الإثنين 6 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رواية سلاَّم لهاني النقشبندي تخترق حصانة الزمن

رواية سلاَّم لهاني النقشبندي تخترق حصانة الزمن
27 نوفمبر 2008 01:33
''ليس التاريخ توثيقاً لما حدث بالفعل، وإنَّما لما نتمنى أن يكون قد حدث''· هكذا يقول إبن برجان موجهاً كلامه إلى الأمير وتابعه رمَّاح، ما يجعل القول جديراً بالتوقف عنده أنَّه يصدر عن كائن تاريخي، انبثق فجأة من تحت ركام الماضي، منتدَباً من قبل الأقدار للقيام بمهمة تاريخية هي الأخرى، تتلخص بمنع الأمير من إعادة تشييد قصر الحمراء الأندلسي في مدينته، خشية تسلل اللعنة الأزلية التي تحيط بالملك المُضاع· إذا كانت الأندلس هي موئل أمجاد غابرة، ومحط حنين أسطوري بالنسبة للسواد الأعظم من العرب المعاصرين، أحفاد أولئك الحكام الفاتحين، فإنَّ التوصيف الذي تقترحه بشأنها رواية ''سلاّم'' للكاتب السعودي هاني النقشبندي مغاير، بل مناقض تماماً، لهذا الإجماع الرومانسي، حيث هو يسعى إلى تجريد الماضي من قداسته الخلبية الواهمة، وإخضاعه بجرأة نادرة إلى مبضع التشريح الحاد والجاد· صدمة يحصل ذلك وفق قاعدة استخلاص العبر المستندة إلى وجاهتها العلمية، وإن تكن صادمة للإجماع، ومناقضة للسائد، وهو لم يسد إلا بفعل تواطؤ العقل العربي المعاصر مع تجليات الموروث، وتداعياته الجمة· هكذا تنتظم أحداث الرواية وفق سياق مدروس هادف بإصرار إلى إحداث صدمة في الوعي المهيمن على مقاربة العرب لماضيهم، إذ لا يكفي للزمن أن يدخل في خانة الذكرى حتى يكتسب حصانة حميمية تجعله بمنأى من المحاسبة، وما تحاول الرواية قوله، وهي تنجح في ذلك، أنَّ أثر الحضور العربي في الأندلس لم يقتصر على الحدائق الغناء، والموشحات المؤنسة، والعشق المتقد بين ولادة بنت المستكفي ووزير والدها إبن زيدون، لكنَّه تعدّى ذلك كلهَّ ليشكل فاتحة صراع قاس ومكلف مع الآخر، الذي لا يصير آخراً إلا بمقدار ابتعاد المرء عن جوهره الإنساني، ليتمحور حول قناعات ومفاهيم ورؤى مسبقة، لا تملك من الصحة مقدار ما لديها من محفزات التعصب والتقوقع على الذات· التباس بالرغم من بعدها الفلسفي، تحرص الرواية على الالتزام ببناء درامي يعكس قدراً لافتاً من التماسك، وتسجَّل لها تلك الانسيابية المتميزة التي سمحت بتسلل الكثير من التهويمات الحياتية إلى صلب المسار الواقعي للأحداث· حيث أمكن للكاتب إقامة تعايش لا تعوزه الحميمية، ولو تخلله الصدام أحياناً، بين شخصيات حقيقية انطوت عليها صفحات روايته، وأخرى جرى استدعاؤها من عالم المخيلة والذكرى، وفق آلية تمهيد مدروسة بعناية، أمنت لعملية الاستحضار تلك الكثير من السلاسة، اعتماداً على هذه الصيغة الجامعة صار بوسع الشيخ الوقور، إبن برجان، القادم من التاريخ ليقوِّم بعض اعوجاجه، ويصحح بعض مفاهيمه المغلوطة، أن يساجل رمّاح، تابع الأمير، وهو صاحب شخصية تمزج بين الطرافة والنزق، لينتزع إعجابه، ويثير دهشته في الكثير من مفاصل النقاش· يرغب الأمير الذي يزور غرناطة للمرة الأولى، بالرغم من زيارات كثيرة قام بها لمعالم إسبانيا الساحرة، أن يستنسخ قصر الحمراء في محاولة لبعث أمجاد غابرة عصف بها النسيان، وإن كان الحنين إليها دائم الحضور، ويستدعي الأمر بروز إبن برجان، الرجل الغامض القادم من مجاهل الماضي، ليحاول ثني الأمير عن عزمه تفادياً للعنة مستديمة، كما سبقت الإشارة، وعندما يعجز عن ذلك لا يبقى أمامه سوى إحالة الأمير الحالم إلى ''سلاَّم'' باني قصر الحمراء· بعد ذلك تمضي أحداث الرواية على التخوم الفاصلة بين الواقع والخيال، تؤطرها رحلة البحث عن كائن وهمي محاط بقدر مذهل من التفاصيل الواقعية، عند هذا المستوى من السرد الروائي يتراجع حضور التفاصيل اليومية لصالح البعد التخيلي، حيث نقع على ما يماثل الفانتازيا الحدثية التي تجذب القارئ نحو التفاعل مع حدث يدرك مسبقاً أنَّه عصي على الحدوث
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©