الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حادثــة سير

9 فبراير 2006

بعد انتهاء أيام العزاء في وفاة والدي رحمه الله، انطلقت لعملي وانا في حالة نفسية سيئة جداً، كنت أقود سيارتي بلا تركيز، مكان عملي يبعد عن بيتي بساعة تقريباً، كانت الأفكار تتلاطم برأسي، تذكرني بموج البحر الهائج الذي لا يرحم، تخيلوا ان يجد الانسان برأسه بحراً مظلماً غاضبا لا يعرف الرحمة·
شريط من الأفكار المتشائمة يدور بهذه الرأس المتعبة، حياتي الصعبة التي أعاني منها بشكل مستمر، مرض الوالد، وضع أسرتي الحرج من الناحية المادية، مشاكل لا أول لها ولا آخر·
خرجت من شارع جانبي وكان علي التوقف للتأكد من خلو الشارع· لم اكن في وعيي الكامل وانا تحت ذلك الضغط النفسي الشديد· خرجت بلا تركيز، فاعترضت طريقي سيارة مسرعة فحدث الاصطدام الذي قصم ظهر البعير في أموري كلها·
دارت بي الدنيا وأحسست بنوع من فقدان الوعي· ماذا أفعل مع هذه المشكلة الجديدة؟· لقد تسببت في إصابة سيارة المرأة إصابة بالغة· سيارتي أيضاً تكسرت، اجتمع الناس، الكل يردد: الحمدلله على السلامة، اجيبهم بحسرة: نعم··· احمد الله على سلامتي وسلامة تلك المرأة· لقد خرجت من سيارتها مفزوعة، ترتجف من رأسها إلى أخمص قدميها، هرب الدم من وجهها، كادت ان تخسر حياتها، ولكنها لازالت حية، نعم الحمد لله على انها لازالت حية ولم أتسبب في موتها، ولم تحدث خسائر في الأرواح·· ولكن!
الخسائر المادية، ماذا سأفعل بها؟ كيف سأواجهها؟ سيارتي قديمة وغير مؤمنة لدى شركة تأمين· انها سيارة منتهية تركها لي أخي بعد ان تعطلت· هي في الحقيقة ليست سيارة بالمعنى الحقيقي، انها شيء يمشي على عجلات أربع ويخرج اصواتاً ودخاناً ملوثاً للبيئة، لو صادف ان شاهدها أنصار البيئة لاحتجوا على بقائها في الشارع· انها احد مصادر الإزعاج والتلوث البيئي، ولكنني مضطرة لقيادتها، ماذا أفعل غير ذلك؟ المضطر يركب الصعاب كما يقولون·
لازلت أتذكر وجه أخي وهو يضحك ساخراً مني حين درت حولها باحثة عن مكان المقود، انه ليس في مكانه الطبيعي، انه في جهة اليمين عكس باقي السيارات، كيف يمكن قيادتها؟ سألت أخي بتعجب، ازدادت ابتسامته إتساعاً وهو يقول: ستتعودين عليها، ليس لديك خيار آخر· تنهدت بحرقة، نعم ليس لدي خيار آخر، فعملي بعيد جداً وليست لدي الإمكانات المادية لدفع ما يطلبه سائق الأجرة·
أين الحل؟
كنت أفكر دائماً بأنني لو تزوجت فإن معاناتي ستنتهي، وسيكون في حياتي شريك يقاسمني همومي ويغطي احتياجاتي المادية· تساءلت مراراً باستغراب··· لماذا لا أتزوج من إنسان يتحمل عني جزءاً ولو بسيطاً من هذه المعاناة القاتلة؟ عموماً، إنه النصيب، فأنا في الحقيقة لم ألمس الجدية في من حولي· الشباب يفكرون بأن المرأة التي تعمل بينهم هي فتاة تصلح لإقامة العلاقات فقط! الكل يريد ان يقضي وقتاً ممتعاً في حب زائف لا نهاية له· لقد عرفت اللعبة وأدركتها بسرعة لأنها لا تحتاج إلى ذكاء كبير، لذلك قررت ان لا أعطي لأحد الفرصة للتلاعب بي· تركت الأمر كله لله، فلست ممن تستهويهم العلاقات والعبث بلا طائل· بصراحة ليس لدي وقت أضيعه في مثل تلك الأمور التافهة، ثم يكفيني ما أعانيه في حياتي ولست بحاجة للمزيد من المشاكل·
بعد دقائق من الحادث جاء رجال الشرطة، تحققوا من الأمور كلها ثم أخبروني بأنني انا المخطئة وعلي ان أتحمل أعباء هذا الاصطدام· هذا يعني بأن علي ان أتحمل نفقات إصلاح سيارة المرأة وسيارتي·
نظرت إلى السيارتين وتساءلت عن المبلغ الذي يحتاجه اصلاحهما، قال الشرطي: اعتقد ان سيارتك غير قابلة للتصليح، انها 'سكراب'، ولكن سيارة المرأة ستكلفك الكثير·
نظرت إلى وجه المرأة، وقد عادت الدماء إلى وجهها ورحل الخوف والفزع عنها· كانت بكامل اناقتها، ملامح الثراء تغطيها من رأسها حتى أسفل قدميها· كم هي محظوظة، انها امرأة غريبة وانا ابنة البلد، ولا توجد أية مقارنة بين ثرائها وفقري·
استعذت بالله من الشيطان الرجيم ووساوسه، من الحسد ، ولكن! النفس أمارة بالسوء وهي تدعوني لأحسدها على سيارتها الجديدة وساعتها الثمينة، وما تلبسه من مجوهرات غالية، وانا لا أجد لقمة العيش البسيطة التي تكفيني· تذكرت معاناتي القاسية للحصول على عمل، كنت مضطرة للبحث عن عمل وانا لم أزل بالثانوية ، فظروفنا المادية صعبة جداً·
أسرة بسيطة
نحن سبعة، ثلاث بنات وأربعة أولاد، أنا الوسطى بينهم· والدي كان يعمل في دائرة الماء والكهرباء، تزوج أمي وهو كبير في السن، أنجبنا ثم أحيل على التقاعد· كان الضغط المادي والنفسي عليه كبيراً، فتعرض لجلطة في المخ طرحته في الفراش مشلولاً عشر سنين وهو يعاني بصمت وألم· كان راتبه التقاعدي ثلاثة آلاف درهم فقط، وكانت الحالة صعبة للغاية مع اسرة كبيرة مثل أسرتنا·
ترك أخي الكبير دراسته واشتغل في الدفاع لفترة، ولكنه ترك العمل بسبب عدم التزامه وجلس في المنزل· أخي الذي يليه ترك الدراسة هو الآخر واشتغل في الدفاع واصبح له راتب خاص ولكنه شغوف باقتناء السيارات الجديدة والتلفونات الحديثة ولا يكترث لنا كثيراً لأنه لا يشعر بالمسؤولية نحونا·
الأخ الذي يليه ذهب للدراسة العسكرية في بريطانيا، في رحلة للخلاص من هذه المعاناة المزعجة كما يقول· اما اختي الكبرى فأنهت الثانوية وبحثت عن عمل ولم تحصل عليه، فاستسلمت لليأس وجلست في المنزل·
أما انا، فقد حدثت معي المعجزة وحصلت على وظيفة في الشرطة براتب ألفي درهم شهرياً· كنت سعيدة سعادة بالغة براتبي ولكنني سرعان ما اكتشفت بان هذا المبلغ تافة ولا يستطيع ان يفعل شيئاً في أزمة الاسرة·
توزيع الراتب
كان أول ما فكرت فيه هو أن أقوم بإصلاح المنزل وأخذ والدي للعلاج· شاركت بجمعية بخمسين ألف درهم لأجل الوالد، حيث أخذناه للعلاج في الهند لتخفيف معاناته·
قمت بعدها بأخذ سلفة بنكية لعمل صيانة للمنزل، فالغرف سقوفها متشققة يتسرب منها الماء، والجدران متآكلة من أثر الرطوبة·
صار البنك يستقطع من راتبي 937 درهما شهرياً والباقي أدفعه للجمعية التي تسلفتها، فلا يبقى من الراتب سوى 300 درهم فقط، فمن أين سأتي بمبلغ تصليح السيارة الذي سيترتب علي جراء الحادث؟
وضع أسرتي لا يساعد على تدبير المبلغ، فوالدتي جزاها الله خيراً تفعل المستحيل من أجل ان تدبر احتياجات المنزل بمبلغ التقاعد الضئيل الذي تحصل عليه، وأخوتي لا يمكن ان يساعدونني في محنتي الجديدة هذه لأن الأول عاطل والثاني عليه سلف وديون والثالث مسافر ولا يدري عن شيء، كيف سأتصرف وماذا سأفعل؟ والله لا أدري·
قامت المرأة باحضار فاتورة بعشرة آلاف درهم ثمناً لتصليح سيارتها، شهقت بفزع! ماذا تقولين؟ هل هذا يعقل؟ انه مبلغ ضخم؟ كيف يمكنني تدبيره؟
اتصلت بشركة التأمين المسؤولة عن سيارتها، طلبت منهم ان يصلحوا السيارة ووعدتهم بان أدفع لهم المبلغ بالتقسيط، رفضوا ذلك ولم يفعلوا شيئاً لمساعدتي·
الشرطة تعاطفت معي بعد ان شعروا بعجزي عن الدفع وأعطوني فرصة لعرض السيارة على كراج آخر لتخفيض أجور التصليح، وبالفعل فقد وجد أخي كراجاً تعهد بتصليحها بخمسة آلاف درهم فقط، انه عرض جيد ولكن يبقى السؤال الصعب وهو: من أين استطيع تدبير هذا المبلغ؟
طلب الحاجة
قمت بمفاتحة زملائي وزميلاتي واقربائي وجيراني وكل من عرفتهم وعرفوني بمشكلتي لأجد من يساعدني، فأعتذر أكثرهم بلطف، أما الباقي فقد طنشوني وأداروا ظهورهم لي·
بعد ان عجزت ويأست تماماً من أيادي الخير من حولي، ظهرت أيادي الشر لتلعب دورها الطبيعي· أحد الزملاء عرض علي إعطائي المبلغ مقابل صداقة ليست بريئة كما أظن· أحد المسؤولين عرض علي ان يتزوجني بالسر، فيساعدني في حل جميع مشاكلي المادية، فهو يكبرني بخمسة وعشرين عاماً ولديه أولاد وبنات أكبر مني، فهل أحرم نفسي من حياة زوجية طبيعية ومن الأمومة ومن كل الحقوق الإنسانية للزوجة مقابل حاجتي المادية؟
إنه اختيار صعب، أرجو منكم ان تساعدونني في الاختيار لأنني اقف حائرة ولا أدري كيف أتصرف في مشكلتي الصعبة التي أعيشها·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©