الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زلزال باريس!

زلزال باريس!
14 يناير 2015 21:40
قبل ذلك كان عام 2014 قد انتهى بنقاشات صاخبة ومعارك حامية في بلاد فيكتور هيغو، ومن هو موضوعها؟ نحن بالذات، نعم نحن أصبحنا مشكلة العالم، موضوع المواضيع. الناس أصبحت تتسلى بنا. ما إن انتهينا من عاصفة أريك زمور وكتابه عن «الانتحار الفرنسي» حتى شغلنا بالروائي ميشيل ويلبيك وروايته التي صدرت قبل أيام بعنوان: «خضوع»: أي الخضوع للإسلام، وهو يهلوس ويهذي على طريقته وعادته. إنه يتخيل أن الحزب الإسلامي الفرنسي سيربح الانتخابات عام 2022 أي بعد سبع سنوات فقط، عندها سيتغلب مرشح «الودادية الإسلامية» محمد بن عباس، (وهو اسم خيالي) على مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن. وعندها سيتربع شخص مسلم على عرش فرنسا لأول مرة في التاريخ! على أي حال فهذا التخويف من الإسلام والمسلمين أصبح موضة شائعة في باريس، ولكن حكماء فرنسا يقولون كلاما معاكسا لحسن الحظ، فهم يعتقدون أن موجة التطرف ما كانت لتصيب بعض شرائح المسلمين لو أن الدولة اهتمت بالضواحي المهاجرة المهملة التي تحيط كالزنار بالمدن الفرنسية. فالبطالة والفقر المدقع هما السبب الأساسي لانتشار أفكار التطرف في أوساط جالياتنا العربية والإسلامية، هذا ما يقوله علماء الاجتماع وبقية المفكرين الجادين المحترمين، يضاف الى ذلك ما يلي: هل من الضروري جرح مشاعر الناس بشكل استفزازي عن طريق النيل من أقدس رموزهم؟ وبالتالي فليتحمل كل طرف مسؤوليته. إذ نقول هذا الكلام، فإننا لا نحاول إطلاقا تبرير مجزرة باريس الشائنة، ولا إيجاد أي عذر للمتطرفين الداعشيين. أسباب التطرف ولكن لا ريب في أن هناك سببا آخر لانتشار التطرف الديني، ألا وهو: انعدام التعليم الحديث للدين الإسلامي في فرنسا وعموم أوروبا. فإذا كان ذلك مقبولا في العالم العربي، فإنه ليس مقبولا ولا مفهوما في مجتمعات حضارية متقدمة. من المعلوم أن محمد أركون كان قد ناضل طيلة حياته لكي يفتحوا معهدا لتعليم الاسلام بطريقة علمية حديثة على غرار المعهد الكاثوليكي الكبير في باريس، أو على غرار الكليات البروتستانتية الشهيرة في ستراسبورغ، وسواها، ولكنهم لم يستمعوا إليه، فظلت جالياتنا فريسة لجماعات الإخوان والسلفيين والتعليم المتزمت للدين. هل تعتقدون بأنهم يدرسون الدين في المعهد الكاثوليكي، أو الكليات البروتستانتية بطريقة قديمة، بالية، عفى عليها الزمن؟ هل تعتقدون بأنهم يدرسونه بطريقة طائفية تكفيرية على غرار القرون الوسطى؟ أبداً، لا. إنهم يطبقون على تراثهم المسيحي أحدث المنهجيات التاريخية والاجتماعية والانتربولوجية. هذا ناهيك عن مادة أساسية تدعى: فلسفة الدين. وهذا ما كان يفعله أركون في جامعة السوربون، من خلال درسه الأسبوعي الشهير «السيمينير».كل هذه المناهج كان يطبقها على تراثنا الإسلامي العريق بكل تمكن واقتدار فيضيئه، ويجدده بشكل غير مسبوق. وكان يستعرضه من أوله الى آخره فتشعر، وكأنك تراه لأول مرة أو تتعرف عليه بعيون جديدة، يعرف ذلك كل من تابع دروسه آنذاك أو تخرج على يديه، وهم يعدون بالعشرات إن لم يكن بالمئات من شتى أنحاء العالم العربي والإسلامي. ولذا، فإنني أقول ما يلي: أهم مادة الآن في التعليم العربي ستكون في السنوات القادمة ليس مادة الرياضيات أو الفيزياء أو الكيمياء ولا حتى علم الذرة! وإنما ستكون مادة التربية الدينية. قارنوا بين برامج المعهد الكاثوليكي الباريسي وبرامج كليات الشريعة والمعاهد التقليدية عندنا تجدون العجب العجاب. في الجهة الفرنسية، هناك انفتاح على كل المعرفة الحديثة، وفي جهتنا نحن هناك الانغلاق والتكرار واجترار الاجترار. هنا يكمن المعيار الذي لا يخطئ على مدى حجم التفاوت التاريخي بين العالم الأوروبي/ والعالم الإسلامي الذي لا يزال يغط في ظلمات العصور الوسطى. متى ستتغير نظرتنا للدين أو فهمنا له؟ متى سنفهم هذا التراث العظيم بالطريقة التي يستحقها؟ متى سنخرج من نومة أهل الكهف؟ أعطيكم موعدا بعد خمسين سنة قادمة! ليس هدفي تخويفكم أو تيئيسكم في بداية هذا العام الجديد، ليس هدفي تثبيط عزائمكم، لن أتحول الى «زمور» آخر! ولكن المشكلة شاقة وعسيرة، ولا يمكن حلها بين عشية وضحاها، هذا أقل ما يمكن أن يقال. عندما أفكر بأن المسيحيين الأوروبيين ظلوا يقاومون تطبيق منهجية النقد التاريخي على نصوصهم المقدسة مدة ثلاثمائة سنة متواصلة أصاب بالإحباط والفزع، فمتى سنقبل نحن إذاً بها؟ ومعلوم أنه لا تحرير فكري قبل ذلك، لكن لنعد الى المناقشات الباريسية، ينبغي العلم بأن باريس أصبحت عاصمة عربية بشكل من الأشكال، فهي المدينة الوحيدة التي يوجد فيها معهد اسمه: معهد العالم العربي. وهي المدينة التي تضج بالعرب والمسلمين اكثر من سواها. باريس مربع خيلنا! معظم هموم العرب ومشاكل العرب تناقش بكل حرية في عاصمة البلد الذي يحتوي على أكبر جالية عربية في أوروبا: خمسة ملايين نسمة، وبهذه المناسبة يرى كبار المختصين في الدراسات العربية الإسلامية أن هناك حربا شعواء تدور حاليا حول المسألة المركزية التالية: من سيسيطر على عقول المسلمين؟ هل هم العقلانيون العرب أم الداعشيون العرب؟ كل ما عدا ذلك ثرثرات وأباطيل،وأعتقد أنهم مصيبون في هذا التشخيص. وبالتالي، فينبغي تعزيل التراكمات وتكنيس الخزعبلات مع علمنا بأن زحزحة الجبال أسهل من تغيير العقليات! فالمعركة مع الأصولية لن تكون سهلة ولا نزهة مريحة في واد من الزهور،وسوف تستغرق عدة أجيال. فهم يسيطرون على الشارع، على عقول الجماهير الأمية البسيطة المخدوعة بعمائمهم وطرابيشهم. كل الحركات التغييرية الكبرى في التاريخ ابتدأت بتغيير الفكر أولا. في البدء كانت الكلمة، للدلالة على حجم المعركة الفكرية التي ستندلع في فرنسا بعد هذا الزلزال الباريسي سوف أستعرض آراء بعض المثقفين الفرنسيين والعرب، ولكن منذ البداية أود التنبيه الى الحقيقة التالية: وهي أن المعركة الفرنسية ضد الأصولية ليست إلا امتدادا للمعركة العربية، بهذا المعنى أيضا، فإن فرنسا أصبحت بلدا عربيا، والواقع أنه في عصر العولمة الكونية لم تعد هناك حدود تقريبا. موقف جان فرانسوا خانوهو من كبار الكتاب المخضرمين وأحد أرباب الصحافة الفرنسية وصاحب المؤلفات العديدة عن فيكتور هيغو والقضايا الفكرية والسياسية المختلفة. فما هو رأيه فيما حصل؟ ما هو تشخيصه للوضع؟ أولا انه يذكرنا بأنه لم يكن متحمسا أبدا للصور الكاريكاتورية التي نشرتها مجلة «شارلي هيبدو» الهزلية الساخرة بشكل متهور ولا مسؤول، فقبل بضع سنوات أعلن رفضه لذلك، وقال إنه لا يحب الاستفزاز الرخيص والمجاني. وبالأخص، فإنه لا يحب التجديف بالمقدسات، لأن ذلك بالنسبة له يشكل نوعا من الطفولات الفكرية أو المراهقات الثقافية، ولكن بما أنهم سقطوا مضرجين بدمائهم ودفعوا الثمن باهظا، فإنه مستعد للدفاع عنهم حتى الموت، بل ومستعد لنشر كل ما كتبوه وفعلوه مرة أخرى تحديا للقتلة المجرمين الذين أرادوا إسكات صوتهم بطريقة بربرية، فقد كان بالإمكان أن يردوا على الكلمة بالكلمة لا بالرصاصة. كان بإمكانهم أن يشتموهم بأقذع الكلام ويمسحوا الأرض بهم لفظيا وكاريكاتوريا لا جسديا، ولهذا السبب، فإن جان فرانسوا خان أصبح يعتبر صحفيي «شارلي ايبدو» بمثابة ضحايا التعصب الأعمى. وعموما، فإنه يعتبر الأصولية الإرهابية خطرا ماحقا على الحرية الفكرية في جميع الأديان وليس فقط في الإسلام، فالأصوليون المسيحيون قضوا أيضا على الفلسفة اليونانية طيلة عدة قرون،كما وارتكبوا الفظائع والمجازر باسم الإنجيل على الرغم من أنه كتاب محبة وسلام من أوله الى آخره. ولكنهم تطوروا واستناروا وتجاوزوا المحنة الكبرى التي يعيش الإسلام الآن أخطر غمراتها. موقف عالم الاجتماع جان بيير لوغوف تتركز أعمال هذا المفكر المعروف وأستاذ السوربون على الطابع التناقضي لثورة مايو 68، فهي تحررية إنسانية من جهة وتسيبية إباحية من جهة أخرى. إنها ايجابية وسلبية في آن معا، وإن يكن الجانب السلبي فيها قد طغى على الجانب الإيجابي لاحقا، انه ناقد ماهر للثقافة اليساروية المراهقة والصبيانية التي هيمنت على فرنسا على اثر تلك الثورة الطلابية الشهيرة. وهو يرى أن من نتائج تلك الثورة هيمنة العقلية الملائكية الاستسلامية على فرنسا وعموم أوروبا،وهي ثقافة اليسار المتطرف واللا مسؤول. ولذا فليس غريبا أن تكون قد انتهت الأمور بهذه الضربة الإرهابية المذهلة، ثم يتساءل: ما الذي حصل لنا؟ ولماذا حصل ما حصل؟ للرد على ذلك ينبغي أن نحفر على الأسباب العميقة التي تنخر في جسد المجتمع الفرنسي وينبغي أن نقول ما يلي: إن الإرهاب الأصولي مصحوب بخطاب مليء بالحقد على الغرب، على «اليهود والصليبيين»، كما يقول بن لادن وبقية الداعشيين. بالنسبة للمواطنين العائشين في بلد ديمقراطي حديث فإن هذا المعجم اللفظي يبدو جنونيا وينتمي الى غياهب العصور الوسطى. ولكنه بالنسبة للمجتمعات الإسلامية أو لشرائح واسعة منها، فإنه يبدو حقيقة مطلقة وبدهية لا تقبل النقاش! ولا يكفي تفسير هذا التطرف الأعمى عن طريق القول بأن التهميش الاجتماعي الاقتصادي والفقر المدقع هما السبب، لا ريب في أن هذا التفسير صحيح جزئيا، ولكنه لا يكفي إطلاقا. ولا يكفي القول، إن هؤلاء المهووسين بالقتل مرضى عقليا. لا ريب في أن هذا التفسير صحيح جزئيا أيضا، ولكنه لا يكفي بدوره، هناك عامل آخر أهم وأعمق لا تتوقف عنده الايديولوجيا اليساروية السطحية هو: العامل الفكري أو الثقافي التربوي. فالعقلية الأصولية الإرهابية ترتكز على نظام أيديولوجي متكامل ومتماسك، فلها رؤياها الخاصة للعالم والسلطة والمشروعية وما يجوز وما لا يجوز، الخ..وهي تحدد بدقة العدو الكافر النجس الذي تنبغي تصفيته تطبيقا للفتاوى الشرعية بل وتقربا الى الله تعالى! ثم يضيف هذا الباحث قائلا: سواء شئنا أم أبينا، فإن فرنسا في حالة حرب مع الأصولية الاسلاموية في أفغانستان ومالي والعراق..وهذه الأصولية لها امتدادات داخل بلداننا من خلال الجاليات المهاجرة بالذات، فبعضها يتعاطف سرا أو علانية مع الأطروحات المتطرفة للأصوليين. لقد أخطأنا عندما سمحنا للأصولية الراديكالية بأن تزدهر في بلادنا مستغلة حرياتنا الديمقراطية التي تسمح أحيانا بكل شيء، ومعلوم أن هذه الجاليات المهاجرة أو بعضها هي الحاضنة الاجتماعية للإرهابيين، وبالتالي فينبغي أن يكون ردنا حازما وفوريا. ينبغي أن نطرح أسئلة محرجة من نوع: من يمول المساجد في فرنسا؟ من يمول أئمة الجوامع ومشائخ الإرهاب الذين يبثون السموم التكفيرية كل يوم جمعة؟ ولكن ينبغي التمييز هنا بين الاسلام التكفيري المتطرف/والإسلام العقلاني المنفتح.لا ينبغي أن نضع الجميع في سلة واحدة، حذار من الخلط الظالم بين البريء والمجرم، بين الصالح والطالح. وبهذا الصدد يمكن لمواطنينا المسلمين أن يلعبوا دورا كبيرا في انبثاق اسلام تنويري متصالح مع الحداثة والعصر، وهنا يكمن أمل المستقبل. وفي ذات الوقت، ينبغي أن تنتهي الايديولوجيا النسبوية والثقافة العدمية المهيمنة علينا منذ عدة عقود باسم حق الاختلاف! فليس صحيحا أن كل الثقافات متساوية. ليس صحيحا أن الثقافة التي تحترم حرية المعتقد والضمير تتساوى مع الثقافة التي لا تعترف بها، ليس صحيحا أن الثقافة التي تقمع المرأة تتساوى مع الثقافة التي تحترمها وتفتح لها كل أبواب العمل والإسهام في تنمية المجتمع. ليس صحيحا أن الثقافة التي تكفر كل الأديان الأخرى تتساوى مع الثقافة التي تعترف بها.هذه الحقائق قد تبدو بدهية، بل ومن العيب التذكير بها، ولكن الايديولوجيا النسبوية التي سيطرت بعد مايو 68 هي التي تجبرنا على ذلك، ففي رأيها أنه ينبغي أن نحترم كل الثقافات ونضعها على قدم المساواة لأن حق الاختلاف مقدس! وهذا هراء بطبيعة الحال. موقف المازري حداد منذ البداية ينتقد المازري حداد السياسات الفرنسية والغربية عموما تجاه قادة الأصولية الاسلاموية، ويقول بأن سياسة التساهل والتسيب تجاههم أدت الى هذه النتيجة الكارثية. فعلى مدار السنوات راحوا يفتحون لهم الصالونات ويفرشون لهم السجاد الأحمر بحجة مراعاة الخصوصية وحق الاختلاف وأنهم يمثلون الجاليات خير تمثيل، أي اختلاف هذا، وأية خصوصية! لا حرية لأعداء الحرية! ولا ديمقراطية لأعداء الديمقراطية!نقطة على السطر. وعندما اندلع ما يدعى «بالربيع» العربي راحوا يصفقون للإخوان المسلمين الذين سطوا عليه ويقولون بأنهم يمثلون الإسلام المعتدل، بل وزعموا بأنهم ديمقراطيون! حقا لقد تراجعت الأنوار الفرنسية أمام الظلاميات الإخوانية، وربما فعلوا ذلك مراعاة لبعض الدول الغنية التي قدمت لهم صفقات تجارية مغرية، وهكذا باعوا المبادئ بالفلوس، والآن يدفعون الثمن ويعضون أصابعهم ندما على تلك السياسات الخرقاء، ينبغي العلم بأن الديمقراطية ليست مجرد صناديق اقتراع. لا توجد ديمقراطية حقيقية بدون ثقافة علمانية حديثة تعترف بحقوق الإنسان والمواطن وبحرية الضمير والمعتقد، الديمقراطية والثقافة التكفيرية عدوان لدودان لا يجتمعان. ثم يضيف المازري حداد قائلا: ينبغي أن نمتلك الجرأة لكي نعترف بأن الذين ارتكبوا هذه المجزرة في قلب باريس هم مسلمون، ولكن إسلامهم ليس اسلامي أنا، ولا إسلام خمسة مليون فرنسي، ولا اسلام مليار وسبعمائة مليون مسلم في شتى أنحاء العالم، إنه الفهم الضال المنحرف الذي شوه صورة الاسلام الحنيف. وبالتالي، فمسلمو فرنسا أصيبوا مرتين من جراء هذا العمل الشنيع: مرة في وطنيتهم كفرنسيين، ومرة أخرى في قلب إيمانهم وعقيدتهم كمسلمين شرفاء، إنهم يبكون في آن معا على مواطنيهم الفرنسيين الذين سقطوا ضحايا بالأمس القريب، وعلى دينهم الذي شوهه هؤلاء القتلة المجرمون. لكن من هو المسؤول عن هذا التشويه الذي لحق بالدين الحنيف؟ في رأي المفكر التونسي، فإن حسن البنا هو المسؤول الأول، عندما شكل جماعة الإخوان المسلمين عام 1928. فمن رحم هذه الجماعة الشهيرة خرجت كل الحركات التكفيرية العنيفة من طالبانية وقاعدية وداعشية وبوكو حرام وأنصار الشريعة، بل وحتى حزب أردوغان وجماعة الغنوشي وجبهة الإنقاذ الجزائرية وجماعة الخميني، الخ.. ولكن هنا يطرح سؤال نفسه: ما الفرق بين الإسلام المعتدل/والإسلام المتطرف؟ ألا يوجد فرق بين أردوغان والغنوشي والقرضاوي من جهة/ وبن لادن والظواهري والخليفة المزعوم من جهة أخرى؟ في رأي المازري حداد لا يوجد فرق كبير، لا يوجد فرق في الطبيعة والجوهر، وإنما فقط في الاستراتيجية أو بالأحرى التكتيك. فكلهم يؤمنون بعقيدة واحدة ويفهمون الاسلام بنفس الطريقة الانغلاقية المتعصبة القديمة، ولكن الغنوشي وأردوغان وأشباههما أكثر ذكاء ومكيافيلية، فهم لا يكشفون عن وجههم الحقيقي وانما يضربون على الناعم من تحت لتحت، إنهم ليسوا أغبياء لكي يرتكبوا تفجيرات حمقاء صارخة تؤلب عليهم الرأي العام العالمي كله كما يفعل الداعشيون، ولكنهم يحاولون تغيير المجتمع في الاتجاه الإخواني السلفي بشكل تدريجي. وعلى أي حال، فإن الاسلام بالنسبة لجميع الأصوليين ليس قيما روحية وأخلاقية تنزيهية بالدرجة الأولى، وإنما هو مجرد أداة سياسية بالمعنى الحرفي للكلمة، انهم يعرفون مدى هيمنة الدين على العقلية الجماعية للشعب، ولذلك فإنهم يستخدمونه بكل انتهازية وفعالية للقفز على السلطة. وبالتالي فلا تقى عندهم، ولا ورع ولا من يحزنون!ما أبعدهم عن الإسلام العظيم، عن الإسلام الحضاري، اسلام القرون الأولى والعصر الذهبي! لن تقوم لنا قائمة بعد اليوم، ولن نستطيع رفع رأسنا في المحافل الدولية قبل أن نوقف هؤلاء عند حدهم، ونخلص الاسلام من براثنهم، بعد أن اختطفوه زمنا طويلا، لقد آن الأوان لتحرير الاسلام من طغاة المسلمين وجهلتهم ومتعصبيهم، فالإسلام الحق منهم براء. باختصار شديد، فإن المعركة اندلعت على مصراعيها في كل أنحاء العالم الإسلامي بين الفلسفة/والسفسطة، بين العلم/والجهل، بين التأويل العقلاني المستنير للدين/وبين التفسير المتزمت الحرفي التوتاليتاري الإخواني، نعم لقد اندلعت المعركة الكبرى بين الأنوار والظلمات،ولن تتوقف عما قريب، ولذا نقول إن الأصولية المتطرفة ما هي إلا مرض عضال ينخر في جسد الحضارة العربية والإسلامية. إنها إفساد للدين الإسلامي وحرف له عن مفهومه المستقيم الصحيح، لقد فرّغت الاسلام من كل معانيه الروحية والأخلاقية والإنسانية السامية وحولته الى مجرد أداة فتاكة ليس إلا، وبالتالي فهي ليست دينا بالمعنى المتعارف عليه للكلمة، أو قل إنها «دين دنيوي أو سياسي مسيّس» ليس إلا. إنها مجرد أيديولوجيا دنيوية انتهازية مطعمة بمعجم لفظي متدين براق وجذاب للجماهير.إنها أكبر خديعة في التاريخ وأكبر خيانة لتراث الاسلام الطويل العريض، و لكن المشكلة بل والبلية الكبرى تكمن في أنه خداع ماكر تنطلي حيلته على الجماهير، بل وحتى على المثقفين أحيانا. أخيرا، فإن الفلسفة هي التي ستنقذ العالم العربي عن طريق بلورة تأويل جديد وجوهري عميق للتراث الإسلامي كله. وهذا التأويل الجديد الساطع كنور الشمس هو الذي سيحررنا من براثن التأويل الظلامي القديم الذي عفى عليه الزمن، واذا كان الفيلسوف لا يستطيع أن يصبح ملكا حاكما، كما كان يحلم أفلاطون بشكل طوباوي فانه يستطيع أن يضيء الملك وينيره قبل أن يتخذ قراراته. وهذه هي العلاقة الإيجابية بين المعرفة/والسلطة، بين الحاكم/والمثقف.والفلسفة لا معنى لها ان لم تكن منخرطة في هموم المجتمع، بكل شؤونه وشجونه، لا معنى لها إن لم تُترجم على الصعيد العملي السياسي لكي تفيد المجتمع وتساهم في تقدمه الى الأمام. لقد انتهت أسطورة الفيلسوف المنعزل في برجه العاجي والمشغول بأوهام التأملات الميتافيزيقية.هذه صورة خاطئة عن الفلسفة والفلاسفة، كل الفلاسفة الكبار كانوا منخرطين في هموم مجتمعهم وقضاياه من أرسطو وأفلاطون الى الفارابي وابن رشد الى سبينوزا وفولتير وروسو وعشرات غيرهم. الفلسفة كانت دائما سياسية بالمعنى العالي، الاستشرافي، النبيل للكلمة، وهذا ما ينقص المثقفين العرب أو بعضهم بشكل موجع، ولهذا السبب صفقوا «للربيع» العربي الأصولي الإخواني، وكأنه يمثل طريق التحرير أو درب الخلاص!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©