الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمود المليجي عملاق الشر في الفن و كنــز الخــير في الحيـاة

محمود المليجي عملاق الشر في الفن و كنــز الخــير في الحيـاة
28 نوفمبر 2008 01:30
محمود المليجي ممثل عبقري، قال عنه يوسف شاهين إنه أعظم الممثلين المصريين على مر التاريخ · واعتبره كثيرون انتوني كوين الشرق · هو أسطورة الشر في السينما العربية· وأستاذ فن التمثيل العفوي الطبيعي، وصاحب الملامح الحادة الصارمة المعبرة عن أبلغ معاني المكر والدهاء والقوة الغاشمة والأداء الأخاذ الذي يضاهي عمالقة التمثيل في العالم أجمع، وفضلا عن أدوار الشر التي اشتهر بها كان المليجي ممثلا طيعا، جوكر كما يقولون، أدى أو تقمص إلى حد الذوبان شخصيات متباينة أكثرها صعب ومعقد· وبرع في دور الشرير المتسلط وطالما ظهر على مشاهديه بعينين قاسيتين وجسد متحفز للانقضاض كالفهد، كما برع في دور الطيب المغلوب على أمره، وظهر بنفس العينين المتسعتين ولكن المنكسرتين والمسدلتين على أبلغ معاني الحب والود والحنان· تقمص المليجي شخصيات اللص والقاتل والقتيل والقوي والضعيف والوسيم والدميم ورجل المباحث والباشا والفقير والطبيب والمحامي والصياد والتاجر والبقال والسياسي الفاسد والعجوز العاقل والمخرف، كما قدم شخصيات كوميدية كثيرة، ونقطة التحول في حياته كانت شخصية ''محمد أبو سويلم'' التي قدمها في فيلم ''الارض'' ليوسف شاهين، ومشهد سحله وسط حقول القطن يعتبر من المشاهد الخالدة· ومع هذه الشخصية رسخت مكانته كواحد من عظماء السينما المصرية، وقدم المليجي أكثر من سبعمائة عمل في السينما والمسرح والإذاعة والتليفزيون، وظل طوال حياته محبا للفن مخلصا له حتى توفى فجأة، وهو يشرب القهوة، أثناء تصوير آخر أعماله وهو فيلم ''أيوب''· لا غناء ولا رياضة ولد محمود المليجي عام 1910 بحي المغربلين بالقاهرة القديمة لأسرة ميسورة الحال محبة للفن، والده حسين المليجي كان يعمل بتجارة الخيول العربية الأصيلة والسيارات وكان من وجهاء الحي وربما القاهرة كلها، وكان محبا للفن، خصوصا الموسيقى والغناء، وكانت تربطه علاقات وصداقات حميمة مع مشاهير المطربين في ذلك الوقت· وكان يأخذ ابنه المليجي الصغير لكل حفلاتهم وجلساتهم، وهذا حببه في الغناء، وجعله، وهو مازال طفلا، يفكر في مستقبل يكون فيه مطربا كالذين هام بهم والده، غير أن الوالد المحب للغناء، رفض غناء ولده بكل عنف، وحينما استمع إلى صوته نهره وعنفه، ربما لم يجد فيه إلا حشرجات لا تبشر بمطرب من أي نوع، وربما خشي عليه نظرة الاحتقار التي كان يعانيها العاملون بالطرب والغناء حينها· اقتنع المليجي الصغير بنصيحة والده وربما خاف من ويلاتها، فحول على الفور مسار حياته نهائيا، وبدلا من الموسيقى والغناء والطرب، قرر تعلم الملاكمة، وبالفعل التحق بأحد المراكز الرياضية وبدأ يلاكم الهواء والاكياس الرملية، لكن مع أول مواجهة حقيقة سقط أمام ملاكم قوي· ونال لكمة قاضية قرر على أثرها وتحت آلامها هجر الملاكمة والرياضة كلها· اخفاق في التمثيل! حين كان المليجي طالبا بمدرسة الخديوية الثانوية عرف فرقة التمثيل التي أسسها ناظرها، وانضم إليها وأصبح رئيسا لها وقدم معها العديد من العروض، غير أن انضمامه إليها ونبوغه فيها لم يكن سهلا، وكاد يفشل كما فشل في الطرب والملاكمة من قبل، وهو نفسه يروي هذه التجربة بألم قائلا : ''في السنة الرابعة جاء عزيز عيـد ليدربنا، جذبتني شخصيته الفذة وروعة إخراجه وتطور أفكاره، وكنت أقـف بجانبه كالطفل الذي يحب دائماً أن يقلد أباه، وأُعجب بي عزيز عيد وأنا أمثل، ومـع ذلك لم يُعطنِي دوراً أمثله، وكـان يقول لي دائمـاً·· ''إنت مش ممثل ·· روح دور على شـغلـة ثانية غير التمثيل· وفي كـل مـرة يقول لي فيـها هذه العبـارة كنـت أُحـس وكأن خنجراً غـرس في صـدري، وكثـيراً ما كنت أتـوارى بجـوار شجـرة عجـوز بفـناء المـدرسة وأترك لدموعي العنان، الى أن جـاء ذات يـوم صـديق قـال لي: إن عزيز عـيد يحـترمـك ويتنبأ لك بمستقبل مرموق في التمثيل''· كومبارس بعشرة قروش ومن الفرقة المسرحية بالمدرسة انتقل المليجي للتمثيل كومبارس بفرقة رمسيس بأجر يومي عشرة قروش، ثم طلبته الفنانة فاطمة رشدي للانضمام الى فرقتها بأجر شهري أربعة جنيهات، وقدم معها أعمالا مسرحية لفتت الأنظار لموهبته الفذة مثل ''الزوجة العذراء''، و''علي بك الكبير''، و''يوليوس قيصر''، مما أغرى فاطمة رشدي بأن تسند إليه أول بطولة سينمائية في حياته في فيلم ''الزواج'' لكنها كادت تكون البطولة الأخيرة في حياته، وأحدثت له صدمة كبيرة وذكرته بفشله المتواصل في الغناء والرياضة وكادت تطيح به خارج عالم السينما والتمثيل والفن عموما، فقد سقط الفيلم سقوطا مدويا وخسر خسرانا مبينا، واسودت الدنيا في وجهه، وبدا أن ملامحه الجادة الصارمة ستحول بينه وبين التعبير عن مواهبة التمثيلية الضخمة· ولكنه سرعان ما تماسك، ووثق بنفسه وملامحه، ووجد لها مجالا أوسع في أدوار الشر والمكر والدهاء، والحقيقة أن صناع السينما ساهموا في ذلك بقدر كبير، منذ نجاحه في دور الشرير في فيلم ''قيس وليلى'' للمخرج بدر لاما· ولم يجد فيه المخرجون وصناع السينما عموما وربما المشاهدون أنفسهم إلا الشخصية الشريرة، والملامح التقليدية للشخص المكروه، غير ان المليجي، الممثل بالفطرة، لم يستسلم للنمطية، واشتغل على شخصياته الشريرة حتى ملأها بالحياة والقوة والعنفوان وجعل الناس يتابعونها ويتحمسون لها اكثر من الشخصيات الطيبة في أعماله· ''الأرض'' نقطة انعطاف ويعتبر دور ''محمد أبو سويلم'' في فيلم ''الارض'' عام 1970 هو نقطة التحول الكبرى في حياة المليجي كفنان وكإنسان أيضا، وبفضله أطلق عليه لقب ''أنتوني كوين الشرق''، فقد أدى فيه أعظم أدواره على الإطلاق· فلا يمكن لأحد أن ينسى ذلك المشهد الختامي، الذي يظهر فيه المليجي أو ''محمد أبوسويلم'' وهو مكبـَّل بالحـبال والخـيل تجـرُّه على الارض محـاولاً التـشـبث بجذورها· ولم تكن روعة المليجي في فيلم ''الارض'' تكمن في الأداء فقـط، بل في أنه كـان يؤدي دورا معبرا عن حقيقته، خصـوصاً عندما رفض تنفـيذ هذا المـشـهد باسـتخدام بديل ''دوبلير''، وأصَّـر على تنفـيذه بنفسه كما في معظم أعماله بما فيها أفلام الأكشن الشهيرة مع فريد شوقي· وهو ما يتناسب مع شخصيته الجادة والمخلصة· إنت طالق يا فوزية قبل فيلم ''قيس وليلى'' وتحديدا في أواخر عام 1938 تزوج محمود المليجي الفنانة علوية جميل، ولم يرزقا بأطفال، وظل وفيا لها، زاهدا في الزواج من غيرها قرابة الأربعين عاما، ولكن قبل وفاته بحوالي عشرين عاما أحب فنانة اسمها فوزية الانصاري كانت تعمل في فرقة اسماعيل ياسين وتزوجها، ولكن علوية، زوجته الاولى لم تستسلم، واشعلت معركة حامية أجبرته على تطليق الفنانة الشابة في اليوم الثالث للزواج، وأطرف ما يروى عن هذه الزيجة الخاطفة أن علوية جميل هي التي اتصلت بالفنانة الشابة وقالت لها ''إنت طالق يا فوزية''· رحيل مفاجئ على رائحة القهوة ظل المليجي محصورا فترة طويلة في أدوار الشر، وقد أتقنها بامتياز لدرجة انه لقب بامبراطور الشر ونجمه الأهم، ولكن مع أفلام يوسف شاهين بدأ يسفر عن وجه آخر، وجهه الحقيقي الذي أخفاه طويلا، وجه الإنسان الطيب والأب الحنون المغلوب على أمره· وخرج من نمط الرجل الشرير تماما في أفلام ''الارض'' و''العصفور'' و''عودة الابن الضال'' و''اسكندرية ليه'' وسحرته هذه الشخصية، ووجد فيها ملكات قمعت طويلا تحت نظرات الشر وزفراته، وتمسك بها حتى توفي فجأة، وهو يحتسي القهوة، أثناء تصوير آخر أعماله فيلم ''أيوب'' يوم 6 يونيو ·1983
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©