو صوتاً يحنّ علينا ويطرق مسامعنا. وتُروى أحداث هذه الذكرى جميعها أو بعض منها على مسمعٍ من تنهداتٍ لصوت الزمان، ومرأى من تخيلات الأحداث في نظر القلب، وشرود الفكر في العقل وهؤلاء هم الشخصيات الرئيسة، أما الجمهور فهو الجسد وما فيه من حواس. وأياً كانت الذكرى حزينة أو سعيدة، فإن لها جيشاً من الألم الذي يغزو القلب وتستسلم له جميع الجوارح طواعية معلنة الانهزام من فضاء الحرية في الحاضر الذي تعيشه، لتكبّل نفسها بقيود الألم في زنزانة الماضي. بالأمس كان معنا أحباب نشاطرهم الفرحة، ونحرك عقارب الساعة بمعيتهم، نرسم معهم ابتسامة على وجه الحياة بألوان ضحكاتهم، وهم قد رحلوا الآن عنا تاركين على أديم القلب أثراً من وقع أقدامهم وتحرك خيالاتهم. غابت أجسادهم عنا لكنهم مازالوا يتراؤون لنا صوراً حية تتخايل هيئاتهم أمام ناظرينا. ذهبوا عنا وما زالت بصمات أفعالهم تخضب جدران أفئدتنا، نتحسسهم فنمسح بوجعٍ على أوجاعنا، ويرن في آذاننا جرس أصواتهم فنميل طرباً لعذوبة اللحن ومن فقد ذلك الصوت. هم استوطنونا واحتلوا سويداء القلب فأذعنت لهم الجوارح وانساقت لودهم المشاعر. لأنهم معنا في خلجات أنفسنا يشاطروننا الحياة ولكن بوقتٍ مختلف، وزمان منفصل، وأحداث بعيدة، ولكنها من عمرنا قريبة، لأنهم قريبون جداً من حنايا الروح في قلوبنا. خديجة الحوسني
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©