الجبس زخرفة تروي حكايات الأندلس

وقف مشدوها فاغرا فاه أمام نقوش معقدة وزخارف دقيقة متقنة لدرجة التعقيد، يسترق النظر لنماذج نقوش على ورق يبسطها أحد المهندسين على طاولة كنموذج لإتاحة مساحة الاختيار لأحد الزبائن، يعلق عبدالله محمد: ''أكيد أنها عنوان حضارة عريقة، يسأل عن سرها وسعرها، لأنه يرغب في استخدامها داخل بيته، إذ إنه يعشق فخامة الديكور والعمارة الإسلامية· من الموحدين للأندلس يجيبه محمد مليك، مهندس ديكور داخلي ومتخصص في النقش على الجبس: ''إنه فن عمارة عريق تمتد جذوره إلى القرن الحادي عشر للميلاد، في عهد الموحدين بالمغرب الذين تمكنوا من بسط نفوذهم على الأندلس وضمها لحضارتهم في القرن الحادي عشر للميلاد، وتكوين ما يسمى بالمغرب الإسلامي، وهنا بدأ الطراز الصحيح لفن العمارة الإسلامية نسبة للمسلمين الذين أبدعوا جنبا إلى جنب مع بقية العلماء في شتى المجالات أثناء تواجدهم في الأندلس بإسبانيا عدة قرون، ثم انتقلت الزعامة إلى المغرب بعد سقوط غرناطة سنة 1492 للميلاد حيث طرد المورسكيون من الأندلس وهم (فئة من العرب المسلمين) فاتجه أغلبهم إلى شمال أفريقيا، وكانت المغرب من احتضنت أغلبيتهم واستقروا بسلا وفاس ومراكش وشفشاون وطنجة وتطوان ومكناس، وبذلك أصبحت العمارة في المغرب تحاكي عمارة الأندلس، ولا يكاد المؤرخون والكتاب يستطيعون التفريق بينهما، وأهم ما يميز هذه العمارة هي الفراغات الداخلية واتساعها، والصحون أي (الأفنية المفتوحة) التي تتخللها حدائق داخلية ونوافير، كما تميزت ديكوراتهم بالنقوش والزخارف الدقيقة المتقنة لدرجة التعقيد، واستعمال الألوان المتداخلة والمتعددة والفسيفساء والموزاييك وكثير من الحجار والأصداف، تؤثثها أفرشة ذات ألوان زاهية وقوية ولامعة''· وعن ديكور الجبس يقول محمد مليك: ''هو فن زخرفة يستخدم في تيجان الأعمدة والأقواس بشكل أحزمة في وسط أو أعلى جدران المنازل أو في أسقف المنازل والنوافير في الأماكن المركزية، ونقش على القباب والأقواس والأفنية بأنامل تراعي الهوية الإسلامية، كما وتعددت الإبداعات والابتكارات لأشكال عصرية جديدة تساير الذوق العربي· قصر الحمراء بغرناطة وعن سر جمال النقش على الجبس يقول مليك: ''بالإضافة لكونه تعبيراً عن الفخامة والحضارة، فهو يتطلب مواصفات خاصة في صانعيه ومن يقومون بنقشه، وهو عبارة عن حجر يطوع بمروره بعدة مراحل لتسهيل عملية النقش عليه، وبداية كان النقش يقوم 100% على الحائط أو الجدار مباشرة وينقش يدويا، كنا نستغرق شهورا في شغل بعض البيوت الكبيرة، أما القصور والفلل فيستمر العمل بها لمدة تفوق سنوات حسب رغبة الزبون واتساع مساحة البيت، فالزبون هو الذي يملك القرار، إذ أذكر أننا كنا نشتغل بداية الثمانينات عند أحد الأمراء فطلب منا شغلاً يحاكي قصر الحمراء بغرناطة بإسبانيا، ولم يتوفق أحد في إرضائه، مما حدا به لأخذ الجميع إلى لقصر (في إسبانيا) حتى نتمكن من إتقان ما طلب، وبالفعل قام بنسخ قصر الحمراء بجميع تفاصيله في بلده، إذ كان شغوفاً بالحضارة الإسلامية وفنونها الرائعة''· سريع التأثر من جانبه يقول عمر معلم نقاش على الجبس : ''إنه فن جميل وراق يتطلب صبرا وحرفية عالية ليكون في المستوى المطلوب لنكون في موعد التسليم، أما اليوم فكل شيء تغير، وسهلت قوالب السليكون الجاهزة النقوش، وإلى حد كبير شغل الصانع، وهي قوالب بنقوش رائعة وجاهزة يختارها الزبون كل حسب ذوقه، وتبقى بعض الطلبات التي يشترط فيه صناعة يدوية100 % وزخارف معينة تحاكي العمارة الإسلامية، وهناك نوعان من الجبس: ''الأول الجبس الجاهز وهو الذي يصب بقوالب خاصة ويجهز في المحلات والمصانع وهو قليل التكلفة، إذ يمكن نقله من المصنع إلى المنزل وتركيبه بسهولة· أما النوع الثاني فهو الجبس الذي يتم نقشه وتجهيزه في المنزل، وهو يأخذ مدة أطول من السابق وبتكلفة أكبر ولكنه أكثر جمالا وحبكة في المصنعية''، وهناك أسقف جبسية واسعة تغطي كل السقف بالغرفة وتحتها إضاءة متميزة تضفي جمالا، أما عن سلبيات الجبس فيقول إنه يتأذى بالماء الكثير، كما أنه لا يتحمل الاحتكاك المستمر فهذا يفتته أو يمحي معالم نقوشه، لذلك لا يجب وضعه في ممر أو منطقة معرضة لكثرة المرور· زبون ذواق وعاشق الفخامة عن الأثاث الذي يلائم زخارف الجبس يقول: ''النقش على الجبس والخشب والفسيفساء والنوافير التقليدية يناسبها الأثاث الكلاسيكي الفخم''· وعن زبائن هذه النقوش يقول: ''هم من الذواقين الذين لهم دراية وعلم بفخامة الديكور الداخلي من مختلف النقوش سواء على الجبس أو الخشب أو الفسيفساء وما يصاحبه من أثاث، وعلى كل، فالزبائن هم من الأثرياء''· عشق العمارة الإسلامية بدوره يؤكد أبو عبداللطيف الذي يرغب في بناء بيت جديد، ويبحث عن ما يناسبه: ''أعشق كل ما هو كلاسيكي، والجبس عالم ديكور واسع ومنوع، اخترته ليظهر منزلي بأبهى حلة وبأفخم ما تكون عليه العمارة الإسلامية، أما عن الأثاث فسأقتني ما يلائم النقوش على الجبس والخشب والفسيفساء في تركيبة متجانسة، سأختار لمسة جمالية هادئة وفخمة، حيث أتاح لي عملي التعرف على بلدان تتميز بالعمارة الإسلامية الفخمة فرأيت استخدامها داخل بيتي''· التكلفة حسب الطلب عن سعر النقش على الجبس يفسر محمد مليك: ''إن السعر مرتبط بنوع الطلب والقدرة الشرائية للزبون، فهناك من لا يرضى إلا بالعمل التقليدي البلدي أي بالنقش على الحائط مباشرة، وبجميع المقاييس الفنية التي تعرف بها الحضارة الإسلامية، وهذا يتطلب الجهد والوقت وبالتالي فهو مرتفع السعر، وهناك من لا يشترط أي مواصفات، وينحصر طلبه في مناقشة السعر وملاءمته مع جمالية النقوش المستعملة، ورضوخا لرغبة الزبائن نساير متطلباتهم بطرق جديدة تراعي مستوى دخل كل شخص، وبهذا أصبحنا نجهز قوالب من (السيليكون) ونجهز قطعاً منقوشة ونقوم بتركيبها على الحائط بدل القيام بالنقش مباشرة وباليد، وبذلك تتفاوت الأسعار حسب النقوش المستعملة، فالنقوش التقليدية باليد تبدأ أسعارها من 2000 إلى 2500 درهم للمتر المربع، في حين هناك سعر مرتفع لبعض الأنواع الأخرى حسب النقش المستعمل ويد الصانع إذ تتراوح بين 10000 و 25000 درهم للمتر المربع، وهذا طبعاً لا يطلبه إلا طبقة معينة من الأعيان والأثرياء لاستعماله داخل القصور والفلل، وهناك نوع جميل وجودته لا بأس بها في متناول الجميع وأسعاره مناسبة يتراوح بين 300 و500 درهم للمتر المربع، ويتم تصنيعه في قوالب بزخارف متنوعة تجهز لتركب على الجدران، وعليه طلب كبير اليوم لسعره المناسب، وعن مواصفات الجودة يقول: ''تدخل في تحديد السعر الكثير من المواصفات كنظافة يد الصانع من حيث النقوش والألوان الطبيعية المستعملة''· ويضيف محمد مليك: هناك عدة أنواع من النقش منها، التوريق وهو عبارة عن وريقات أشجار ناعمة دقيقة التفاصيل، ومنها التسطير تدخل فيه حسابات معينة تبدأ من ثمان إلى 70 حبة، وهو عبارة عن خطوط ودوائر مدروسة تتوافق مع النقش على العود والفسيفساء المشغول يدويا البلدي أو التقليدي وكل ذلك حسب الطلب وحسب قدرة الزبون'