الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اقتصاد البرتغال المريض يفجر أزمة صحية

19 مايو 2012
بالنسبة لـ"فرانشيسكو ريبوسو"، كان خصم الـ 30 في المئة من الراتب الذي أُجبر عليه في إطار إجراءات التقشف التي طبقتها الحكومة البرتغالية، هو أخف الهموم الذي تقلقه. فـ"ريبوسو" البالغ من العمر 30 عاماً الذي يعمل معلماً لمادة العلوم في المدارس الثانوية، يخضع أيضا لجلسات غسيل كُلى وينتظر إجراء عملية جراحية فيهما، كما أن حزمة الإنقاذ المالي لبلاده تعني أنه سيتكبد مئات الدولارات شهرياً قيمة فواتير العلاج الطبي. لرؤية طبيب في البرتغال في الوقت الراهن، يضطر الناس لدفع أكثر من ضعف ما كانوا يدفعونه في السابق (من 12 إلى 26 دولاراً). وعلى الرغم من أن"ريبوسو" لم يكن يدفع تكاليف جلسات غسيل الكلى على أساس أنه كان يتبرع بدمه مقابل تلك الجلسات، إلا أن هذا الشرط الميسر قد أُلغى الآن بحيث بات مضطرا لدفع ما قيمته 53 دولاراً للجلسة الواحدة، علما بأنه يجري ثلاث جلسات في الشهر الماضي. مثل هذه التكاليف قد تبدو منخفضة مقارنة بمثيلتها في الولايات المتحدة، ولكن المشكلة تكمن في أن البرتغاليين مثلهم في ذلك مثل معظم الأوروبيين قد اعتادوا على خدمات الرعاية الصحية الشاملة المقدمة في إطار نظام دولة الرفاه المطبق في تلك البلدان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وكانت اثنتا عشرة دولة أوروبية، على أقل تقدير، قد رفعت من تكاليف الرعاية الصحية في السنوات الأخيرة، أو تقوم حالياً بالنظر في أمر زيادتها كوسيلة لتخفيض النفقات العامة للحكومة. وفي الوقت الراهن، تسعى البرتغال وإسبانيا الجارتان في شبه الجزيرة الآيبرية بالنظر في إمكانية تطبيق نسخة أقل قسوة من مشروع لشبونة الجديد للرسوم، الذي يرمي لتجنب تطبيق حزمة إنقاذ. وتلك الاستقطاعات في المزايا والمنافع، قد يكون لها تأثير مؤلم للغاية في البرتغال بالذات التي تعتبر أفقر دول أوروبا الغربية. ففي الشتاء الماضي على سبيل المثال، لوحظ ارتفاع نسبة الوفيات في هذا البلد حيث زادت نسبة المتوفين في شهري فبراير ومارس من هذا العام، عن نسبتها عن نفس الفترة من العام الماضي بـ 20 في المئة تقريباً. بيد أن السلطات الصحية تعزو ذلك إلى سلاسة شرسة من الإنفلونزا تصيب كبار السن أكثر على وجه الخصوص، وهو ما تسبب في زيادة نسبة الوفيات ضمن هذه الفئة من السكان، خلال الشتاء الماضي الذي كان أشد برودة من المعتاد. ولكن أحزاب المعارضة ترى أن ذلك يعد في حد ذاته دليلاً على أن حزم التقشف لا تؤثر على رفاهية البرتغاليين فحسب، وإنما تعرض حياتهم للخطر أيضاً. ولكن حكومة لشبونة تقول إن زيادة رسوم الرعاية الصحية يعد أمراً ضرورياً بالنسبة لها حتى تتمكن من التماشي مع قواعد الإنفاق الأوروبية، ومواجهة تبعات حزمة الإنقاذ المالي المقدمة من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي العام الماضي، والتي بلغت في مجموعها 100 مليار دولار وإنقاذ نفسها من ربقة الديون بالتالي. ومما يفاقم من المشكلة أنه في الذي زادت فيه تكاليف العلاج الطبي من المتوقع أن تنخفض دخول البرتغاليين – علما بأنه لا يزيد متوسط دخلهم السنوي على16,400 ألف دولار- بنسبة 3.25 في المئة هذا العام. ويقول"ريبوسو" إن عدد زملائه من المرضى المصابين بالفشل الكلوي والذين يخضعون لجلسات غسيل كُلى قد انخفض بعد الإجراءات الأخيرة. ومن جانبها تقدر الحكومة أن ثلث عدد المستشفيات العاملة في الدولة، باتت تعاني الإفلاس نتيجة لإحجام المرضى عن مراجعتها، بسبب عدم قدرتهم على تحمل قيمة فواتير العلاج. وتقول" آنا فيلجيراس"، التي تدير مؤسسة خيرية يطلق عليها "سيدادوس دو موندو" التي تعني بالبرتغالية "مواطنو العالم":" أعرف الكثير من المرضى الذين توقفوا عن التردد إلى المستشفيات العامة بسبب زيادة نفقات العلاج". وتضيف:" بل أنني أعرف مرضى لم يعودوا قادرين على مراجعة المستشفيات لأنهم لا يستطيعون السير إليها مشياً على الأقدام بسبب اعتلال صحتهم، كما لا يقدرون أيضاً على دفع نفقات المواصلات". ومن المعروف أن البرتغال يوجد بها أعلى نسبة مصابين بالسكر في أوروبا، وثالث أعلى نسبة في العالم المتقدم بعد الولايات المتحدة والمكسيك، وفقاً لإحصائيات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. كما تقدر دراسة حديثة قامت به الجمعية البرتغالية لأمراض القلب أن واحداً من كل أربعة برتغاليين معرض لخطر الموت بسكتة قلبية خلال العشر سنوات القادمة، وأن 30 في المئة من هؤلاء فقط هو من يحصل على العلاج الطبي والأدوية الكافية. والآن يأتي الاقتصاد المريض ليضاعف من مخاطر كل هذا ويزيد بالتالي الأعباء التي يتعرض لها البرتغاليون. في الوقت الراهن، يوجد "ريبوسو" على قائمة الانتظار لإجراء جراحة في الكليتين، مما يعني أن عدد مرات جلسات غسيل الكلى التي يخضع لها سيزداد، لتزداد بذلك معاناته. يقول "ريبوسو" الذي شارك مؤخرا في مظاهرة احتجاج ضد إجراءات التقشف للتنفيس عن إحباطه: "حتى الآن ما زلت قادراً على التردد إلى وحدة غسيل الكلى لإجراء تلك الجلسات على الرغم من التخفيض الذي طال راتبي، ولكن من يدري فربما أجد نفسي ذات يوم، ولم يعد لدي نقود فحينها سأقرر عدم الذهاب". لورين فريار لشبونة ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم.سي.تي إنترناشيونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©